الثورة السورية والاحتجاج الثقافي في سورياالاحتجاج السلمي…ما لايراه الإعلام في الواقع السوري
في الوقت الذي ترتفع فيه وتيرة العنف في الصراع الدائر في سوريا، أضحى صوت المثقفين وناشطي السلام السوريين غير مسموع إلا نادراً في وسائل الإعلام الغربية وفي أوساط شعوب الغرب، كما تبين الكاتبة والصحافية الألمانية أستريد كامنسكي في مقالها التالي.
“لقد طور السوريون نوعاً جديداً من الثورة ـ ثورة شجاعة، لكنها ذات طابع سلمي”، هكذا كتب الروائي السوري رفيق شامي في مقدمته للترجمة الألمانية لكتاب سمر يزبك “امرأة وسط نيران متقاطعة” (أو تقاطع نيران)، الذي صدر في مطلع عام 2012 وتروي فيه الكاتبة السورية عما عاشته أثناء مشاركتها في المقاومة حتى هروبها إلى فرنسا في تموز/ يوليو 2011.
كتاب يزبك صدر باللغة الألمانية في آذار/مارس 2012، أي في وقت أصبح يــُنظر فيه إلى سوريا على أنها في خضم حرب أهلية عنيفة. ولكن يبدو أن العنف الدائر في سوريا قد كتم الصرخة من أجل الحرية التي يعبر عنها كتاب يزبك هذا. فكل ما يصلنا من سوريا اليوم هو أخبار عن جبهات القتال وعن أعداد الضحايا القياسية بعد المعارك العنيفة.
لم نعد نسمع في وسائل الإعلام إلا تقاريرَ مثيرة للقلق عن عسكرة وأسلمة المعارضة السورية. وأصبحت أسماء مثل “جبهة النصرة” ومفاهيم كـ “تضارب المصالح الإقليمية” وصور للمقاتلين المتحصنين خلف متاريس في الشوارع تهيمن على التغطية الإعلامية للوضع في سوريا.
غير أنه من المعروف أن موجة الاحتجاجات التي انطقلت مع اندلاع المقاومة الشعبية في سوريا لم تتراجع، بل بالعكس، اتسعت رقعتها، وما زال الكثيرون من الناشطين يناضلون من أجل تغيير سلمي، وذلك بالأساليب السلمية للمجتمع المدني.
فهُم يؤسسون جرائد جديدة وحركات طلابية، وينظمون لجاناً محلية ذات هياكل ديمقراطية، ويؤلفون الأغاني وينظمون عروضاً مسرحية ساخرة في مسارح الدمى، ويصممون ملصقات مثيرة، ويحاولون بطرق فنية متعددة جذب الأنظار إلى الوضع في سوريا، لكن اهتمام العالم بهذه النشاطات يتلاشى باطراد.
تشكيك عام الكتاب الصادر بالألمانية عن دار ديتس للنشر، بإشراف الباحثة في العلوم الإسلامية لاريسا بندر 2012 والذي يحمل عنوان
الكتاب الصادر عن دار ديتس للنشر، بإشراف الباحثة في العلوم الإسلامية لاريسا بندر، عام 2012 والذي يحمل عنوان “سوريا ـ الطريق الصعب نحو الحرية”، لم يحظَ بعد نشره بالاهتمام، وذلك بالرغم من أن نخبة من المفكرين والناشطين السوريين ساهموا في هذا الكتاب بمقالات تتناول جميع مناحي حركة الاحتجاجات في سوريا.
تقول الكاتبة السورية روزا ياسين حسن إن الثورة السورية أصبحت طفلاً يتيماً. ولذا كان مصير الكتاب الرائع الذي صدر بإشراف الباحثة في العلوم الإسلامية، لاريسا بندر، مشابها.
الكتاب الصادر عن دار ديتس للنشر عام 2012 والذي يحمل عنوان “سوريا ـ الطريق الصعب نحو الحرية”، لم يحظَ بعد نشره بالاهتمام، وذلك بالرغم من أن نخبة من المفكرين والناشطين السوريين ساهموا في هذا الكتاب بمقالات تتناول جميع مناحي حركة الاحتجاجات في سوريا.
والذي حصل هو التغطية الإعلامية المسيّسة ركزت على القطبين المكروهين في الصراع الدائر في سوريا، أي على نظام بشار الأسد وجيشه من جهة، وعلى مقاتلي الإخوان المسلمين والمجاهدين من جهة أخرى. وهذا ما أدى في نهاية المطاف إلى التشكيك في سوريا بشكل عام أخلاقياً.
ولهذا السبب يثير مصطلح “الحرب الأهلية” حفيظة المفكرين والفنانين والناشطين السوريين بغض النظر عن انتمائاتهم العرقية أو الطائفية. وإذا ورد هذا المصطلح في أحد الأسئلة أثناء مقابلة صحفية مع أحدهم، فإن هذا المصطلح سيكون نقطة الحوار الأولى.
ليس الهدف هنا المجادلة في أسباب التغطية الإعلامية المسيّسة للأزمة السورية. فكثير من المراقبين المحنكين بدأوا في نهاية عام 2011 باستخدام مصطلحات الحرب الأهلية.
وبالفعل فإن عدم الثقة بين مجموعات المعارضة بدأ يتزايد، وكذلك أصبحت عبارات مثل “نحن كلنا جهاديون، الموت للعلويين” تــُسمع حتى في المظاهرات الخالية من العنف. لكن “حساسية” المثقفين السوريين الداعمين للثورة الشعبية ضد مصطلح “الحرب الأهلية”، لا تنبع من كونهم منكرين أو مقللين من شأن مخاطر الصراعات الطائفية واستخدام الإسلام في الصراع.
السبب في هذه “الحساسية” هو غياب الرؤية الموضوعية وتحليل أسباب الصراع ودعم النشاط السلمي في سوريا، غياب كل ذلك عن وسائل الإعلام الآن.
وحتى النشاطات السلمية ذات الصور الرمزية القوية والتي يُضمن لها عادة الاهتمام من جانب وسائل الإعلام، أصبحت بالكاد تلقى صدى إعلامياً يُذكر.
فرقة مسرح الدمى “مصاصة متّة” هي فرقة فنية انتشرت أعمالها على صفحات الإنترتت ووسائل التواصل الاجتماعي. وسخّرت فنها للاحتجاج ضد الديكتاتورية.
على سبيل المثال قامت أربع سوريات في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي 2012 بعبور أحد الأسواق القديمة في دمشق، مرتديات فساتين عرس بيضاء ومطالبات بوقف القتال في سوريا.
قوات الأمن السورية من جانبها اعتقلتهن، لكن هذه الحادثة لم ترد في وسائل الإعلام. والنداء الذي أطلقته منظمة العفو الدولية من أجل إطلاق سراحهن لاقى اهتمام 55 شخصاً فقط ممن وقّعوا عريضة جاهزة في الانترنت، معبرين عن تضامنهم مع النساء الأربع.
فقط بعد عملية تبادل المساجين في التاسع من كانون الثاني/ يناير الماضي 2013 أُطلق سراح العرائس وظهرت صورتهن ضمن خبر عام في بعض وكالات الأنباء هنا وهناك. وحتى الآن لا يزال مصيرهن مجهولا.
قامت سابه فونش وأوتا تسفكريش في آب/ أوغسطس المنصرم 2012 بتنظيم معرض لفنانين سوريين في برلين أطلقتا عليه اسم “Kunststoff Syrien” وكان له صدى كبير في الإعلام الألماني. بعيداً عن الأنظار
فرقة مسرح الدمى “مصاصة متّة” هي ظاهرة استثنائية أخرى لم تتناولها وسائل الإعلام، باستثناء موقع “قنطرة” للحوار مع العالم الاسلامي وصحيفة يومية ألمانية أخرى.
المعلومات غير الرسمية الواردة تقول إن الفرقة قد غادرت سوريا إلى المنفى. للمقارنة: لو كان الكاتب الإيطالي روبرتو سافيانو، المعروف بكتبه الجريئة حول جرائم المافيا في إيطاليا، قد غادر بلاده إلى استراليا مثلاً، لكان الخبر قد نـشر في ألمانيا حتى في الجرائد المحلية الصغيرة.
ومن الأمثلة على صفحات سورية جديدة تستحق أن تتناولها وسائل الإعلام الخارجية، وربما أيضاً أن تدعمها، صفحة Syria Tomorrow أي ” سوريا غداً”، أو “عنب بلدي”، أو “سوريتنا”، أو “طلعنا عالحرية”.
وإذا سأل المرء الصحفية والناشطة في مجال حقوق المرأة رولا أسد المقيمة حالياً في هولندا، فإنها تجيب بتفصيل وتسمي وسائل إعلام عربية كثيرة تُعنى بالثورة السورية، ولا يستطيع من لا يتكلم العربية أن يتصور وجود هذا الكم من وسائل الإعلام.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الدعم الذي يلقاه المفكرون والفنانون السوريون الذين هربوا من سوريا إلى المنفى، يبقى محدوداً. الأماكن التي توفرها دار هاينريش بول ونادي القلم الدولي في ألمانيا يشغرها حالياً روزا ياسين حسن وعامر مطر وهبة الأنصاري. لكن طلبات التقديم للحصول على أحد هذه الأماكن ترد بشكل شبه يومي، كما تقول مديرة دار هاينريش بول، زيغرون ريكهاوس.
والأصعب من ذلك هو حصول الجزء الأكبر من الفنانين والناشطين السوريين الذين هربوا إلى مصر أو لبنان، على الدعم. وعلى عكس ذلك، فقط حصل الثوار المصريون قبل عامين على اهتمام ومساعدة الكثير من المؤسسات الممولة من دول غربية.
ومن المهم أن ننتبه هنا إلى أن تمويل النشاطات الثقافية هو شيء ثانوي، وذلك في ضوء ضعف الإمدادات الإنسانية الأساسية للنازحين السوريين في الدول المجاورة لسوريا، حيث تعاني المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من نقص بنسبة 80 بالمئة من الموارد اللازمة لسد حاجة اللاجئين في المنطقة.
ولكن ليس من وظيفة وسائل الإعلام وحدها أن تنبه إلى النشاطات الثقافية لكثيرين من السوريين، وأن تساهم بذلك بدعم هؤلاء الأشخاص الذين يشكل نشاطهم وفنهم بالنسبة لهم العزاء الوحيد بعد ما عايشوه من تعذيب وهرب إلى المنفى.
هناك سبل دعم أخرى: فعلى سبيل المثال قامت سابه فونش وأوتا تسفكريش في آب/أوغسطس المنصرم 2012 بتنظيم معرض لفنانين سوريين في برلين أطلقتا عليه اسم “Kunststoff Syrien” وكان له صدى كبير في الإعلام الألماني.
بالطبع لن يكون من الممكن أن يُحسم مجرى حرب أهلية عن طريق دعم النشاط الفني، ولكن يجب ألا نقلل من شأن دعم أطراف المجتمع المدني والاهتمام بنضالها السلمي ونشاطاتها الثقافية والفنية. وفي ضوء ذلك يبقى عدم التدخل في الصراع السوري خوفاً من “تضارب مصالح” محتمل، حجة ضعيفة.
أستريد كامنسكي
ترجمة: نادر الصراص
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: موقع قنطرة 2013