صفحات سوريةغسان المفلح

الثورة السورية والسؤال الأخلاقي


غسان المفلح

السؤال الأخلاقي هو بالاساس سؤال خلافي.. والاجتهاد فيه غير محصن من الزلة والانحياز الذاتي، لأن السؤال الأخلاقي سؤالا يجيب عن المعقول والمكتسب وعن غير المعقول والفطري، واللا إرادي، فكيف تبقى الاجابة الأخلاقية عن السؤال هذا وهو في حد ذاته سؤال منحاز أساسا!!؟

سؤال فيه من العقلانية الكثير وفيه من الرغبوية ربما أكثر.. وفيه كتلة من الهيولى غير محدد القوام والملامح تتشكل وتأخذ قوامها النقدي من هذه الرغبوية حسب أخلاقية المرسل للقول أو الفعل أو كلاهما معا.. المواضعات التاريخية والاجتماعية وما نتحسسه من خلالها في سلوك الافراد، لايمكننا من فهم السؤال الأخلاقي دون رؤية هذه المواضعات، كيف تتكرس في كل مكان وزمان، وفي كل شرط انساني عام وخاص، سياسي واقتصادي وثقافي ونفسوي..الخ وكيف يمكن تحديد المعايير في حكمنا الأخلاقي على هذا السلوك أو ذاك؟ خير شر، قبيح جميل، في خاتمة المطاف ووفقا لهذا السؤال هنالك ثنائية أخلاقي ولا أخلاقي. من يحدد معايير الحكم على هذا السلوك أوذاك؟ إن أي معيار في الحكم وفقا لهذه الثنائية محكوم سلفا بارضية ذاتية، متحركة وزلقة بتحرك هذا الفرد او ذاك وهذا المثقف أو ذاك، ووفقا لخلفياته مجتمعة معا في شخصيته وتجربته الحياتية عموما وحاضرة بسلوكه وبالتالي في حكمه على هذا السلوك إذا كان خيرا ام شرا، أخلاقيا أم غير أخلاقي..

ولايزال السؤال الأخلاقي رغم امتلاء خزانه المعرفي والفلسفي والايديولوجي والديني والنفسي، لايزال سؤالا نشطا في هذه الحقول ذاتها، وكي تتحصن البشرية من هذا الانزلاق الرغبوي الارادي واللاارادي احيانا وضعت يدها على اهم اكتشاف برأيي وهو مفهوم الحق والقانون.. في أي حكم خارج القانون وأية إجابة اصبحت في هذا العصر، تعد إجابة مهما كانت غنية بمدلولاتها الكلامية، تبقى كلاما ما لم تكن موثقة ومؤسسة وفقا لقانون ما.. وهنا نعود إلى نفس الاشكالية من يضع القانون ومن يمثله ومن يمتلك قوة الحكم فيه وبالتالي تطبيقه؟ أسئلة كثيرة أيضا..كيف الخروج من هذا النفق الزلق..؟ القانون في أسه أخلاقي ويشكل عامل ضبط فيما يتعلق بسلوك البشر افرادا وجماعات ميلشيات جيوش دول..الخ وتصبح المعادلة هذا السلوك قانوني ام غير قانوني، وهنا لب المشكلة في الانحياز “اللا أخلاقي” واللا قانوني ضد الثورة السورية، وفقا لكل القوانين الوضعية والسماوية ووفقا لكل شرائع البشر قاطبة، هذا النظام العصابة مجرم وقاتل وقد نهب البلد ودمرها وفتت مجتمعها على مدار اربعة عقود، ثمة أمر آخر أي قانون اتاح للوريث المجرم أن يمتلك سورية وأية أخلاق أيها الباحثون عن أخلاقيات الثورة السورية!!؟

كفاكم كذبا ونفاقا..باختصار المعادلة هنا..معايير حكمك الذاتية تجعلنا نهبط في هذا النص إلى مستوى لا نريده لكننا للآسف لم نجد بدا من استخدام تعابيركم ذاتها.. وهذا الهبوط ليس من عادتي..المسألة بسيطة والحسبة أبسط: حملوا المسؤولية للعصابة الحاكمة عما جرى ويجري في سورية، وطالبوها بتحمل تبعات جرائمها، وبعد ذلك أو في نفس السياق تحدثوا عن أخلاقيات الثورة السورية.. أما مع العصابة وجرائمها تتحدثون عن وجوب حل سياسي، وعن أخلاقيات الثورة تتحدثون عن وجوب اقتلاع للبشر..مع ذلك سنترك هذا المستوى ونعود للحديث عن موضوعنا.

وضوح المعيار الأخلاقي على سلوك الافراد والبشر أهم من الأخلاق ذاتها.. لهذا كيف يمكننا قانونيا الحكم على سلوك افراد بالثورة السورية؟ وبالتالي من خلال سلوك هؤلاء الافراد نقيم الحد على الثورة جملة وتفصيلا!! هل يعقل هذا الحكم؟ مع ذلك هنالك اختراقات غير قانونية وغير مقبولة من قبل هؤلاء الأفراد هذا أمر وفقا لمواضعات قانونية في حالة كحالة الثورة السورية، ووجوب احترام حقوق الانسان عموما وحقوق الأسير والمعتقل والمدنيين..هذا أمر لا غبار عليه مطلقا لكن لا يطرح السؤال الأخلاقي على الثورة السورية بهذه الكثافة الهجومية من قبل اسماء ثقافية خاصة، من المفترض انها تدعي أن سلوكها محكوم بمعايير اخلاقية مثالية!! مضبوطة ومتعوب عليها!! ” أخطر ما يُمكن أن تواجهه الثورة السورية الآن أن تصير كالنظام الذي تحاربه من حيث نمط التفكير والتوجّه وأساليب العمل والخطاب.” هذا تكثيف يطرحه الكاتب مرزوق الحلبي في مقال عن الثورة السورية يتناول الموضوع الأخلاقي..

هذا قول منطقي لكنه غير صحيح لأن الثورة لو كانت مثل النظام لما ثارت.. ولا يمكن الحكم على الثورة إلا بعد سقوط هذه العصابة، فإذا كانت مثل النظام يمكننا من جديد النضال ضدها..لكن إدخالنا بإشكاليات زائفة بدلا من الحديث عمن يقوم بتدمير البلد ومن دمرها؟ وكيفية التخلص منه؟ إنني لا اصادر حق أحد كائنا من كان ولا اصادر اي حديث عن الثورة، لكن هذه التحسبات الاستباقية وتمرير من خلالها حكما على الثورة السورية من خلال بعض الممارسات هنا وهناك، وبالتالي التقييم ان الثورة فيه مخاطر انزلاقات غير أخلاقية تستدعي في النهاية السياسية التروي في دعمها ومساندتها سوريا واقليميا ودوليا، هذه المحصلة السياسية من هذه الرغبوية التي تحاول ان تتحصن خلف مفهومي الموضوعية الاخلاقية والبحثية من جهة واحيانا الحرص على الثورة من جهة اخرى!!

من اهم ما حصلت عليه الثورة السورية هي تأكيدها للدرس الأخلاقي، وإلا لما كانت تعرضت لكل هذا التشكيك الأخلاقي..رغم أنها بالمعلومات والوثائق والارقام، الثورة السورية تفوقت ولاتزال تتفوق اخلاقيا من حيث الشرط القانوني والانساني على كل الكتلة التي تقف مع العصابة الحاكمة سلوكا وممارسة وثقافة واعلاما.. لم تتعرض أية “قرية علوية” لأي هجوم من قبل الكتلة الثائرة، لم يستطع احد لا اصدقاء الثورة السورية ولا اعداءها اثبات ذلك رغم كل التخرصات عن قاعدة وجهاديات، ورغم كل التخرصات عن وجود شحن طائفي، والذي اعتمدته العصابة الحاكمة منذ أكثر من خمس واربعين عاما.. من الأخلاق أن يتحدث من يطرحون السؤال ألأخلاقي على الثورة السورية، ان يتحدثوا عن ذلك أيضا من باب الأخلاق نفسها التي يزعمون أنهم يتحدثون عنها… الشحن الطائفي غير مقبول من أي طرف كان..وهذه سمة لا نجدها في ادبيات الثورة بكل تنوعاتها السياسية وغير السياسية، ووجود حالات فردية وردود افعال يتم تسقطها هنا وهناك..أمر يدعو للريبة في الحقيقة، وليس أخلاقيا.. هذه مهمة حقوقيين ومنظمات حقوق انسان.. وليست مهمة مثقفين يريدون الحديث عن عموميات مجردة، تشكل درسا يعتمد الوثائقية…الوثائقية تقول ارتكب هذا الفرد او ذاك تلك المجموعة او تلك هذا الجرم.. ويجب ان يتم التعامل معه او معها وفقا لهذا المعطى الوثائقي، وليس وفقا لمعيار قانوني و أخلاقي يعمم على الكتلة الثائرة والثورة، ويجرد من فرادته!!

حتى أن غالبية فصائل المعارضة لاتزال تؤكد على مقولة اختلاف التعامل مع من يديه ملوثة من العصابة الحاكمة ومن لم تتلوث يديه بالدم السوري. هذه قرينة اخلاقية تحاول اعتماد المعلومة والوثيقة والتسلسل الهرمي والعملي للعصابة الحاكمة.. لاتزال المعارضة تهلل بأي منشق عن العصابة الحاكمة وترحب وتستوعب، وخاصة إذا كان من أبناء الطائفة العلوية فتقام له كرنفالات!! لتؤكد عمق لاطائفية هذه الثورة التي لاتحتاج إلى كرنفالات لتأكيد ذلك.. وهذا مؤشر آخر برأيي.. السؤال الأخلاقي يقتضي منا حقيقة إذا كنا معنين فيه بشكل مجرد بعيدا عن أي مرام سياسية، أن نموضعه في درس العياني من الحدث، هذا صحيح ولكن يجب عدم تعميم العياني من الاحداث، وإلا يصبح الحديث مبررا عن أن كل الطائفة العلوية مجرمة مثلا، وهذا غير صحيح وحكم لا أخلاقي.. اتقوا الله في اخلاقكم قبل أخلاق الثورة ودماء شعبنا.

يلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى