صفحات العالم

أكراد سوريا: القومية في مواجهة المصالح

 

 

 

لم يعد ممكنا إخفاء توتر وخلاف أكبر قوتين سياسيتين في الشارع الكردي السوري، حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي، الذي أصبح في تطوّر مستمر، حتى أن المراقبين لم يستبعدوا أنه سيتصاعد ليصبح صراعا مسلحا، إلا أنه يظل مؤشرا على تأثّر العلاقات الكردية الكردية، ذات البعد القومي المتشدد، بما يجري في سوريا وعموم المنطقة، ضمن سياسة ترى تركيا أنها تخدمها بشدة في حربها ضد حزب العمال الكردستاني، لأن إقامة مشروع إقليم كردي قومي في سوريا على غرار الإقليم العراقي، سيشكل تهديدا قوميا مستمرا لها.

هل يرفع الكردي السلاح في وجه الكردي

لندن – شكّل الأكراد على مر تاريخ تركيا مصدر إزعاج وقلق، حيث قادوا الاحتجاجات وشنوا الثورات ضدّ الدولة العثمانية ودخلوا في صراع مسلّح مع الدولة التركية الحديثة، دون أن تنجح جهود إرساء السلام بين الطرفين، بل إن التطورات في المنطقة الإقليمية وما يجري في سوريا اليوم زادا من تقليص فرصها ورفعا منسوب القلق في الصف التركي من التقدم الذي أحرزه أكراد الدول المجاورة.

ويبدو أن تركيا كان لديها هذا القلق منذ فترة، فمنذ العام الماضي حين حوّل الجيش التركي المدن الكردية في جنوب شرق تركيا إلى مناطق حرب ضمن مساعي أنقرة الهادفة إلى إزاحة المقاتلين الأكراد الذين تحصنوا في هذه المناطق؛ ومؤخرا بدأت تركيا تراجع مواقفها وسياستها الخارجية، خصوصا تحالفاتها في سوريا، من أجل التصدي للقوات الكردية شمال البلاد.

وتعتبر تركيا أن حصول الأكراد في سوريا على حكم ذاتي أمر يهدد أمنها القومي، لذلك تعمل على استخدام كل السبل لمنعهم من تحقيق هدفهم في سوريا خشية من انتقال الظاهرة إلى تركيا نفسها، لا سيما وأنه سبق أن نجحت في العراق. وتركز أنقرة على توظيف الخلاف الكردي-الكردي متبعة سياسة “فرّق تسد”، فتارة تعمل على تعزيز النعرات بين المكونات الكردية عبر التحالف مع البعض الأحزاب الكردية ضد أكبر الأحزاب الكردية السورية، وطورا تسعى إلى تعميق الخلافات الكردية البينية لتحصل على شرعية عملها ضد الأكراد في المنطقة.

ويقول رئيس المركز الكردي للدراسات نواف خليل لـ”العرب” إن “تركيا تعمل على أكثر من صعيد سياسي وعسكري واستخباراتي لتشتيت الصف الكردي في سوريا، واختراق هذا الصف عبر أكثر من محور”.

ويفسر خليل ذلك، مشيرا إلى أن “تركيا تقول إنها تركز حملتها على حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب، ولكنها لا تعادي بقية القوى الكردية، وهو أسلوب واضح في شق الصف الكردي، عبر استمالة البعض من الأطراف الكردية وإيجاد مكان لها عبر أطر المعارضة السورية المموّلة من تركيا”. ويرى خليل أن تركيا تعرف أن القوى الكردية غير قادرة على الثبات في بلد مثل سوريا وفي وجه قوة عابرة للدول مثل تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة والجيش النظامي والميليشيات التابعة له، لذلك “يأتي الجهد الأكبر لتركيا في النيل من حزب الاتحاد الديمقراطي وإضعاف وحدات حماية الشعب، وتشتيت الالتفاف الكردي العام حولهما، إضافة إلى محاولة التصدي للتحالف القائم مع المكون العربي عبر ضربه”.

ويرى خليل أن تركيا، التي مازالت تقول إنها أخطأت عام 2003 عندما لم تتدخل لمنع تشكيل فيدرالية كردستان العراق، لا تجد ضيرا الآن في التعامل مع البعض من القوى هناك لمحاربة حزب العمال الكردستاني، لمنع أكراد سوريا من تطبيق نموذج مشابه للمثال العراقي.

ورغم أنه نادرا ما تظهر خلافات الأكراد في ما بينهم بشكل علني ولا يسمحون للآخرين بتوظيف خلافاتهم في مصالح لا تفيدهم، إلا أن التطورات تشي بأن هناك تصدّعا في الصف الكردي نجحت فيه تركيا إلى حد ما، سواء عن طريق تدخلها المباشر أو بسبب اختلاف المصالح الكردية الكردية الذي ظهر على السطح بالتوازي مع ما حققه الأكراد من تقدّم على خلفية الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية؛ إضافة إلى اختلاف المصالح بين الحزبين التركي والعراقي وبين الحسابات الأميركية والروسية.

اتهامات متبادلة

شنّ ممثل المجلس الوطني الكردي (ينضوي تحت ائتلاف قوى المعارضة السورية) في الإقليم الكردي في العراق خالد علي، هجوما على حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي يعتبر الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني، مشيرا إلى أنه “يعمل وكيلا للنظام في شمالي سوريا، ويقوم بحملة اعتقالات ضد كل من يعارض سياسته، وفي طليعتهم أنصار المجلس الوطني الكردي، كما يقوم بإغلاق مكاتب الأحزاب والمنظمات المعارضة له”.

وأضاف أن “حملة الاعتقالات الشرسة التي يقوم بها مسلحو الحزب في المناطق الكردية تطال أعضاء حزبي ‘يكيتي الكردي’ و’الديمقراطي الكردستاني’ في سوريا المنضويان تحت راية المجلس الوطني الكردي”، مشيرا إلى أن “استمرار الاتحاد الديمقراطي على هذا النهج يظهر فشله في الإدارة، وسط رفض المواطنين لأساليبهم وفلسفتهم المبنية على أفكار عبدالله أوجلان، وما يسمّونه بالأمة الديمقراطية وما يقومون به هو للتغطية على فشلهم السياسي والعسكري”. وشدد على أن الاتحاد الديمقراطي لا يحمي الأكراد بل يقمعهم، ويحمي نظام الأسد ومشاريع إيران في المنطقة.

لكن نواف خليل ردّ على ما ساقه خالد علي بالنفي، موجّها بدوره سيلا من الاتهامات إلى المجلس الوطني الكردي، الذي قال عنه إنه “تأسس في قامشلو بتاريخ 2011.10.26، ولا يزال مقره هناك في المربع الأمني أي قرب ما تبقى من مقرات النظام السوري التي يدعي المجلس (العضو في الائتلاف) معاداته ومحاربته”.

ويذكر خليل أن المكان الوحيد الذي يملك المجلس الوطني الكردي مقرا فيه هو مناطق الإدارة الذاتية، فليس للمجلس أي مكتب في الخارج -عدا تركيا- ومكتب مؤقت غير رسمي في جنيف. ويضيف أنه “ليس للمجلس ناطق رسمي ولا جريدة رسمية، وأن الموقع الإلكتروني الذي أنشأه قبل أشهر لا يزال مهجورا، والمجلس الذي يقدم نفسه كقوة كبيرة لا يزال يتلقى معونة شهرية من الحزب الديمقراطي الكردستاني”.

ووثقت مصادر تركية أن الإعلامية رنكين شرو، مراسلة قناة روداو (مقرها الإقليم الكردي شمالي العراق)، كان لها نصيبها من مضايقات مسلحي الاتحاد الديمقراطي الذين تعرضوا لها بالضرب والإهانة قبل أيام عند معبر “سيمالكا” على الحدود العراقية السورية، في محافظة الحسكة شمال شرق سوريا.

ويقول خليل “إن هناك أكثر من خمسين وسيلة إعلام مرخصة وتعمل في روج آفا منها وكالة رويترز وقناة فرانس بريس وصوت أميركا وقناة كردستان 24 التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي وغيرهم ومنها وسائل إعلامية مقربة من المجلس الوطني الكردي”.

ويوضح خليل أن ذلك لا يعني أن “الكانتونات الكردية الثلاث باتت كالكانتونات السويسرية، فمن ظل قابعا لخمسة عقود تحت هيمنة نظام شمولي لا يمكن أن يتحول بين عشية وضحاها ليصبح ديمقراطيا خالصا”.

خلافات كردية كردية

يعلق مدير العلاقات العامة في المركز التعليمي لحقوق الانسان علاء الدين آل رشي على الخلافات الكردية التي ظهرت على خلفية التطورات في المنطقة، قائلا في تصريحات لـ”العرب”، إن “الخلاف الكردي الكردي خلاف طبيعي، وفي البعض من مظاهره صحة وبعضه علة ومرض”.

ويشكك آل رشي في الكثير من الأخبار المتعارضة والمتباينة حول توجهات أو تصرفات أي طرف كردي. ويضيف أن “لا معلومات دقيقة متوافرة بمصداقية يمكن اعتمادها في الشأن الكردي السوري”. ويرفض آل رشي سيطرة عقلية التخوين بين الأكراد ويدعو إلى بناء توافقات والتهرب من المفارقات. ويقول “لا أفهم كيف يستسيغ كردي أن يتعامل مع جهة ما ويرفض أن يتحاور مع ابن بلده وابن قوميته. فلا شرف لقومية يتناحر أولادها”.

وشدّد الإعلامي السوري المهتم بالشأن الكردي سمير متيني لـ”العرب” على أن “من أبرز أهداف الثورة السورية صَون ‘كرامة الإنسان’ وحين يقوم حزب أو فصيل عربي كان أو كردي بانتهاك حقوق المواطنين من منطلقات قومية أو مذهبية، فهذا أمر مرفوض وتجب محاسبة مرتكبي تلك الممارسات”. ويضيف متيني أن “انتهاك حقوق المدنيين والتضييق عليهم والاعتداء على الإعلاميين، للأسف تمثل جميعها ظواهر منتشرة في مناطق تسمى ‘محررة’ من قبل فصائل وأحزاب كردية وعربية تحت مسميات مختلفة”.

العرب

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى