الثورة السورية …الى اين؟
مروة كريدية
منذ عام ولم يغير النظام السوري من طريقة تعامله مع الحراك الشعبي بحيث بقي التعاطي الأمني هو الأبرز فيما زادت حدة العنف في الشهرين الأخيرين لا سيما أثر انشقاق وحدات من الجيش النظامي وتشكيل ما بات يعرف بالجيش الحر .وان كان معظم المدنيين لا هم لهم سوى العيش الآمن والكريم فإن جلّ أعمال العنف يذهب ضحيتها الأطفال ممن لا ذنب لهم سوى ان الاقدار شاءت ان يكونوا ابناء منطقة جغرافية يحكمها “ديكتاتور” يبيد المدن الثائرة على الفساد المطالبة بالحرية والعيش الكريم .
وفيما حاول النظام احتواء الأزمة عبر اجراء “استفتاء” لتعديل الدستور بعد اشهر عشر على انطلاق الثورة فإن محللون يرون ان هذه “الاصلاحات ” جاءت متأخرة كثيرا وشكلية لا فعالية لها على أرض الواقع ؛ فإلغاء حالة الطوارئ المزعومة لم تمنع من الاعتقالات التعسفية والاختفاء القسري للنشطاء علاوة على الممارسات اللاانسانية بحق المساجين ممن يتعرضون للتعذيب المشين والبشع ؛ كما أن التغيير الشكلي للحكومة لم ينتج عنه اي تغيير في السياسة التي يتبعها النظام الذي أحترف القمع ما يقارب النصف قرن ، فكوادره التي اعتادت إهانة البشر وقمع كل من تسول له المعارضة غير مؤهلة بطبيعة الحال للتعاطي “الآدمي” و”الراقي” مع النخب المعارضة من المثقفين ولا حتى مع المدنيين العادين من ابناء الوطن .
وحين لا تنفع حيرة الحليم ولا يجدي صمت المتأملين ويصبح الحكيم مذهولا من هول المأساة لأوضاع إنسانية أقلها مجزرة ارتكبت بحق الأطفال أطل بها الاعلام على المشاهدين صباح الأمس في حي كرم الزيتون بحمص وفي ظل تشابكات وتعقيدات إقليمية وشبه اجماع دولي على ضرورة عدم التدخل العسكري عمد النظام الى تكثيف حالة “الابادة ” المنظمة للمدن المنتفضة .
وان كان معظم السوريين يحاولون النأي عن جعل الانتفاضة تأخذ بعدا طائفيًّا او مذهبيا فإن التسريبات من أواسط الجيش النظامي السوري تشير الى ان النظام يتعامل بحذر بالغ في نشر وحدات جيش التي تحمل في تكوينها جنودا من “السنة” خشية الانشقاقات او الفرار، حيث يجد بعض الجنود انفسهم في موقع القاتل لابناء جلدتهم فيفرون او يهربون او ينشقون ، مما دفع بالجيش الى الاعتماد على ما يعرف بالفرقة الرابعة المؤلفة من عناصر خاصة تامة الولاء من “العلويين ” والتي يقودها ماهر الاسد شقيق الرئيس للدخول الى المناطق الساخنة .
اما المجلس الوطني السوري الذي تشكل في اسطنبول فإن أدائه قد تعرض لانتقادات واسعة ناهيك عن انقسامات المعارضة حول الرؤية وفيما حاول في البداية الحفاظ على سلمية الثورة وعدم دعوة اي دولة الى التدخل العسكري، فقد بدا ارتباكه واضحا حول الجيش الحر ليعلن منذ اسبوعين فقط في نهاية الشهر الماضي عن تأسيس المجلس العسكري لاحتواء الجهود وتنسيق عمل المنشقين .
هذه هي الصورة الحالية بالرغم من ايماني “الشخصي” كما كثيرين من دعاة اللاعنف بعدم جدوى السلاح وادانة كل حرب ،لانها مهما كانت اسبابها فهي جائرة ونتائجها ستكون كارثية بكل المقاييس، غير ان الفأس وقعت في الرأس بحيث تحولت قناعة كثيرين من دعاة “السلمية” الى ضرورة الدفاع عن النفس بعدما فقدوا كل الوسائل، كما انه يصعب على النخب “اللاعنفية ” اقناع بعض الثائرين بضرورة عدم حمل السلاح حتى للدفاع عن أنفسهم، مما أدى بالحراك الشعبي الى انقسام آخر فبعضهم وجد في “السكوت” ملاذا آمنا وحقنا للدماء خشية الانجرار الى حرب ابادة لاتبقي ولا تذر، بينما تعالت صرخات كثيرين من المنتفضيين في الشارع الى الدعوة للدفاع عن النفس بكل الوسائل بما فيها حمل السلاح و طلب التدخل الدولي العسكري لحماية المدنيين .
لذلك فقد خرج المجلس الوطني السوري مساء الامس في بيان صدر عقب اجتماعه بالمطالبة الصريحة “بتدخل عسكري عربي ودولي عاجل وبحظر جوي لمنع عصابات الأسد من الاستمرار في المجازر” ، كما دعا إلى تسليح “الجيش السوري الحر.معتبرا ان “بيانات التعاطف لم تعد كافية. والمطلوب مواقف عملية وقرارات وإجراءات ضد عصابات الأسد.” على حد تعبير البيان.
اما لجنة حقوق الإنسان المكلفة بالتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا فقد اشارت الى أن استخدام القوة من قبل القوات الأمنية والجيش النظامي ضد من “المجموعات المسلحة” يُعد عقابًا جماعيا للمدنيين. حيث قال رئيس اللجنة باولو بينيرو أن من بين من قتلوا خلال العام الماضي، منذ بدء الانتفاضة، أكثر من 500 طفل.مؤكدا ان “مجموعة من الأدلة من تحقيقات اللجنة أشارت إلى أن أفرادا معينين قد يكونون مسؤولين عن ارتكاب جرائم دولية”
بيد ان المواقف الدولية المعقدة والمتشابكة حولت سوريا الى بؤرة نزاع وصراع إرادات ومحاور إقليمية حادة تحكمها المصالح وادوات النفوذ لا الهم الانساني. فالدول لم تأبه يوما على الحقيقة بإهداء الحرية او الديموقراطية للشعوب. حيث تحولت سوريا الى الحصن الاخير الأنسب للروس والصينيين لخوض معركة إرادات مع الأميركيين وشركائهم ، كما ان طهران تخوض بكل قوتها صراعًا إستراتيجيًا لان سقوط نظام الاسد من شأنه ان يقوض ما عملت على بنائه خلال ثلاثة عقود كما ستخسر اوراقها في كل من لبنان والعراق على حد سواء .
اما الموقف العربي فانه يتحرك بثقل دول مجلس التعاون الخليجي التي ترى في تغيير النظام السوري لحظة حسم استراتيجي لضرب الأذرع الايرانية ومشروعها. لذلك فانها طورت موقفها تجاه الأزمة من موقف ينزع الشرعية ويدين القمع ويدعو الى وقف القتل الى الدعوة الصريحة لتسليح المعارضة المتمثلة بالجيش الحر .
وفيما سارعت الدول الغربية الى حسم أمرها في التدخل بشأن ليبيا فإنها لاترى في الشأن السوري الى الآن ما يستوجب التدخل ولا تجد في الكعكة السورية ما يشجع على ذلك في ظل التخوف الحقيقي من مرحلة ما بعد الاسد، فيما يرى بعضهم ان نظام الاسد انتهى فعليا ولا يحتاج الى تدخل أصلا انما هي مسألة وقت فقد تطول الازمة والفاتورة هنا سيدفعها الشعب السوري وحده من دماء ابنائه فيما ستحوذ هذه الدول على المغانم دون المغارم .
إذن ؛ ماذا بعد ؟ من سيحدد مصير الثورة ؟ وهل مصير سوريا ستقرره القوى الإقليمية والدولية ؟
أسئلة بالغة الأهمية لم يستطع أحد الجزم في معرفة حيثياتها، بيد انه يجب ان نعترف بداية ان الثورات في معظم الدول التي طالتها نبعت من حراك شعبي سلمي ومشروع ؛ وان صح التعبير فإن “المحاور الدولية” تبلورت بعد انطلاقها لا قبله، بتعبير آخر الدول سارعت الى ان “الركوب على ظهر الثورات” لتضمن مصالحها بعد انهيار الانظمة التي طالما كانت حليفة لها في السابق .
ان احتدام الصراع الإقليمي والدولي لا يعني أن مصير سوريا ستقرره القوى الإقليمية والدولية بمفردها بل ان الأمور سوف تتجه الى مزيد من التعقيد مما سيجعل الشعب السوري هو صاحب المسؤولية الاكبر. ولكن الخوف كل الخوف من ان طول الأزمة واستفحال العنف والقتل سيدفع بالحراك الشعبي الذي بدأ بدفع من القوى العلمانية والليبرالية الشبابية السلمية الى ان يتحول نحو الرديكالية الأصولية لا سيما بعد تعرض المدنيين العزل للمجازر وكان آخرها “الهولوكوست” التي ارتكبت بحق الاطفال في حمص بالأمس .
ايلاف