صفحات المستقبل

الجنّة ماخور المتعصّبين/ محمد دياب

أوكسيجين الطغاة

أبشع جريمة ارتكبها الإنسان على مرّ الزمن، هي الشعور بالانتماء.

الإسم أول زنزانة يُرمى فيها… والهوية حبل مشنقة.

نحن شعوب يستهويها أبشع سلوك في التاريخ: التقليد الأعمى… حتى الموت.

* * *

هل لي أن أشتري وطناً وأكتب على غلافه الخارجي: يُحفظ بعيداً من متناول أيدي القتلة؟

اقترحتُ فكرة على نفسي، وقبلتُها من دون مناقشة، فقالت لي نفسي: أنتَ ديكتاتور.

الكلمات التي لا تخلع القارئ من ذاته، الأفضل ألاَّ تُكتب.

* * *

– ماذا تعني الحرب يا أمي؟

– الحرب يا صغيري هي أن لسانك الذي لا تزال عليه بضع قطرات حليب، نطق هذه الكلمة.

هل الغازات السامة أوكسيجين الطغاة؟

* * *

لا أظن أن الجنة مكان في السماء.

ربما هي زمان مرَّ على الأرض من قبل.

إن كان الأمر كذلك، فلا بد أن تكون العصور الوسطى هي الجنة.

أخبروه أن أنهاراً من الخمر والعسل على ضفافها حوريات في انتظاره.

ارتدى حزامه الناسف ومضى. دخل المطعم، وبضغطة زر واحدة حوّل نفسه ومَن حوله أشلاء ممزقة.

– ما الجنّة يا سيزيف؟

– الجنّة ماخور المتعصبين يا ليليت.

* * *

قال: أنا غزير التشاؤم، وغير قادر على رؤية الأمل في ما أرى.

جاوبوه: كن أعمى.

* * *

التصفيق المستمر لقائد معتوه يمنحه الرغبة في إراقة دمك.

متى يأتي المنقذ الحقيقي ويحرق هذا العالم المشوّه؟

أحلامي صغيرة. لم أعد أرغب إلا في امتلاك قدرة هائلة على الخداع، كقدرة رجل الدين، وذاكرة ضعيفة كذاكرة عاهرة.

لست موسى، ولا ما أوحى به الله، فلماذا قذفتِني في اليمّ من دون تابوت يا أمي؟!

السخرية اللاذعة هي السلاح الأفضل والأشد فاعلية حيال هذا الموت المجنون.

نحن السوريين لا عزاء لنا وسط هذا الموت الكبير، إلا في موت أوسع يبتلعنا جميعاً.

قلب واحد لا يتسع لقهر عملاق كهذا.

بلاد الرعب أوطاني.

* * *

إرضاء الناس غاية الأغبياء.

الآلهة الأوفر حظاً تلك التي آمنت بها العرب.

* * *

فايسبوك

إرسال طلب صداقة إلى فتاة ما على الـ”فايسبوك”، إعلان هزيمة.

سأفتح بسهم الماوس جرحاً في صورتكِ الشمسية.

أدعو الذي كتب “الدكتور” قبل اسمه، لأبصق في وجهه، ليبدو ككل عامل نظافة لا يستطيع أن يضمّد حتى صورة. علّه يدرك أن لا طائل من ذكر مهنته قبل اسمه في العالم الافتراضي، سوى أن يصبح أضحوكة للناس.

* * *

لا مثلثات في الحياة الأخرى.

سيضطر طاليس أن يعمل فلاّحاً من دون أجر في مزرعتي السعيدة على الـ”فايسبوك”.

بعد القيامة لا وجود للغة الانكليزية.

شكسبير سيمزّق كتبه ويستخدم أوراقها لبيع البوشار على عربة صدئة.

* * *

أدخل الى صفحتكِ باستمرار، وأقرأ كتاباتكِ، فقط لأكتشف كم أنتِ تافهة.

قائمة الحظر مقبرة جماعية.

* * *

أتمنى لو أستطيع اختراق حسابكِ، وأغيّر اسمكِ إلى “أم محمد الجولاني”، كي يتوقف أولئك التافهون عن إرسال طلبات الصداقة إليكِ.

يا ربّ بارك هذا الحائط.

* * *

سأموت وأقول للموتى إنني مخترع الـ”فايسبوك”.

سأخبرهم كم هم ممتنّون لي.

يا ربّ بارك هذا الحائط.

* * *

الأجدر بنا، بعد كل مجزرة يرتكبها النظام السوري، أن نسمّي حائط الـ”فايسبوك”، حائط مبكى.

كلما رأيتُ السيجارة الأخيرة في علبة التبغ اعتراني حزن كبير، وبدوت كرضيع أدرك أن أمه ستموت قبل أن يُفطم.

عندما يتشتتُ انتباهي وأشعلُ سيجارة من جهة الفيلتر، أشعر بأنني وأَدتُ طفلةً على قيد الحياة.

* * *

رسائل الى ليليت

لم أكن أعلم إطلاقاً أن الحرب، واعتيادي على الموت، سيجعلانني قاسي القلب ومعدوم الحنين.

ببساطة مطلقة أصبحت قادراً على التخلي عن كل الأشياء التي كنت أتشبّثُ بها، حتى تلك التي كانت تبهجني في يوم من الأيام.

* * *

الوحدة هي المرأة التي يلجأ إليها الرجل عندما يكون عاجزاً عن الحب.

الطريق لم تعد وعرة. المسافة بيني وبين حلمي لم تعد شاسعة…

لكنهم قطعوا قدميَّ يا ليليت.

* * *

أدركُ تماماً أن العزلة اللامعقولة، لا يمكن حتى لقبرٍ أن يوفرها لي.

يائس أنا، يا ليليت. يائس ومشوّه بالكامل. مخنوق كأنما أحدهم حشر السموات في حلقي.

أستيقظ مشلول الأطراف بفعل الكآبة. أزحف على ركبتيَّ ومرفقيَّ متنقلاً بين زوايا حجرتي. أفرغُ خزانتي مما فيها. أتكوّر على نفسي في داخل الخزانة. أبكي طويلاً كفأر يقترب من أجله.

لا تنتظري مني أن أكون رجلاً مريحاً قطّ، يا ليليت.

* * *

أرغب بكوخٍ دافئ، جدرانه من خشب، سقفه من سعف النخيل، في داخله كرسي واحد.

هناك تجلسين يا ليليت، وأنا أدفنُ رأسي في صدرك، ونبقى على هذه الحال الى الأبد، كدميتين من الشمع.

* * *

بتُّ أستقبل الليل مبيّتاً في داخلي رغبة جامحة في أن تراودني أبشع الكوابيس.

صرتُ أخشى الفرح والسعادة الى درجة الرعب من أن أبصرهما في المنام.

ما دامت المعارك لن تنتهي في المدى القريب، على خلاف ما توقعنا، سوف أؤمن بالتقمص، كي نلتقي في حياة أخرى.

هل من حياة أخرى؟!

* * *

أنا إبن العبثيّة، يا ليليت.

لا غاية لي في هذا الوجود سوى تحقير المنطق.

العالم الذي أمام الكاميرا أشدّ بؤساً وظلاماً، يا ليليت. لذا لا يمكنكِ رؤية المصوّر.

وحيد أنا بدونك. كالسيجارة الأخيرة في علبة التبغ، لا يخلّصني من وحدتي سوى المحرقة.

* * *

الحب ليس أجمل المشاعر.

هو حزنٌ عميق، عميق…

لا أبشع من التعوّد على شيء، مهما يكن جميلاً، أكان بشراً، حجراً، وطناً، أم حتى إلهاً.

أستميحكِ عذراً لأنني لم أعد أؤمن بهذه الخرافة التي يسمّونها الحب.

صرتُ أشك في كل شيء، حتى في عاطفة أمّي نحوي.

أستميحكِ عذراً يا أمي.

* * *

الحق أن لا شيء يحرّضني على كتابة هذه الرسائل سوى تفاهتكِ.

لو أنني أمتلك حقاً موهبة الكتابة، لكان كل كابوس مشروع رواية.

مدوّن سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى