الثورة السورية .. تفكيك تدريجي لنظام الأسدعقبات على طريق توافُق سوريّي المعارضة .. افتقار إلى ثقافة التعاوُن وفن بناء التحالفات

 هل من شأن اجتماعات الدوحة توحيد صفوف المعارضة السورية؟ يعزو الخبير الألماني فولكر بيرتيس عدم نجاح المعارضة في التوافق، خلال أكثر من عام ونصف من الانتفاضة السورية، إلى افتقار المعارضين إلى الحنكة السياسية، نتيجة خضوعهم لنظام استبدادي مُتَجذِّر على مدى عقود، ويحذِّر من أن مستقبل سوريا سيكون رهين مقاتلي المجموعات لصغيرة المدعومة من الخارج، ما لَم تتوافق أطياف المعارضة تحت مظلة واحدة.

يُعرِب الناشطون في المعارضة السورية على نحو منتظم عن خيبة أملهم إزاء مستوى الدعم الدولي الذي يتلقونه. ورغم أن الاجتماع الأخير لما يسمى “أصدقاء سوريا” (مجموعة من الدول التي يجتمع ممثلوها بشكل دوري لمناقشة الوضع في سوريا خارج نطاق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة) جلَبَ المزيد من المساعدات المالية، فإن مدى الالتزام الحقيقي في الخارج بالقضية يظل موضع تساؤل وشك.

تقف وحدها في مواجهة نظام متوحّش

“جماعات المعارضة السورية تعتقد أنها تُرِكَت وحدها في مواجهة نظام الأسد الوحشي.”

الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وتركيا، وأغلب الدول العربية متّفقة على أن نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا لم يعد شرعياً. وقد كثفت هذه الدول العقوبات ضد حكومته، كما قدمت أنواعاً مختلفة من الدعم لجماعات المعارضة. وبعض الدول قدمت أسلحة آلية وذخائر وقذائف صاروخية.

ولكن مُؤَن الأسلحة تؤول إلى النضوب، وتظل توسلات الثوار طلباً للأسلحة المضادة للطائرات بلا إجابة. علاوة على ذلك، فلا الدول المجاورة لسوريا ولا الحكومات الغربية على استعداد للتدخل عسكرياً. بل إنها، رغم تعبيرها عن التضامن، رفضت إقامة منطقة حماية للمدنيين السوريين على طول الحدود مع الدول المجاورة، أو فرض منطقة حظر جوي لردع الطائرات العسكرية السورية.

ونتيجة لهذا، فإن جماعات المعارضة السورية تعتقد أنها تُرِكَت وحدها في مواجهة نظام الأسد الوحشي. ولكن يتعين على المعارضين السوريين أن يدركوا: أن الافتقار إلى العمل الدولي الحاسم لا يرجع فقط إلى توظيف روسيا والصين لحق النقض ضد أي إجراء حقيقي في مجلس الأمن، أو عزوف دول منظمة حلف شمال الأطلسي عن الدخول في حرب أخرى في المنطقة.

الواقع هو أن المجتمع الدولي ينتظر من المعارضة غير المنظمة في سوريا أن تحوِّل نفسها إلى قوة متماسكة فعّالة، بقدر ما تنتظر المعارضة تحرك المجتمع الدولي. وهذا يستلزم تشكيل أرضية مشتركة تمثل كل المجموعات ذات الصلة، بما في ذلك لجان التنسيق المحلية، واتحاد منسقي الثورة السورية، والمجلس العسكري للجيش السوري الحر.

تقدُّم عسكري وتراجُع سياسي

لا شك أن الثوار أحرزوا بعض التقدم. فقد أسسوا أربعة مجالس عسكرية إقليمية، وهو ما ساعد في ترسيخ زعامتهم وتوطيد سيطرتهم على مساحات كبيرة من البلاد، وخاصة بالقرب من الحدود التركية.

في مايو/ أيار 2012 ، اضطر برهان غليون إلى الاستقالة عن رئاسة المجلس الوطني السوري المعارض، أكبر تكتلات المعارضة، بعد تعرضه لانتقادات حول أسلوب قياته للمجلس.

ورغم ذلك فإن المعارضة السورية فشلت حتى الآن في تقديم نفسها كجهة فاعلة موحدة. وهو أمر يبعث على الدهشة، إذا ما علمنا أن شخصيات مؤثرة وتحظى باحترام كبير وأحزاباً سياسية كانت تتحدث باسم المعارضة في المحافل الدولية.

فالمجلس الوطني السوري، على سبيل المثال، يضم العديد من مثل هذه الشخصيات، ولقد تمكن من الحصول على الدعم المادي من عدة دول. ولكنه ليس شاملاً بالقدر الكافي للعمل بوصفه الممثل الوحيد للمعارضة السورية.

كانت المحاولات الرامية إلى توسيع المجلس الوطني السوري غير ناجحة، نظراً للتحفظات التي أعربت عنها بعض المجموعات المهمة، مثل المنتدى الديمقراطي، بشأن الانضمام إلى منظمة تعتمد على رعاة أجانب.

إن المعارضة السورية تحتاج إلى إنشاء منظمة جامعة مقبولة من الجميع، بمَن في ذلك الزعماء المدنيون والعسكريون، الذين فرضهم الأمر الواقع، وظهروا محلياً على مدى العام ونصف العام الماضيين.

وتسعى هذه المجموعات بالفعل إلى تحقيق هدف مشترك وهو: إسقاط نظام الأسد؛ وأغلبها (باستثناءات قليلة لجماعات مسلحة متشددة) تأمل في بناء دولة سلمية شاملة وديمقراطية.

ولقد اقترحت شخصيات معارضة مؤثرة، مثل البرلماني والسجين السابق رياض سيف، وكذلك رئيس المجلس الوطني السوري السابق برهان غليون، تبني استراتيجيات واعدة لتشكيل مثل هذه المنظمة الجامعة. على سبيل المثال، في وسع “مجموعة من الحكماء”، الذين لا يسعون إلى الحصول على مناصب سياسية، أن يتولوا الإشراف على إنشاء مجلس مؤقت يشمل كل المجموعات والائتلافات السياسية المعنية، والمجالس العسكرية، ومجتمع الأعمال، والزعماء الدينيين.

“لا أحد يطالب زعماء المعارضة بكنس خلافاتهم السياسية تحت البساط من أجل الحصول على دعم المجتمع الدولي. بل يتعين عليهم ببساطة أن يعملوا على إنشاء هيئة مشتركة تتقبلها كل المجموعات العاملة على الأرض، كما فعلت المعارضة الليبية عندما أنشأت المجلس الوطني الانتقالي”، كما يرى فولكر بيرتيس.

ولكن مثل هذه الخطط لم تتحقق بسبب غياب الثقافة التعاونية. ولأن السوريين كانوا خاضعين لنظام استبدادي عميق، فإن حتى هؤلاء الذين يكافحون من أجل إرساء نظام ديمقراطي يفتقرون إلى الخبرة في فن بناء التحالفات.

مَن سيُحدِّد مستقبل سوريا؟

ولم يتسن للساسة المحتملين قط قياس شعبيتهم في منافسات ديمقراطية. ونتيجة لهذا فإن عدداً ليس بالقليل منهم يبالغون في تقدير نفوذهم الفعلي، ويميلون إلى المنافسة على الزعامة وليس التعاون.

لا أحد يطالب زعماء المعارضة بكنس خلافاتهم السياسية تحت البساط من أجل الحصول على دعم المجتمع الدولي. بل يتعين عليهم ببساطة أن يعملوا على إنشاء هيئة مشتركة تتقبلها كل المجموعات العاملة على الأرض، كما فعلت المعارضة الليبية عندما أنشأت المجلس الوطني الانتقالي.

وبعد هذا، ينبغي لهم أن يقيموا سلطة شرعية داخل سوريا قادرة على إدارة المناطق المحررة، وتوزيع المساعدات، وتقديم الخدمات للمدنيين. وفي وسع هذه السلطة الانتقالية أن تدعو المجتمع الدولي إلى توفير الدعم المطلوب بسهولة أكبر مقارنة بأية مجموعة من المتمردين في المنفى.

إن الثورة السورية تمثل في الأساس تمرداً مدنياً سياسياً ضد الدكتاتورية ــ وهي تعمل تدريجياً على حل وتفكيك نظام الأسد. ويتعين على المعارضة أن تبدأ بوضع الأساس لنظام جديد يقوم على الوحدة والتعاون. وإلا فإن المجموعات الأصغر من المقاتلين المسلحين ــ والمدعومة، أو حتى المستغلة من قِبَل أطراف خارجية ــ سوف تحدد مستقبل سوريا.

فولكر بيرتيس

ترجمة: إبراهيم محمد علي

تحرير: علي المخلافي

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت 2012

فولكر بيرتيس، خبير في شؤون الشرق الأوسط ومدير معهد الشؤون الدولية والأمنية في برلين.