“الجيش السوري الحر”.. من حرب العصابات إلى قوة التغيير الرئيسية؟
سعد محيو
هل يتحوّل “الجيش السوري الحُـر” قريباً من طرف ثانوي في الانتفاضة السورية، إلى القوة الرئيسية فيها، بحيث يصبح هو مِـحور الدعم الإقليمي – الدولي، بدل قوى المعارضة المدنية السورية الأخرى؟
سنأتي إلى هذا السؤال الهام، الذي قد يُـغيِّر كل طبيعة الصِّـراع الراهن في بلاد الشام، بعد قليل. لكن قبل ذلك، وقْـفة سريعة أمام التطوّرات الحثيثة، التي شهدها هذا الجيش خلال الشهرين الأخيرين والتي تُـمهّد بالفعل لتحويله من “جيش إعلامي” على الإنترنت، كما كانت نشأته، إلى قوة عسكرية – أمنية (وربما لاحقاً سياسية) أساسية في سوريا.
البدايات
أُعلِـن رسمياً عن تشكيل الجيش الحُـر في 29 يوليو عام 2011 في شريط فيديو على الإنترنت، بَـثّـته مجموعة من الضباط السوريين المنشقّـين حديثاً، بقيادة العقيد رياض الأسعد. وقد أعلن بيان التأسيس أن الجيش لا أهداف سياسية له سوى “تحرير سوريا من نظام بشار الأسد” وأن النزاع في سوريا، ليس طائفياً.
وفي 23 سبتمبر 2011، اندمج الجيش الحر مع حركة الضباط الأحرار، وهي مجموعة منشقّـة أخرى، وأصبح بالتالي، القوة العسكرية المعارضة الرئيسية في سوريا.
في أوائل ديسمبر، ذكَـرت مصادر إعلامية ومعارِضة، أن عدد الجنود والضباط المنشقِّـين عن الجيش السوري الرسمي، بلغت 40 ألفا. لكن، من غير المعلوم ما إذا كان هؤلاء قد انضمّوا إلى الجيش الحُـر أم هجروا ببساطة ثكَـناتهم، وهذا ما رسم علامات استِـفهام حول العدد الحقيقي للجيش الحر.
قيادة هذا الجيش تقول إن العدد وصل إلى 20 ألفا، لكن مصادر الاستخبارات الغربية تعتقِـد أن العدد الحقيقي يتراوح بين 4 آلاف إلى 7 آلاف جندي وضابط، لكنها تضيف أن الانشقاقات تحدُث كل يوم، في كل حين يدفع فيه النظام وحَـدات من الجيش، تضم عناصر من الأغلبية السُـنّية (نحو 70% من سكان سوريا)، إلى عمليات عسكرية في مناطق الاضطرابات، وهذه الانشقاقات تتراوح بين 100 و300 عُـنصر في كل عملية.
بيْـد أن هذا الرقم المحدود، بالغ الأهمِـية، لأن الجيش الحر لا يخوض حرباً نظامية، بل حرب عصابات (كَـر وفَـر)، هدفها الرئيسي، استنزاف الفِـرقة الرابعة والحرس الجمهوري، اللذين يشكِّـلان العمود الفقري العسكري الرئيسي للنظام، ويعتبران رأس الحَـربة في عمليات قمْـع المتظاهرين والثوار.
ويوضِّـح خبير لبناني في شؤون حرب العصابات هذه النقطة بالقول، أن عناصر حزب الله التي نجحت في تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، لم يتجاوز عديدها الـ 400 مقاتل، وكذا الأمر بالنسبة إلى المقاومين ضدّ الاحتلال الأمريكي في العراق، والذين لم يتجاوز عددهم هُـم أيضاً حفنة آلاف، وربما مئات من المقاتلين.
القوة الرئيسية لمقاتلي حروب العصابات، تكمن في الدّعم الذي يتلقّـونه من السكان المدنيين أو مما يُـسميهم الجنرال جياب الفيتنامي “البُـحيرة التي يسبح فيها سمك الثوار”، وهذا أمر متوافر للغاية للجيش السوري الحُـر في مناطق شاسعة من البلاد، تشمل محافظات دير الزور وحُـمص وإدلب وضواحي المدن الرئيسية في دمشق وحلب وحماه وحمص.
علاوة على ذلك، يجب أن نضع في الاعتبار وجود مجموعات مسلّحة بين المدنيين في العديد من المناطق، انتقلت في الآونة الأخيرة من المظاهرات السِّـلمية إلى العمل العسكري، بسبب تصاعد عمليات القمع التي يقوم بها النظام. وإذا ما تذكرنا أن كل الشبان السوريين يتلقّـون تدريبات عسكرية مكثّـفة لمدة ثلاث سنوات كاملة، لأدْركنا مدى سهولة تحوّل المدنيين إلى فيالِـق عسكرية.
هذه العوامل، إضافة إلى ضعف الإمكانات اللوجستية للجيش الحُـر ووجود قيادته على الحدود مع تركيا، يجعل الثورة المسلحة السورية، جسماً فضفاضاً ولا مركزياً إلى حدٍّ كبير. وعلى رغم أن هذه نقطة سلبية، إلا أن لها إيجابياتها: إذ هي تُـصعّـب على النظام وأجهزة استخباراته، توجيه ضربة قاصِـمة للجهاز العسكري للجيش الحُـر.
صحيح أن الجيش الحر شكَّـل في أواخر العام الماضي مجلِـساً عسكرياً مؤقتاً لـ “منع الفوضى والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة والوقوف ضد أي أعمال انتقامية فوْر سقوط النظام”، إلى أن إستراتيجية حرب العصابات التي يتـبعها هذا الجيش (حتى الآن على الأقل)، تجعل من الصَّـعب بمكان ضبْـط الأمور وإبقائها قيْـد السيطرة.
هذه نقطة. وثمة نقطة أخرى لا تقل أهمية: على رغم أن الجيش الحُـر يكسب كل يوم منشقِّـين جدداً في صفوفه، إلا أنه لم يستطع بعدُ جذب ضبّاط كِـبار أو وحدات كاملة من الجيش إلى صفوفه، لأن هؤلاء في حال انضمامهم الجماعي إلى الثورة، لا يعرفون إلى أيْـن يمكن أن يذهبوا (عدا إلى منازلهم أو إلى المنفى كما يحدث الآن). ما يحتاجه الجيش الحر، هو منطقة آمنة وحظْـر طيران آمنة، محمِـية دولياً، يمكن أن يلجأ إليها العسكريون المنشقّـون بشكل جماعي. وقد حاول الثوار توفير “البِـنية التحتية” لمثل هذه المنطقة الحدودية في درعا أو دير الزور أو تل كلخ، لكن النظام نجح في إحباط هذه المحاولات، الواحدة تِـلو الأخرى. ومع ذلك، جهودهم تنصبّ الآن على منطقة جبل الزاوية، المحاذية لتركيا، بهدف تحويلها إلى منطقة آمنة لاحقا.
من أين يحصل الجيش الحر على أسلحته؟ من مصادر عديدة: مخازن الجيش السوري نفسه. السوق السوداء للسلاح، التي انتعشت إلى حدٍّ كبير مؤخراً. عمليات تهريب السلاح من الدول المجاورة: العراق، لبنان، تركيا، وأيضاً من ليبيا. وهذه الأسلحة تقتصر الآن على الخفيف منها، مثل بنادق كالاشنيكوف وفال وقاذفات الآر.بي. جي، علاوة على أجهزة الاتصال المتطوِّرة من طراز “ثريا”. ويقال أن الجيش بدأ أخيراً يستلِـم أسلحة متوسطة وأجهزة اتِّـصالات متطورة.
تغيُّــر المشهد
هذه كانت صورة الجيش السوري الحر خلال الشهرين الماضيين، لكن المشهد قد يتغيّر بشكل جِـذري قريبا. فالوضع الدولي – الإقليمي يتطوّر بسرعة لصالح هذا الجيش، أكثر من أي قوة معارضة أخرى، وهو تطور قد ينضُـج تماماً في حال لم يستطع المجتمع الدولي (وهو الأمر المتوقع) توفير تدخل عسكري مباشر في وقت قريب في سوريا، إذ حينذاك، ستُـقرر الدول الغربية والعربية، على الأرجُـح، رمْـي ثقَـلها كاملاً إلى جانب الجيش الحر، بصفته الوسيلة الفضلى لزعزعة أركان النظام، وربما تغييره أيضا.
كتَـب جيفري وايت، المحلل العسكري في مؤسسة واشنطن لدراسات الشرق الأدنى: “أعتقد أن الجيش الحر سيصبح أحد أبرز موجّهي الصراع في سوريا. فهو غيَّر طبيعة النزاع مع النظام وبدأ يتماهى بشكل مُـطَّـرد مع المعارضة الشعبية. كما أنه أثبت وجوده في جبهات القتال وقدراته العديدة في تزايد”.
وقال نيكولاس بلانفورد، مراسل “كريستيان ساينس مونيتور” في الشرق الأوسط: “فيما يخْـبو الأمل في حلٍّ دبلوماسي للعنف في سوريا، يتحوّل الانتباه الدولي إلى الجيش السوري الحر، كوسيلة بديلة لإطاحة نظام بشار الأسد”.
وأضاف: “حتى ولو قبِـلت روسيا بصيغة مخففة للقرار (في مجلس الأمن)، فإن هذا لن يُحدِث فرقاً على الأرض في سوريا، لأن الفجوة بين النظام وبين المعارضة، أصبحت شاسعة للغاية ومن الصعب جسرها. وهذا ما قد يدفع المجتمع الدولي إلى اتخاذ قرار بدعم الجيش الحُـر، على رغم المخاطر الإقليمية لمثل هذه الخطوة”.
وفي حال قرر “المجتمع الدولي”، وهو هنا الولايات المتحدة وأوروبا والدول العربية، بالفعل مساندة الجيش الحر، الذي يقال أنه بات لديه الآن 37 كتيبة، منها 23 نشِـطة عسكريا، فهذا سيتضمن مدّه بالمال والأسلحة، خصوصاً تلك المضادة للدروع وأدوات القيادة والتحكّم والمشورة العملانية والتكتيكية.
سيناريوهان
هل تتحقق كل هذه الفرضيات؟ نعم، في حال استمر الطريق المسدود الرّاهن أمام الحل السياسي والدبلوماسي، العربي – الدولي، في سوريا، فلا يكون هناك ثمّـة مناص حينذاك أمام الدول الغربية – العربية من مساعدة الجيش الحُـر على التحوّل إلى قوة التغيير الرئيسية في البلاد. وحينها، يمكن توقّع صراع مرير ومديد في بلاد الأموِيّـين، قد يطول إلى سنتين أو أكثر ويتحوّل بسرعة إلى حروب إقليمية – دولية بالواسطة.
ولا، إذا ما حدث “انقلاب القصر” (الذي لا يزال لا يستبعده العديد من المحللين) داخل القيادة العسكرية العلوية، ربما بدعم روسي هذه المرة، تتم فيه مقايضة رأس عائلة الأسد ببقاء صيغة مخفّـفة من النظام (وهذا على أي حال هو مضمون المبادرة العربية المطروحة على مجلس الأمن).
أي السيناريوهين الأقرب إلى التحقق؟ التحليل العقلاني يميل بقوة إلى السيناريو الثاني. أما إذا استمرت هيمنة النزعة الغرائزية على أقطاب النظام السوري الحالي، فاليد العُـليا ستكون للسيناريو الأول.. ومعه وصْـفة كاملة لانتحارٍ كامل.