الثورة السورية وبذرة أردوغان الخبيثة
طارق حمو
منذ اللحظات الأولى لاندلاع المظاهرات في سوريا قلنا بان تركيا لن تكتف بموقف المتفرج ولن تكون محايدة في الصراع بين الشعب والسلطة الغاشمة. ولم تفعل تركيا غير ذلك. تابع مجلس الأمن القومي التركي( MGK) كل تطورات الثورة من خلال (غرفة العمليات الخاصة) التي أنشئها واستلم منها التقارير أول بأول. بعد ذلك جرت اتصالات وزيارات كثيرة بين أنقرة ودمشق. كان رجب طيب أردوغان وفريقه في حزب العدالة والتنمية يراهنون على الحصان الرابح. أياً يكن هذا الحصان، سواء كان الشعب أو السلطة. تركيا التي لها عيون داخل أدق مفاصل النظام السوري، حذرت هذا النظام من التفكير في تشكيل “دولة علوية”، كما كررت أوامرها في ضرورة “عدم الاعتراف بالشعب الكردي دستوريا”، ورفض الاقرار بأي شكل من “اشكال الحكم الذاتي” او “الادارة المحلية الموسعة”.
وبعد ذلك استدعت تركيا قيادات تنظيم (الاخوان المسلمين) وسلمتهم أمر التحضير للمؤتمرات المعارضة. توالت سلسلة المؤتمرات. كان الاخوان هم دائما الراعين و”الجهة المنظمة” وانفقوا كثيرا وبسخاء من أمول الحكومة التركية. الضيوف الكرد تم انتقاؤهم بعناية بعد ضوء أخضر من الاستخبارات. تمت دراسة ملفاتهم بدقة. القاسم المشترك بينهم كان العداء لثورة الشعب الكردي في كردستان الشمالية. هؤلاء قبلوا على أنفسهم ان يجلسوا تحت العلم التركي وان يستمعوا الى دروس “الاخوان” ومن لف لفهم. تم طبعا اقصاء كل الحراك السياسي الكردي. لم ينس أردوغان أن ينعت ولادة (مبادرة الحركة الوطنية الكردية في سوريا) في مدينة قامشلو في 14/04/2011 ب”المؤامرة الكبيرة على سوريا”.
حزب العدالة والتنمية التركي حاول شق الصف الكردي منذ اليوم الأول من الانتفاضة السورية. بدأت أموال العوائل السورية الثرية المنافسة لآل مخلوف وآل شاليش تتدفق على بعض الشخصيات المخربة خارج وداخل البلاد، ووصل من هذه الأموال “جزء الجزء” أو “رأس الابرة” كما يقول المثل الكردي، إلى بعض قيادات التنسيقيات. السماسرة نهبوا القسم الاكبر. تجار الحروب يظهرون في كل أزمة.
معارضة “الاخوان” رفضت مفهوم “علمانية الدولة” وهاجم بعض وجوهها الكالحة الشيخ مراد الخزنوي لانه طالب بتأسيس سوريا القادمة على أساس ديمقراطي علماني، يٌفصل الدين فيها عن الدولة. ولأن الشيخ مراد شخصية كردية معروفة في سوريا، كان نصيبه من الهجوم مضاعفا. لو كان القائل شيخا عربيا سنيّا لما رأينا كل هذا الهجوم الموتور. وسقطت المعارضة الاخوانية امام اختبار ثان عندما اقامت الدنيا ولم تقعدها لما طالب الكرد بتعريف سوريا بالجمهورية السورية ورفع صفة “العربية” التي تدمغ كل الاثنيات السورية، وتقصي الجميع في استمرارية للفكر البعثي الالغائي. كيف يمكن القبول بان يٌكتب على بطاقة شخصية لمواطن كردي أو آشوري سوري بانه “عربي سوري”؟. وكانت حملة موتورة امتدت الى باقي الساحات العربية، وتدخل كتاب شوفينيون حاقدون على الكرد ووجدوها فرصة مفيدة لتصفية الحسابات مع الكرد والانتقام من “اقليم كردستان العراق” والتحذير من “حذو اكراد سوريا لتجربة اكراد العراق” و”تهديد العروبة”. وكان هناك حديث عن “الطعن في ظهر العرب” و”تنفيذ المخططات الصهيونية”، وغير ذلك من كليشيهات الخطاب المفلس الشوفيني الذي ظنناه تلاشى مع تلاشي الديكتاتور صدام حسين وفكره المدمر.
وتوالت يوميات الثورة السورية، واستمر النظام في قتل المواطنين. في المناطق الكردية تظاهر عشرات الآلاف لتأييد مطاليب أهل حوران وحمص وحماة ودير الزور. النظام شاهد تلك التظاهرات ولكنه لم يطلق النار عليها. الفرق بين تظاهرات الكرد والعرب في سوريا، هو ان النظام كان يقتل المواطنين العرب ولكنه لم يقتل الكرد رغبة منه في عدم اثارتهم وقطع “شعرة معاوية” معهم. الاحزاب السياسية الكردية اتفقت على دعم الثورة الشعبية ولكنها اختلفت حول آلية التنفيذ أو الاعلان الرسمي عن ذلك. الاحزاب العربية الموجودة في الداخل فعلت الشيء نفسه. الأمر اثار العائلات الثرية تلك، فقررت تمويل بعض التنسيقيات( ونشدد على كلمة البعض) من اجل التصعيد واستجلاب قمع آلة النظام الحربية. كان الهدف هو تدمير كل تماثيل حافظ الاسد وبشار الاسد، واحراق دوائر الدولة. وقتها ستتحرك القطع العسكرية للمناطق الكردية وسيجري دماء الكرد أنهاراً. هكذا كانت الخطة.
بدأت المستفيدون من التنسيقيات باطلاق حملة تشويه ضد الاحزاب السياسية وبشكل عام حزب الاتحاد الديمقراطي(PYD)، عدو تركيا اللدود في سوريا. ويجري كل هذا في غفلة من السوّاد الاعظم من الشباب الكردي الوطني المؤطر ضمن هذه التنسيقيات. هناك من يتاجر باسم هؤلاء ويقبض من ورائهم. وبدأت الدعاوي حول رفع العلم السوري ومنع رفع الرموز الكردية. وتصاعّدت هذه الحملة غير البريئة برفع العلم التركي في وسط قامشلو. وربما تورط الكثير من الطيبين الممتلئين حماسة في الموضوع وانضموا الى الحملة ضد حزب الاتحاد الديمقراطي وبقية الاحزاب السياسية الكردية. وبدأ صوت الخصام والتخوين يعلو، وهذا بالضبط ماتريده الدولة التركية، ومايريده النظام الحاكم في دمشق ايضا.
شباب التنسيقيات شباب وطني ولاغبار عليه. على هذا الشباب ان يحاسب من يتكلمون باسمه ويساءل عن هوية الخطوط التي يفتحونها مع الخارج.
الحملة الموتورة على حزب الاتحاد الديمقراطي لن تنجح. هذا الحزب يسند ظهره للشعب الكردي، واي صدام معه، سيكون خسارة مضمونة. حزب الاتحاد الديمقراطي مطالب بحماية الشعب الكردي سلما وحربا وأي ضرر يمس الكرد، هو سيقدم الحساب للتاريخ وللامة الكردية.
لايظن احد بان حركة حرية كردستان ستترك الكرد في سوريا وحدهم. ولايظن احد بأن كل من يتاجر بدماء الكرد ويقبض الأموال أو يبحث عن مناصب لدى مؤسسات اعدء الكرد في أنقرة وغيرها، سيبقى بمنأى عن المساءلة والمحاسبة.
هناك حديث عن مؤتمر كردي في الداخل. هذا امر مفرح. يجب دعوة كل القوى السياسية ودون اقصاء احد. يجب دعوة كل التنسيقيات والاعتراف بعملها ودعم تنظيمها. يجب الاتفاق على كل خطوط العمل الرئيسية والموقف من النظام ومن قوى المعارضة ايضا.
توحيد الخطاب الكردي والعمل معاً أمر مصيري الآن.
أما من يرفض الحوار مع التنظيمات الكردية والتنسيقيات الوطنية، ويختار البلبلة وتشويه سمعة الحراك الكردي، ومنع رفع الرموز الكردية والاكتفاء ب”رموز الوطن السوري”، والتحريض بشكل مشبوه، فمكانه لن يكون في خندق الشعب الكردي. مكانه في خندق الدولة التركية. وفي هذه الحالة نكون قد كشفنا عن هوية هؤلاء الرافضين للعمل العام المشترك والخارجين عن اجماع الجماهير، وبذلك نتمكن من تعريف البذرة الشريرة التي بذرها رجب طيب أردوغان في المناطق الكردية واراد منها ان تكون البداية الحقيقية ل”ميليشيات حماة القرى ـ فرع سوريا”!!.
ايلاف