صفحات العالم

الحراك الكردي والربيع العربي


عفيف رزق

في ظل ما أُصطلح على تسميته بـ”الربيع العربي”, وفي ظل التوترات والإضطرابات وحتى الحروب السائدة, هنا وهناك على ساحات العديد من دول منطقة الشرق الاوسط, لفت المراقبين الحراكُ الذي تقوم به المجموعات الكردية المنتشرة في بعض هذه الدول. من دوافع هذا الحراك تحقيق اهداف سياسية محددة تتدرج من تكريس او الحصول على حكم ذاتي لمناطق استوطنتها منذ عقود, وتشكل هذه المجموعات فيها حالياً أكثرية عددية. هذا هو الحد الادنى لهذه الاهداف, اما الحد الأقصى فيتجسد في تحقيق حلم طالما طُرح وراود العديد من قيادات هذه المجموعات الا وهو قيام دولة مستقلة خاصة بهم.

ان السؤال المشروع، الذي يجب طرحه اليوم في ظل الحراك الكردي وفي ظل هذه الاجواء السائدة، هو هل تستطيع هذه المجموعات تحقيق ما تحلم به ان لم يكن في حده الاقصى، ففي حده الادنى؟.

يعتبر المهتمون بالشأن الكردي، ان الاكراد البالغ تعدادهم حوالي 35 مليون نسمة من أكبر المجموعات البشرية التي لا تعيش في دولة خاصة بها. يتوزع هذا العدد، بنسب مختلفة، في بلدان منطقة الشرق الاوسط. من اهم هذه البلدان: تركيا حيث يتواجد 15 مليون كردي، أي 20 في المئة من عدد سكان هذا البلد, وتعتبرمدينة اسطنبول التركية أكبر”مدينة كردية” اذ يتواجد فيها ثلاثة ملايين نسمة؛ وفي العراق هناك أقل من خمسة ملايين كردي، مليونان في العاصمة بغداد, ويتوزع الباقي في شمال البلاد خصوصا: أربيل والسليمانية…، اما في ايران فيتراوح عدد الاكراد ما بين ستة وسبعة ملايين، أي ما بين 8 و10 في المئة من الشعب الايراني. تنتشر أغلبية المجموعة الكردية في أقاليم كردستان، كرمانشاه وأذربيجان الغربية. كما ان هناك مجموعة كردية تعيش ايضا في خراسان على الحدود الايرانية التركمانستانية؛ ويعيش في سوريا حوالي مليوني كردي، أي تسعة في المئة من عدد سكان سوريا، وتتمركز الاغلبية الكردية في منطقة الجزيرة السورية في الشمال الشرقي لمدينتي دمشق وحلب.

لقد لعب الانتشار الكردي في هذه البلدان دوراً مهماً في تحديد الانتماء السياسي للتيارات السائدة بين الاكراد وعلاقات هذه المجموعات في ما بينها، هذا من جهة، ومن جهة اخرى، علاقات كل مجموعة من النظام الذي تعيش في ظله، ومع اي نظام آخر. تجدر الاشارة الى ان الانظمة السياسية التي تتواجد فيها المجموعات الكردية غير ديمقراطية ونادراً ما تحترم حقوق الانسان, وتتدرج العلاقات من التوافق والانسجام الى الاختلاف والتباين وصولاً الى نشوب نزاع مسلح. ففي العراق، حيث يتواجد اقليم تركستان الكردي، وهو الوحيد في المنطقة الذي يتمتع بحكم ذاتي، تسيطر على علاقات هذا الاقليم مع الحكومة العراقية المركزية في بغداد، النزاعات والخلافات الحادة، لهذا يسعى مسعود بارزاني، حاكم الاقليم، الى التخلص من التبعية السياسية للحكومة العراقية. ولائحة الخلافات بينهما طويلة وتتضمن نقاطاً جوهرية كترسيم حدود الاقليم اذ ان الخلاف يشمل بعض الاقاليم، حيث يدّعي كل من الطرفين انها تعود للمنطقة التي يحكمها. وتزداد اهمية ذلك عندما نعرف ان هذه الاقاليم غنية بالثروة النفطية، والصراع يدور حول من يستثمر هذه الثروة. ومن نقاط الخلاف الجوهرية، ايضا، التحالفات التي يقيمها حاكم الاقليم مع دول الجوار التي لا ترتبط بعلاقات جيدة مع الحكومة المركزية كما حدث عندما استقبل بارزاني مؤخراً وزير خارجية تركيا احمد داود اوغلو، مما اثار حفيظة رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي الذي ادان هذه الزيارة لعدم معرفة بغداد بها واعتبرها انتهاكاً للسيادة العراقية… علماً ان مجموعة كردية عراقية اخرى بزعامة “جلال طالباني” ليست على خلاف مع بغداد، وطالباني يشغل منصب رئيس الدولة العراقية. وفي تركيا، وفي ظل “الانفتاح الديمقراطي” تجاه الاكراد الذي التزمت به الحكومة التركية الحالية برئاسة ” رجب طيب أردوغان” منذ تسلمها السلطة عام 2005، خطت عدة خطوات في هذا الإتجاه فافتتحت محطة تلفزيونية رسمية باللغة الكردية، كما سمحت بإفتتاح اقسام في الجامعة التركية تستخدم اللغة الكردية؛ لكن هذه الحكومة ما زالت تخوض نزاعا مسلحا مع تيار كردي آخر بقيادة عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني التركي المطالب بحكم ذاتي لمناطق في شمال تركيا؛ اما في سوريا، وعلى الرغم من ان العلاقة بين حكومة دمشق والمجموعة الكردية كانت سمتها الاساسية “التذبذب”، وبسبب ما تشهده الساحة السورية من حروب داخلية طاحنة، فإن النظام السوري اعاد الجنسية السورية لمجموعة كردية في فترة سابقة، وكي يدعم موقفه حالياً سمح للمجموعة الكردية بإدارة شؤون بعض المدن التي تقطنها أغلبية كردية، وهذا يعني حكماً ذاتياً واقعياً.. تبقى الاشارة الى اكراد ايران الذين تمتعوا، في مراحل سابقة، بحرية التعبير بلغتهم الام، وكذلك المحافظة على تراثهم وتقاليدهم، الا انهم يعانون من التهميش السياسي، وعندما حاولوا عام 2005 الذهاب أبعد في ممارسة الحرية السياسية اندلعت مواجهات مسلحة بين النظام في طهران والمجموعات الكردية ادت الى قمعهم وحتى إعدام عدد من قادتهم.

لكن السؤال الذي يُطرح، بعد هذا الاستعراض للحراك الكردي، ما هي النتائج التي حصل عليها هذا الحراك؟

اولا: لقد انعكست الخلافات بين الانظمة حيث تتواجد مجموعات كردية، على هذه المجموعات، وازداد الشرخ بين مكونات هذه المجموعات. وهذا ما استعرضناه في العراق وفي تركيا وفي سوريا…

ثانيا: ان النزاعات والخلافات السياسية بين حكومات بلدان المنطقة قد تتحول الى نزاعات وصراعات مسلحة، وهذا ما يُرغم المجموعات الكردية للإنصياع الى هذا المسلك.

ثالثا: اذا كان من اهم اهداف “الربيع العربي” قيام انظمة عربية تعددية تسودها الديمقراطية والعدالة والمساواة واحترام حقوق الانسان… واذا ما نأى الحراك الكردي بنفسه عن الإنضمام الى التحالفات المتناقضة التي لم تؤد الا الى المزيد من القمع والإضطهاد وأخذ بالمعايير التي هدف اليها “الربيع العربي”، واذا ساعدت هذه المجموعات الكردية على انتشار وتطبيق هذه المعايير، فإن ذلك سيؤدي حتماً الى احترام حقوق الاقليات وبالتالي تحقيق كثير من احلام الاكراد؟!.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى