صفحات الرأيمازن كم الماز

الجماهير والنخب: بين النقد والتخوين


مازن كم الماز

 لفت انتباهي اعتبار بعض المصريين العاديين جدا، الذين ليسوا من فلول نظام مبارك بأي حال من الأحوال، أن ما يجري للسلفيين اليوم في ميدان العباسية بالقاهرة هو شيء ‘يستحقونه’، دفعني هذا للتفكير في دور النقد القاسي الذي تعرض له السلفيون خاصة أولاد أبو إسماعيل من ناشطين معارضين للمجلس العسكري كان بعضهم من ضحايا مجازره السابقة .. لقد استغل الإعلام السائد، (الحكومي)، هذا النقد المستحق برأي هؤلاء للسلفيين لشيطنتهم أمام الناس العاديين ولتبرير المذبحة الجارية بحقهم، تماما كما فعل من قبل مع ناشطي 6 أبريل والألتراس ومع ناشطي المنظمات غير الحكومية، والتي ساهم فيها شيوخ سلفيون بالمناسبة .

السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل من الممكن أن نفصل بين نقد الآخر وبين الدفاع عن حقه في التعبير والاحتجاج ؟، هل يمكن أن نفصل بين نقد الآخر وبين شيطنته؟، علما أن السلفيين أنفسهم ضحايا آخر مذابح المجلس العسكري قد مارسوا نفس الشيء ضد خصومهم خاصة من ناشطي الثورة وشبابها عندما كان هؤلاء يقاتلون شرطة المجلس العسكري وقواته وحدهم في محمد محمود وفي مواجهات وزارة الداخلية ومجلس الوزراء وكما جرى مع الأقباط أيضا في مذبحة ماسيبرو .. إننا اليوم أمام حالة مضحكة من الاتهامات والاتهامات المتبادلة التي أصبحت رائجة جدا في السوق السياسي هذه الأيام، حيث يتهم الإسلاميون العلمانيين بأنهم عملاء للغرب أو للنظام أو أنهم متعصبون بشكل أعمى للحضارة الغربية وثقافتها، بينما يتهم العلمانيون الإسلاميين بأنهم منغلقون ومتعصبون وخارج الزمان المعاصر ويتهمونهم أيضا بعقد صفقات مع المجلس العسكري ومن قبله مع نظام مبارك والانضمام إلى الثورة فقط في وقت متأخر، هذا بالنسبة للإخوان أما السلفيون فأغلبهم بقي خارج الميدان حتى نهاية الثورة.

النظام السوري يتهم المعارضة بالخيانة أو العما لة للخارج بدءا بأمريكا وانتهاء بإسرائيل، المعارضة بدورها تتهم النظام بعقد صفقات مع أمريكا وإسرائيل بهدف البقاء في الحكم، ورغم أنه لا يمكن بحال المساواة بين محاولات أو أكاذيب النظام الديكتاتوري لتبرير قتل الآلاف من ‘مواطنيه’ بدم بارد بغرض الاستمرار في فرض استبداده على شعبه وبين تخوين المعارضة لخصومها، فإنه يجب الاعتراف أنه، على الأغلب، لا النظام ‘الممانع’ ولا المعارضة التي يتحدث بعضها عن الجولان سيقوم في الغد، إذا استقر له حكم البلاد، بمهاجمة هضبة الجولان المحتلة، الواقع أننا أمام لعبة سياسية تضم لاعبين كثر، بينها أمريكا وإسرائيل، إلى جانب آخرين كالسعودية وإيران وروسيا الخ، وأن الشعب السوري نفسه لم يعد أهم هؤلاء اللاعبين في تحديد مصيره الأمر الذي كان الهدف الأول لثورته الشعبية، وأن كلا من النظام والمعارضة يحاول تحقيق مكاسب أكثر على حساب خصمه وفي بعض الأحيان بأساليب متشابهة، يكفي أن نذكر تصريح رامي مخلوف (أحد كبار المسؤولين الفعليين في النظام) الذي حاول من خلاله أن يفهم الإسرائيليين وحلفائهم وراء البحار أن أمن إسرائيل يعتمد على بقاء النظام، وأيضا المواثيق التي أعلنتها قوى معارضة كالمجلس الوطني وجماعة الإخوان والتي صممت خصيصا لمحاولة طمأنة الغرب ونفي حجة النظام بعدم وجود بديل ملائم أو مستقر عنه، بل إن التخوين قد مورس حتى ضمن فصائل المعارضة أو بينها سواء داخل المجلس الوطني أو بينه وبين هيئة التنسيق، لقد وجدنا أن الشحن المعنوي الهائل نتيجة مثل هذه الحملات ضد هيئة التنسيق مثلا قد دفع الناشطين السوريين المعتصمين أمام مقر الجامعة العربية لمهاجمة أعضاء وفد الهيئة الذي زار الجامعة في وقت سابق من العام الماضي بقسوة بشكل غير واعي وغير مبيت سابقا على الأغلب، ويمارس البعض التخوين أيضا بحيث يصم أي نقد للمعارضة السورية ذات الدور الهامشي أصلا في الثورة أو لبعض أطروحاتها على أنه خيانة لثورة الجماهير السورية.

إننا أمام محاولة لخلق مواقف لاعقلانية دفاعا عن مصالح نخب بعينها تتستر وراء مصالح شعوب مقهورة ومستلبة، الحقيقة أن هذه الشعوب قد ثارت لسبب مختلف تماما عن الأسباب التي ترددها النخب، فهذه الجماهير لم تخرج إلى الشوارع لكي تصل هذه النخبة أو تلك إلى السلطة، لقد ثارت في سبيل حريتها هي وفي سبيل كرامتها وفي سبيل لقمة عيشها، وإن محاولة النخب القفز على هذه الحقيقة هي التي تشكل الخطر الحقيقي على مصير هذه الثورات وليس انتقاد هذه النخب وخاصة انتقاد تهربها من طرح برامج سياسية اجتماعية واضحة تتصدى مباشرة لتحقيق شعارات وأهداف هذه الثورات الجماهيرية ويمكن للجماهير أن تحكم على هذه النخب وعلى أدائها وأن تحاسبها على أساسها.

أنا لا أمارس هنا ‘شيطنة’ للمعارضة، لا المصرية أو السورية، لكني أمارس حقي في انتقاد أدائها وخاصة في انتقاد الطرح التبسيطي الذي يصور معارضة نظام مستبد على أنها حرة أو تمثل الشعب الثائر لمجرد وقوفها في وجه نظام استبدادي، إنني أمارس حقي في الدفاع عن مضمون هذه الثورات العربية، الشعبية بامتياز والعفوية في حقيقتها، وأرفض في نفس الوقت اعتبار هذا النقد مساو لشيطنة أحد، أي أن يكون مساو لموقف معادي لاعقلاني من أي قوة أو من أي شخص، أنا مع مواقف عقلانية مبررة وصريحة لا لبس فيها ولا مداورة تقوم على قاعدة واحدة هي مصالح الجماهير التي قامت بهذه الثورات.

و هذه أيضا ليست دعوة لميثاق شرف صحفي أو سياسي أو غير ذلك، لأن القوى السائدة والقوى المتنافسة ستستمر في ممارسة الديماغوجيا والكذب و تخوين الآخر وشيطنته عندما يكون هذا في صالحها، القضية كل القضية فيما يريده الناس العاديون، في إصرارهم على فرض تغيير جذري وحقيقي في بنية النظام السياسي لصالحهم وليس لصالح هذا الطغمة أو تلك النخبة، تفهم النخب الثورات على أنها فرصة للوصول إلى الحكم، وهي في سبيل هذا تعتمد على شيطنة خصومها بدلا من طرح حلول حقيقية لمشاكل الناس العاديين وحتى دون ان تلتزم بشكل لا لبس فيه بحل هذه الأزمات لصالح الناس العاديين المفقرين والمهمشين.

لقد قام المصريون العاديون بالـــثورة من أجل أن يحصلوا على العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، وثار السوريون العاديون لكي يحصلوا على كرامتهم ويستعيدوا حياتهم من النظام الجاثم على صدورهم، إن الأساس في تمكنهم من تحقيق هذا الهدف الذي ماتوا ومازالوا يضحون في سبيله هو أن يستمروا في النضال بوعي وشجاعة في سبيل حقوقهم خارج ألاعيب الأنظمة والنخب وأن يفرضوا على هذه النخب أن تتعامل معهم كجماهير واعية بمصالحها ومطالبها لا باستخدام ثقافة التخوين والثقافة القطيعية للسيطرة على العقول.

‘ كاتب سوري

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى