الحرب في سوريا: الضربات الجوية والفصائل المتحاربة/ أحمد عمارة
مع مرور الوقت، تتزايد أطراف الصراع عسكريا في الحرب السورية التي تقترب من عامها الخامس، ويصعب على البعض تحديد أطراف الصراع في الداخل والخارج بشكل محدد مع تكاثر الجماعات والدول المحاربة واختلاف أهدافها، وفي هذا التقرير نسلط الضوء على الأطراف المتصارعة وأهدافهم وأماكن انتشارهم، ونقسم التقرير إلى جزئين رئيسين:
الأول: الغارات الجوية التي تشنها دول أجنبية داخل سوريا، والثاني: الفصائل والجماعات التي تقاتل على” الأرض” السورية:
(1) الغارات الجوية الأجنبية
غارات التحالف الدولي
في فجر 23 سبتمبر 2014 بدأت الغارات الجوية للتحالف الدولي التي تقوده أمريكا؛ لاستهداف تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، ويشارك في هذا التحالف عدد من الدول العربية، وهم: السعودية، والأردن، والإمارات، وقطر، والبحرين، قبل أن تشارك فرنسا في تلك الحملة في سبتمبر الجاري، وتكثف غاراتها عقب هجمات باريس، وترتكز القواعد الجوية للتحالف في ديار بكر وانسرليك بتركيا، واربيل وعين الأسد والحبانية في العراق، بالإضافة إلى قاعدة موفق سالتي بالأردن.
منذ بدأ الغارات حتى نهاية نوفمبر المنصرم، شن التحالف 2944 غارة جوية في سوريا، ونفذت أمريكا أكثر من95 % من تلك الغارات، وأسفرت الغارات حتى نهاية نوفمبر -بحسب المرصد لحقوق الإنسان- عن مقتل مالا يقل عن 3952 شخص، بينهم 250 مدني، منهم 66 طفل دون سن الـ 18، بالإضافة إلى 136 مقاتل من جبهة النصرة، و10 مقاتلين من جيش السنة، وكان لتنظيم الدولة الحظ الأوفر من قتلى تلك الهجمات بـ 3547 قتيل على الأقل من عناصر التنظيم، فضلا عن مقتل قيادي في التنظيم هو وزوجته و4 من أطفاله، ومعتقل كان في أيدي التنظيم.
غارات روسيا
في 30 ستمبر 2015، بدأت روسيا غاراتها الجوية؛ “لاستهداف تنظيم الدولة والجماعات المتطرفة” من قاعدة اللاذقية، وقد أثار التدخل الروسي في سوريا انتقادات كبيرة في الأوساط الدولية؛ إذ رآه معارضون بأن الهدف من تلك الغارات هو تثبيت أركان نظام الأسد، والتخلص من معارضيه، وأن 10 % فقط من تلك الغارات استهدفت تنظيم الدولة.
ووفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان من خلال إحصائية له وثقت حصيلة قتلى الغارات الروسية منذ بدايتها حتى نهاية شهر نوفمبر الماضي فقد: “أسفرت آلاف الضربات الجوية التي نفذتها الطائرات الحربية الروسية عن استشهاد 403 مواطنين مدنيين، من ضمنهم 97 طفلاً دون سن الـ 18، و69 مواطنة فوق سن الثامنة عشر، و237 رجلاً وفتى، إضافة لـ 381 عنصراً من تنظيم “الدولة الإسلامية”، و547 مقاتلاً من الفصائل المقاتلة والإسلامية وجبهة النصرة وتنظيم القاعدة في بلاد الشام) في عدة محافظات سورية)”.
وبذلك فإن حصيلة القتلى المدنيين للغارات الجوية لروسيا خلال شهرين تقريبا تكاد تمثل ضٍعف الجصيلة لغارات التحالف الدولي خلال 14 شهر.
بريطانيا: الوافد الجديد
الطائرات الحربية البريطانية التي تقصف أهداف داعش في العراق منذ أكثر من سنة، يجب أن تتصدى أيضاً للتنظيم المتشدد في سورية، بدلاً من أن نولي أمن بريطانيا لدول أخرى.
هكذا دافع رئيس الوزراء البريطاني عن قراره بشن غارات جوية بريطانية ضد تنظيم الدولة في سوريا، ذلك القرار الذي وافقت عليه الحكومة في 1 ديسمبر الجاري، وصوت علية البرلمان في 2 ديسمبر بعد شهور من الجدل بالداخل البريطاني حول ذلك القرار.
وفي 2013 قبل أكثر من عامين حاول “كاميرون” التدخل العسكري في سوريا؛ لمواجهة القوات الموالية لنظام بشار الأسد عقب استخدام النظام أسلحة كيماوية، ولكن القرار رُفض من قبل البرلمان بمساعدة المعارضة القوية لحزب العمال لهذا القرار آنذاك، ولكن يبدو “كاميرون أكثر ثقة في دعم البرلمان لقرار مواجهة تنظيم الدولة في سوريا عندما قال: إنه “لن يطلب من البرلمان التصويت إذا لم يكن يعتقد أنه سيفوز بالتأييد”.
ويعارض حيريم كاربيون زعيم حزب العمال هذا القرار، واصفا إياه: “إننا نندفع لشن حرب”، ولكن لا يبدو أن أعضاء حزب العمال يسيرون بنفس خطى “كاربيون” حول هذا القرار ؛ إذ تفيد تقارير إعلامية أن حوالي 50 من نواب البرلمان المنتمين لحزب العمال سيؤيدون القرار.
ويُعول كاميرون أيضا في محاربة تنظيم الدولة في سوريا على عشرات الآلاف من أعضاء فصائل المعارضة؛ عندما قال: إن “هناك حوالي 70 ألف مقاتل غير متطرف في المعارضة السورية قد يساعدون في محاربة تنظيم الدولة”.
ثانيا: الجماعات والأطراف التي تقتل على الأرض السورية
المعارضة المعتدلة: من هم الـ70 ألف مقاتل الذي قصدهم كاميرون؟
في محاولة من صحيفة الجراديان البريطانية في تحديد الـ70 ألف مقاتل “المعتدل” الذي قصدهم كاميرون في تصريحه، استعانت بتشارلز ليستر مؤلف كتاب “الجهاد السوري: القاعدة، والدولة الإسلامية، وتطور التمرد” والذي صنف قرابة 70 ألف مقاتل بسوريا، وتفيد الجارديان بأنهم يتكونون من 100 إلى 120 فصيل ومجموعة، بأهداف مختلفة، والبعض ليس “معتدلا” ويبنى فكريا تنظيم القاعدة، وجاء تقسيم المجموعات عدديا ـ وفقا لتشارلز ـ كالتالي:
الجبهة الجنوبية 58 فصيلا 25ألف مقاتل، الجيش السوري الحر الشمالي 14فصيلا 20 ألف مقاتل، تجمع “فاستقم كما أمرت 1000 مقاتل، ثوار الشام 1000 مقاتل، الجبهة الشامية 2.500 مقاتل، كتائب نور الدين زنكي1500 مقاتل، جبهة الأصالة والتنمية 5 آلاف مقاتل، فيلق الرحمن 2000 مقاتل، فيلق الشام 4 آلاف مقاتل، الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام 3 آلاف مقاتل.
في الواقع، فإن تلك القوى لن تكرس كل قواها لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، فإنها لن تصبح فجأة بين عشية وضحاها أحد الأدوات البريطانية لمكافحة تنظيم الدولة طالما أنها لم تزل تواجه نظام الأسد.
هكذا يوضح تشارلز طبيعة اتجاهات تلك الفصائل مؤكدا معارضتها لتنظيم الدولة ونظام الأسد مع التركيز بشكل أكبر على محاربة الأخير.
معارضة حظرتها أمريكا
حظرت أمريكا عددا من الجماعات المعارضة المسلحة القوية في سوريا التي تحارب كلا من تنظيم الدولة وبنظام الأسد، الأولى هي جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة، والتي كان لها بالغ الأثر في محاربة تنظيم الدولة بإقليم إدلب وريف حلب شمال البلاد.
و هناك أيضا تحالف يتكون مما يسمى: “جيش الإسلام” و”أحرار الشام” وتكون الجماعتان قوة مشتركة، قوامها 27 ألف مقاتل، وقد حققوا انتصارات كبيرة سالفة على تنظيم الدولة “وهم بالطبع ليسوا حلفاء للغرب، ولكنهم حققوا نتائج أفضل من تلك التي حققها الأكراد، حليفنا المفضل” بحسب تشارلز.
الأكراد
يمثل الأكراد نحو 10 % من سكان سورياK ويعيش معظمهم على طول حدودها مع تركيا وشمال العراق، وقد تمكن الأكراد من السيطرة على جزء كبير من هذه المنطقة منذ انسحاب القوات الحكومية السورية في عام 2012 ، وتمثل ووحدات حماية الشعب الكردية الجناح العسكري للأكراد الصديق الأفضل لأمريكا، وقد استخدمت الولايات المتحدة الضربات الجوية؛ لمساعدة الأكراد على تحقيق انتصارات ضد تنظيم الدولة في كوباني، كما أن أمريكا في نهاية أكتوبر ومع مطلع شهر نوفمبر أرسلت مالا يزيد عن 50 مجندا من قواتها الخاصة شمال سوريا، حيث ينتشر الأكراد لتقديم “الدعم والمشورة” لمواجهة تنظيم الدولة
“لا بد أن نكون حريصين جدًّا في التعامل مع تلك الجماعة”.
هكذا روبرت فورد -السفير الأمريكي السابق بسوريا (2010-2014) والذي يعمل حاليًا بمعهد واشنطن بالشرق الأوسط- محذرا من “توطيد علاقة أمريكا بميليشيا الشعب الكردية التي تقف خلف جماعة “بي كا كا” التي تُصنف كجماعة إرهابية بأمريكا، كما أنها متهمة بانتهاكات لحقوق الإنسان ضد المواطنين السنة في شمال سوريا”، بحسب تقرير منظمة العفو الدولية.
وبينما يمثل الأكراد الصديق الأفضل لأمريكا بالداخل السوري، فعلى العكس من ذلك تمثل العديد من الجماعات الكردية والتي يتوالد بعضها داخل تركيا- مصدر إزعاج لتركيا التي ترفض انتقال المقاتلين الأكراد من سوريا إلى تركيا، وقصفت تركيا سلفا مقاتلين أكراد في سوريا تحت دعوى دعمهم لجماعة بي كاكا الكردية التي تمثل التحدي الأمني الأخطر بالداخل التركي.
تنظيم الدولة
ليس من السهل تقدير عدد الأشخاص الذين يقاتلون في صفوف تنظيم الدولة بالداخل السوري، وفي عام 2014 قدرت وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) عدد المقاتلين في كل من العراق وسوريا بـ31.500 مقاتل، وتقول الولايات المتحدة أنه منذ بدء الضربات الجوية قتل ما لا يقل عن10000 على الأقل من المتشددين في كلا البلدين، وتشير بعض التقديرات إلى أن هناك ما يقرب من 50 ألف مقاتل لتنظيم الدولة في المنطقة.
وبشكل عام فإن التنظيم في سوريا بدأ حربه في البداية ضد الأسد، وبعد ذلك استهدف القوى المعارضة للأسد؛ ليشن حربه ضد طرفي الصراع، ويستعدي كل القوى الداخلية والخارجية في سوريا.
و يسيطر الجيش الحر على جزء كبير من الأراضي داخل وحول المدن السورية غرب حماة وحمص، ويشمل الجيش الحر أيضا جماعات، مثل تجمع صقور العزة، ولواء صقور الجبل، اللذين تلقيا تدريبات وأسلحة من وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA ، كما تتحكم مجموعات متحالفة مع الجيش السوري الحر أيضا في المناطق المحيطة للحدود السورية الجنوبية مع الأردن، ولكن بعد سنوات من الشقاق، وتعثر التقدم للجيش الحر، فإن “تأثيره في طريقه إلى الزوال”، بحسب مارتين شولوف صحفي الجارديان المتخصص في الشأن السوري.
نظام الأسد
الجيش النظامي السوري لا يحارب وحده من أجل الإبقاء نظام الأسد، فيساعده عسكريا مجموعات مسلحة تنتمي للطائفة الشيعية التي ينتمي إليها الأسد، و تتكون بشكل أساسي من الحرس الثوري الإيراني التي تتضمن نخبة القدس التي يقودها قاسم سليماني، بالإضافة إلى حزب الله اللبناني، وتوجه الاتهامات لروسيا كما ذكرنا سلفا بأن غارتها الجوية تدعم الأسد في مواجهة معارضيه، وتفيد تقارير إعلامية بأن إيران استقدمت أفغان مرتزقة من الشيعة؛ للحرب بجانب بشار الأسد في سوريا.