باسل العوداتصفحات سورية

الجوكر السوري/ باسل العودات

 

 

(الجوكر) المستخدم في ورق اللعب، هو بطاقة عليها رسم مميز، يمكن أن تكون مفيدة جداً في بعض الألعاب، فهي قادرة على كسب اللعبة أو جولة من اللعبة فور إبرازها، وينتظرها اللاعبون على أمل أن تقلب لهم ميزان اللعبة وتجعلهم من الرابحين.

في السياسة طاب للكثيرين إطلاق لقب (جوكر) على رجل السياسة القادر على قلب الموازين في اللحظة المناسبة، الذي ينتظر دوره بثقة وينتظره الآخرون بشوق له أو خوفاً منه، هو رمز القوة الخفية الكامنة المفاجئة، والمّنقذ من الغرق، ورمزٌ للحظة تغيّر الحظ.

في سورية، ومنذ الأشهر الأولى للثورة، تباطأ المجتمع الدولي في العمل لإنقاذ سورية والسوريين من حرب  شعواء قادها النظام، بحجة أنه يخشى على الدولة السورية من الانهيار في ظل عدم وجود بديل جاهر لاستلام السلطة، على الرغم من أنه يعرف أن حكماً شمولياً أمنياً طائفياً عاش خمسة عقود في سورية لا يمكن أن يسمح بوجود أي بديل حتى لو كان داخل رحم أمه.

كثيرة هي الدول التي تساءلت عن البديل، وقالت الولايات المتحدة إنها يمكن أن تستخدم قوتها لتغيير النظام فيما لو كان هناك بديل جاهز، وحثت المعارضة السورية على إيجاد هذا البديل، لكن المعارضة التي كانت تحبو كطفل صغير وتتعلم مبادئ نطق أحرف الحرية، لم تعِ تماماً مبادئ اللعبة، واعتقدت أن المطلوب (اختراع) رمز ما، أو تنصيب شخصية ما من المعارضة وتعميدها بديلاً عن النظام ورأسه، والمعارضات الأكثر خبرة، افترضت أن البديل هو هيئة أو تجمّع يضم شخصيات مختارة (بالتراضي) تُعرض على الغرب ليتم تنصيبها بدلاً عن السلطة القائمة، واحتلال الوزارات والمديريات، وكفى الله المؤمنين شر القتال.

كان الواقع السوري أعقد من ذلك بكثير وأكثر سوداوية وشؤماً، فالمعارضة السورية عملت على عكس المُتوقع منها، فتزاحمت شخوصها لتكون جزءاً من البديل، ولتحصل على جزء من الكعكة، ولأجل ذلك وجدت أن لابد من إفشال أي مزاحم، مع أن ذلك يزيد أمد المأساة، ويضر بالوطن والثورة.

أما النظام الشمولي المتجذر الذي حوّل سورية لفرع أمني كبير، واستخدم كل وسائل الترهيب والعنف خلال حكم الأب والابن لقمع كل حلم وكل بديل مُحتمل، وخلال أربع سنوات من الثورة قضى حتى على الأحلام والآمال، ودمّر وطناً وشعباً، وقضى على مستقبل الملايين، من أجل إبعاد أي بديل.

كان النظام السوري وقحاً وقاسياً في مجال البدائل، فهو لم يُشوّه سمعة البدائل المحتملة فقط، أو الشخصيات الأكثر احتراماً، بل قمعها أو قتلها حيث استطاع، أو أصدر أحكاماً بالإعدام ضدها، أو أخفاها في غياهب سجونه وأقبيته العفنة، وابتسم ابتسامة صفراء أمام المجتمع الدولي وقال له: للأسف لا يوجد بديل.

لا مجال لذكر الشخصيات التي حاربها النظام لأنها كثيرة من جهة ولأن ذكرها سيفتح جولة جديدة من التخوين وتشويه السمعة من جهة أخرى، ويمكن ذكر أحدهم كرمز وليس للحصر، وهو المعارض السياسي عبد العزيز الخيّر، السجين السياسي والمثقف الرصين، الذي كانت له علاقات واسعة مع كل أطياف المعارضة وعلاقات مستمرة مع ضباط من النظام ممن لم يريدوا القتل، فأخفاه النظام لأنه كان (جوكراً) يمكن أن يكون حاملاً للمرحلة الانتقالية، لكن الخيّر ليس الأخير، فهناك آخرون كثر، لأن سورية ولّادة، لكنهم يتعرضون لحملات مستمرة  لتشويه صورتهم أمام الرأي العام الشعبي السوري.

نظراً للوضع اللاتقليدي الذي يلف الوضع السوري، لم تعد مؤسسات المعارضة وحدها قادرة على الحل، ولا النظام طبعاً، والمجتمع الدولي بالغالب يبحث عن (جوكر) يُنقذ سورية، إن كان فكرة أو خطة أو مبادرة أو شخصية، لا فرق، المهم أن يكون قادراً على تغيير مجرى اللعبة.

فهل ستتخلى المعارضة السورية عن همها الذاتي وامتيازاتها الشخصية، وتتلقف الفكرة والفرصة، وتساعد في إظهار (الجوكر) السوري، وتتبناه بعيداً عن مصالحها الضيقة، وتُظهر للعالم كممثل لسورية الديمقراطية الحرة صاحبة الكرامة، سورية أم الجميع التي لا تتعصب لدين أو قومية أو مذهب، أم أنه محكوم على السوريين أن يخلو ورق لعبهم من أي (جوكر)، وأن يلعبوا حتى آخر ورقة دون أن يعرفوا إن كانوا سيفوزون بالنهاية أم لا.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى