صفحات المستقبل

الثورة تتطلب إعلاماً كردياً أقوى


هيفيدار ملّا

 لقد أدى غياب الإعلام الكردي القوي والمهني إلى خلق فجوة بين الأكراد وباقي مكونات الشعب السوري المشارِكة في الثورة،

سمحت للبعض بتلفيق التهم جزافاً بحق الأكراد. كان ذلك واضحاً عند انسحاب ممثلي المجلس الوطني الكردي من مؤتمر المعارضة السورية الأخير في القاهرة، فاتُهموا بأنهم وراء فشل المؤتمر، رغم انسحاب العديد من ممثلي القوى المعارضة الأخرى. وقد أصاب المعارض السوري رضوان زيادة حين قال في مداخلة على قناة العربية إنّ الإعلام ضخّم الحدث كثيراً، ولو استطاع المجلس الوطني الكردي، ممثل الغالبية الكردية، إنشاء قاعدة إعلامية رسمية مؤثرة، لربما أدركت آنذاك القوى المعارضة أحقية وصف الأكراد بأنهم “شعب كردي” له جذوره في المنطقة، خصوصاً أنّ الوثيقة المعلنة التي كانت موضوع الخلاف هي بمثابة بنود دستورية مستقبلية. ليست هذه المرة الأولى التي تنسحب فيها القوى الكردية من مؤتمرات المعارضة عندما تُسقط حقوقهم، لكن ما حصل في القاهرة على مرأى ملايين المشاهدين ومسمعهم من تجاذبات ومناوشات، قدم صورة سلبية عن الأكراد، ومن هنا بات لزاماً على ممثلي الشارع الكردي ومجلسه الوطني التفكير جدياً بالإلتفات للإعلام، والعمل على إيجاد آلية إعلامية توصل مطالبهم إلى الغير.

أداء الإعلام الكردي خلال الثورة

لقد أثبت الإعلام أهميته في ثورات الربيع العربي وخلق نوعاً غير مسبوق من المعرفة والتواصل وكان استمرار الثورة السورية نتاج تلك المعرفة التي زادت من وعي المكون الشبابي. ولأن الحديث عن الثورة السورية عموماً قد أخذ حيّزاً واسع من الكتابة، نبقى في إطار الحديث عن واقع الإعلام الكردي في سوريا. لقد عانى الأكراد من الظلم واتبعت معهم الأنظمة المتعاقبة بعد الإستقلال سياسات عنصرية شوفينية، حرمتهم من نشر ثقافتهم، والتحدث بلغتهم، بالإضافة إلى حرمانهم من الجنسية ومنع أحزابهم حق العمل السياسي.  بما أنّ الأحزاب الكردية كانت المظلة الدائمة للأكراد منذ ستينات القرن الماضي، ظل العمل الإعلامي الكردي مرتبطاً بها بشكل وثيق. لم تستطع تلك الأحزاب حتى الآن – إعلامياً على الأقل — الخروج عن طابعها  الكلاسيكي، فما زال عملها الإعلامي يتركّز حول إصدار النشرات الدورية والبيانات وبعض الدراسات الفصلية التي لا تعدو كونها سوى كراسات صغيرة، لا يتعدى انتشارها المناطق ذات الأغلبية الكردية بل ربما لا يتجاوز الرفاق الحزبيين، إضافة إلى أنها ليست إلا دعاية للأحزاب التي تقوم بإصدارها.

منذ انطلاقة الثورة في شهورها الأولى، خرج المواطنون السوريون الأكراد في مناطقهم، عاهدين على السير إلى جانب إخوانهم في باقي المحافظات حتى إسقاط النظام ونيل الحرية. إستطاع النشطاء الأكراد خلال هذه الفترة إيصال موقفهم المساند للثورة في كل أنحاء سوريا، معتمدين على أجهزة بسيطة في نقل أحداث مناطقهم، ولكن لم يكن ذلك بالزخم الإعلامي المطلوب، ما يعيده بعض هؤلاء النشطاء إلى عدم دعم الأحزاب الكردية معنوياً ومادياً لهم، وأيضاً إلى ظروف سياسية وتجاذبات بين تلك الأحزاب وبين مكونات المعارضة السورية، حيث كان موقف الأحزاب الكردية مماثلاً لموقف المعارضة السورية في التفكير ملياً بمطالبها السياسية قبل التفكير بالدرجة الأولى بانتصار الثورة والشارع السوري.

مع مرور الثورة، وبسبب الضغوطات الحاصلة من الشباب الكردي، لم يكن أمام الأحزاب الكردية إلا أن تكون المظلة الشاملة والمعهودة للشارع الكردي خشية أن تشتعل المنطقة بنار فتنة مفتعلة من قبل النظام، الذي مارس على مدى عقود سياسة التفرقة بين مكونات منطقة الجزيرة بكل أطيافها. نتج عن تواصل الأحزاب مع الشارع الكردي تشكيل المجلس الوطني الكردي، توحدت خلاله غالبية الأحزاب الكردية والقوى الوطنية المستقلة إضافة إلى التنسيقيات التي كانت تسيّر الشارع الكردي، ورغم عدم دخول الجيش المناطق الكردية حتى اليوم، إلا أن هذا لا يرجع إلى انعدام الحراك الثوري فيها، على العكس تماماً، فالحراك الثوري في المناطق الكردية لا يقل أهمية عن أي محافظة أخرى، خاصةً بعد تشكيل المجلس الوطني الكردي. إلا أنّ الضعف الإعلامي لدى المجلس كان من أهم الأسباب التي أدت إلى اتهام الأكراد بعدم مشاركتهم في التظاهرات، وأنهم يستغلون الأحداث، ولا يأخذون موقفاً حاسماً تجاه الثورة.

الخطوات المطلوبة من المجلس الوطني الكردي

تعود أهمية تطويرالإعلام الكردي في هذه المرحلة إلى أنّ الثورة السورية برمتها استطاعت إيصال صوتها إلى كل العالم. يتطلب هذا الواقع من المجلس الوطني الكردي العمل على إنشاء آلية إعلامية فعّالة تتكيّف مع التطورات الحاصلة في سوريا وتستجيب لمتطلبات الثورة الثقافية والتقنية، وتبرهن من خلالها أنّ الأكراد جزء حقيقي من الثورة السورية، وتستطيع إيصال مطالبهم المحقة إلى المعارضة السورية مستقبلاً، وذلك من خلال:

–  إنشاء مكتب إعلامي للمجلس الوطني الكردي يتواصل خلاله مع المعارضة السورية الداخلية والخارجية، إضافة للتواصل مع الدول الإقليمية والعالمية ونقل الصورة الحقيقية عن الأكراد ومناطقهم ومشاركتهم في الثورة. (هناك الآن صفحة للمجلس على الفيسبوك، أخبارها غير آنية وليست بالمستوى المطلوب.)

 – عمل المجلس الوطني الكردي على فتح  قنوات اتصال بينه وبين وسائل الإعلام، من أجل نقل الصورة الواقعية لدور الأكراد في الحراك الثوري.

 – العمل على تقوية الحراك الثوري في المناطق الكردية إعلامياً، من خلال دعم النشطاء والإعلاميين والصحفيين الأكراد مادياً ومعنوياً بهدف إيصال صوت الأكراد داخلياً وخارجياً عبر فتح مكاتب إعلامية في كافة المناطق الكردية.

 من خلال تشكيل تلك المكاتب الإعلامية، يستطيع المجلس الوطني الكردي، الممثل الشرعي لغالبية الأكراد اليوم، دحض كل الإتهامات الموجهة إلى الأكراد حول ضعف مشاركتهم في الثورة وإيصال الصورة الحقيقية لتظاهرات الأكراد ومطالبهم.

إنّ استمرار إهمال الإعلام من قبل الأحزاب الكردية من شأنه أن يفاقم الصورة الخاطئة التي تقلب الواقع وتبيّن الأكراد في موقع معادٍ للثورة، ما يصبّ مباشرة في مصلحة النظام، الذي يدّعي إعلامه أنّ الأقليات في سوريا مساندة له.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى