الحرب السورية في بداية الطريق
غازي العريضي
وزيرة الخارجية الأميركية تعلن رسمياً أن “المجلس الوطني السوري” لا مكان له عملياً في مشروع الحل الذي يبحث عنه في سوريا. الإعلان يناقض ما كان قد أعلن من القاهرة سابقاً أن المجلس هو أبرز ممثلي الشعب السوري، بل في مرحلة قيل إنه ممثل الشعب السوري. لم يستقبل أعضاء المجلس في أميركا بعدما زاروا عواصم العالم الأساسية. وعقدوا المؤتمرات الكثيرة وقاموا بخطوات كثيرة. اليوم هم لا يمثلون شيئاً فعلياً. الذين يمثلون هم الذين يقاتلون على الأرض. هم الحاضرون في دائرة الصراع. وليس ثمة علاقة تنظيمية أو قيادية بين المجلس والمجالس الثورية أو العسكرية أو الفصائل أو القوى والجبهات المختلفة الموجودة في الداخل. هذا هو الموقف الأميركي الذي استفاق على خطر “المنظمات المتطرفة في سوريا”.
الإعلان جاء قبل ساعات من انعقاد مؤتمر في قطر لتنسيق الجهود وإعلان تركيبة سياسية قد تصل إلى حد اعتبارها “حكومة انتقالية” أو حكومة منفى، سميت حكومة “فورد- سيف” لأن السفير الأميركي في سوريا روبرت فورد هو منسق هذه العملية ويحضر اجتماع الدوحة، والرجل الثاني الأساسي فيها هو المعارض السوري رياض سيف. تزامن الموقف مع الإعلان عن مبادرة صينية تتمحور حول وقف تدريجي لإطلاق النار وتشكيل جهاز حكومي انتقالي. طبعاً يجب أن يحظى ذلك بموافقة الطرفين المتنازعين. السلطة والمعارضة.
أثار الإعلان ردات فعل كثيرة وكبيرة، هو يعني عملياً، أن التوجيه هو نحو الإقرار بمركزية دور “الإخوان المسلمين” في المعارضة، وهم الجهة الأكثر تنظيماً وحضوراً وقوة فيها على الأرض، مع ما يعني ذلك من انقسامات في المعارضة وتنافسات بين قواها على الأرض.
جاء الإعلان من قطر، وهو أعطى تفسيرات كثيرة عن خلافات عربية – عربية في التقييم. قطر تدعم “الإخوان”، والسعودية لا تسير في هذا الاتجاه. تركيا تؤيد “الإخوان”، لكنها لا تماشي الخطوة الحالية التي جاءت التفافاً على ما تقوم به، والتي تأتي على أنقاض أشهر من العمل المضني والمكلف استهلكته الدول في تركيا في متابعة حركة المجلس الوطني السوري.
وجاء الإعلان في وقت تصعّد فيه تركيا ضد النظام السوري وتدعو إلى حركة دولية أكثر فاعلية وإلى عمل “أكثر جدية وتتطلع إلى دور ألماني متجدد، نظراً لما قامت به ألمانيا في بدايات الأزمة السورية من حركة ومبادرات تحت عنوان ضرورات التغيير الجدي في سوريا. كذلك فإن تركيا التي ذهبت بعيداً في “لعبتها” السورية وباتت تعاني الكثير، وتشعر الآن أن ثمة من يريد تجاوز دورها بعد تورطها.
اليوم، ثمة حركة “علوية” في تركيا. العلويون يتظاهرون في لوكسمبورج يطالبون بالاعتراف بخصوصياتهم في تركيا. يرفضون دولة إسلامية – سُنية – عثمانية إن صح التعبير! وفي فيينا يحصلون على “حقوقهم” في ممارسة شعائرهم الدينية والتعطيل في مناسباتهم الدينية. حركة لافتة داخل المجتمع التركي. يضاف إلى ذلك الدور الكردي وتفاعلاته داخل سوريا وداخل تركيا المشاكل بين المعارضة والأكراد في محيط حلب كانت مقلقة وحرّكت المسألة الكردية. لم يرتح الأكراد إلى موقف المعارضة. هذا يفيد النظام الذي حرك الأكراد داخل تركيا أكثر من خلال شبكة علاقاته مع مجموعات منهم. أصبح المشكل داخل تركيا. وتجمّع الأكراد في كردستان العراق. الموقف واحد. لا لاستهدافنا مع خصوصية موقف أربيل من الأزمة السورية وتبايناتها مع السلطة المركزية العراقية اليوم. المهم، تركيا ليست مرتاحة للخطوة المزمع إعلانها في قطر ولما يجري اليوم في سوريا.
في فرنسا التقى وزيرا الخارجية الروسي والفرنسي، وعقدا مؤتمراً صحفياً خصص للتذكير بنص مبادرة جنيف، اختلفا على المضمون وعلى التفسير! (بعد أشهر من الدم والخراب في سوريا والمطالبة بتطبيق الخطة ظهر أنهما مختلفان على تفسير مضمونها. شيء غريب…. ). لكن الأخطر هو ما قاله الوزير الروسي: إذا استمرت المطالبة برحيل الأسد سيستمر حمّام الدم في سوريا! يعني أولاً: نحن أمام حمّام دم في سوريا فلماذا التنكر لحالة الحرب الأهلية إذاً والإنزعاج مما قاله الإبراهيمي في روسيا قبل زيارة لافروف إلى فرنسا. ويعني ثانياً أن ثمة تلازماً بين خياري بقاء الأسد واستمرار حمّام الدم فماذا ينفع سوريا والشعب السوري؟
كذلك كان لافروف قد أطلق مواقف تتعلق باستعداد روسيا حماية الأقليات؟ موقف يذّكر بحلم عودة روسيا إلى مرحلة القرن التاسع عشر أو بدايات القرن العشرين. والحديث عن الخطر على الأقليات يأتي في وقت يدمّر فيه كل شيء في سوريا. وبالتالي نعود إلى عصر الحمايات على أنقاض البلاد ودمارها وتفككها. ويبدو أن ثمة من تحدث عن تمدد هذه الفكرة الروسية إلى لبنان في سياق مواجهة حالات دولية أخرى لأن “لبنان مكوّن من أقليات” أيضاً!
الأردن قلق من كل هذه التطورات وثمة من يتحدث عن محاولات تصدير الأزمة السورية إليه كحلقة ضعيفة، وعن تأكيد على مركزية دور” الإخوان المسلمين”، وضرورات التغيير في البلاد.
في جوار سوريا، الخليج في قلق، وإيران حامية سوريا مع روسيا تتمدد، تلعب دوراً محورياً، تخترق الأراضي والأجواء، تنقل السلاح إلى سوريا. الموقع السوري ساحتها. النظام خط دفاعها، كل إمكاناتها بتصرفه. لا يمكن سقوطه. قادر على الاستمرار كما أكد المسؤولون الإيرانيون في مختلف مواقعهم وتلاقوا مع الوزراء الروس! الجيش السوري قادر على المواجهة والحسم ولا حل من دون الأسد!
لبنان في حالة قلق، والخوف قائم من تصدير الأزمة السورية إليه لا سيما بعد اغتيال اللواء الشهيد وسام الحسن وتداعياته وحالة الإنقسام الخطيرة التي تعيشها البلاد!
– الأميركيون يقولون إن المسعى الذي يرعونه في قطر يهدف إلى توحيد المعارضة لإسقاط كل الذرائع الصينية – الروسية القائمة على اعتبار أن ليس ثمة كيان معارض موحد يمكن التفاهم معه. يؤكد الأميركيون أنهم ليسوا في وارد القبول بدور للرئيس الأسد في مستقبل سوريا. هكذا يقولون! لكن الموقف الصيني – الروسي – الإيراني كما ذكرنا مختلف. وفي كل الحالات ليس ثمة شيء سريع. هذا حتى لو نجح المسعى الأميركي – القطري. لا على جبهة المعارضة ولا على جبهة النظام ولا على مستوى الحلول. في المعارضة سيخرج من يقول: “انتبهوا إلى أميركا والغرب. لقد استخدموكم ورموكم”. وهذا صحيح. وهذه هي السياسة الأميركية، وسيثير الأمر انقسامات كثيرة. تفيد النظام. والنظام سيعتبر أنه سجل نقاطاً سياسية وبالتالي سيستمر في الحرب التي بدأت طائراته تقصف فيها أحياء في قلب دمشق. وبالتالي لن يكون الحل. إن ما يجري يؤكد ما أشرنا اليه منذ البدايات. إنها حرب الحروب، حروب الدول والأجهزة الأمنية والمخابرات والطوائف والمذاهب. والسلاح والسياسة والأمن وحرب البازار الدولي الكبير المفتوح من أميركا إلى أفريقيا إلى روسيا والصين وإيران والخليج وكل المنطقة وصولاً إلى إسرائيل، الحليف الأساسي للغرب، التي ضربت السودان ومرّ الخبر عادياً بمعزل عن الغايات والخلفيات. ويبدو أننا لا نزال في بدايات الطريق. لنتذكر حرب لبنان.
الاتحاد