الحركات المدنية في سورية.. “إبعد يا متلثم عني”/ وائل قيس
شهدت المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية، منذ منتصف عام 2012، وحتى نهاية عام 2013، تشكيل العديد من المجموعات المدنية، التي حاولت إبراز تثبيت الوجه المدني الديمقراطي للثورة في سورية، من خلال عملها على مجموعة من النشاطات المدنية، منفصلة بذلك عن الطرف الثاني الذي اختار العسكرة طريقاً له.
إلا أن ما حصل جاء مغايراً لما كانت تسعى له تلك المجموعات، فالكتائب المسلحة بدأت بفرض سيطرتها على الأماكن الخاضعة لسلطتها، وبدأ نفوذ تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، يتصاعد بشكل تدريجي، مما سمح لعدد كبير من الكتائب المسلحة، بإعلان تطرفها، ووقوفها في وجه عمل المجموعات المدنية، التي انتقدت ممارساتها القمعية بشدة، قبل أن تعلن توقفها عن العمل، بشكل كامل.
إذ، وعلى حين فجأة، وجد الناشطون أنفسهم ملاحقين، من حلفاء الأمس، الذين انضموا للكتائب المتطرفة، وتكررت حوادث الخطف، والتصفية الجسدية، لأكثر من مرة، وراح ضحيتها العديد من الأسماء التي كان لها تأثيرٌ مباشر على الأرض، قبل انسحاب النظام السوري، وبعده، وهنا لا بد من الإشارة إلى حادثة اختطاف الناشط، وائل إبراهيم، المعروف باسم “أبو مريم”، من قبل تنظيم “الدولة الإسلامية”، قبل أن يعلن عن تصفيته، بحجة رميه “للراية الإسلامية” في إحدى المظاهرات في مدينة حلب.
كما عاش ناشطو مدينة الرقة تجربة مماثلة مع تنظيم “الدولة الإسلامية”، الذي أعلن المدينة عاصمة له، فالتنظيم قام بوأد جميع المظاهر المدنية، عن طريق ملاحقة النشطاء، ولم يترك أمامهم خياراً، إلا الهرب، ومن لم يستطع ذلك، كان مصيره إما الخطف أو الاغتيال، ويبرز من ضمن الأسماء التي اختطفها التنظيم في الرقة، الناشط ، فراس الحاج صالح، الذي ينتمي إلى إحدى العائلات المعروفة بمعارضتها الشديدة لنظام الأسد الأب، قبل الابن.
هكذا، عاشت المجموعات المدنية حالةً من الإحباط، والنكران، بعد أن وجدت نفسها وحيدة، بين فكي التنظيمات المتطرفة، دون نصير، أو مدافع عن حقها في التعبير عن الرأي، واختيار النظام الذي حاولت خلقه عبر صناديق الاقتراع.
نعرض في هذا الموضع تجربة مجموعتين مدنيتين، الأولى ولدت في حلب باسم حملة “لهون وبس”، والثانية نشأت في مدينة الرقة تحت اسم “حركة حقنا”.
نشطاء حلب: لهون وبس
بعد انسحاب النظام السوري من معظم أجزاء مدينة حلب، وتعدد الكتائب المسلحة، قامت إحدى المجموعات المتطرفة، بتاريخ 9 يونيو/حزيران 2013، بإعدام الطفل، محمد قطاع، البالغ من العمر 14 عاماً ميدانياً، في حي الشعار، بعد اتهامه بالكفر. رداً على الحادثة قامت مجموعة من النشطاء بالإعلان عن حملة “لهون وبس”، ونفذت مجموعة من المظاهرات، والاعتصامات التي تطالب “الهيئة الشرعية” بالقصاص من قتلة الطفل.
دفعت حادثة اغتيال الطفل نشطاء الحملة إلى تنفيذ مجموعة من الحملات الاحتجاجية، وكان أهمها حملة “لا تكن شريكاً بالفوضى”، التي جاءت رداً على فرار قتلة “محمد قطاع”، بسيارة لا تحمل لوحة رقمية. طالبت الحملة “مجلس محافظة حلب الحرة”، بممارسة دوره في منح السيارات التي لا تحمل لوحات رقمية، لوحات رقمية منظمة، بدأت الحملة بتوزيع المنشورات على السائقين، على شكل لوحات رقمية تحمل اسم الحملة، إضافة لتوقيع عريضة، وقع عليها ما يقارب 5000 شخص، تطالب بتنظيم لوحات رقمية للسيارات، واعتصم نشطاء الحملة أمام مجلس المحافظة، الذي رضخ لمطالب الحملة في نهاية الأمر، وأصدر قراراً يقضي بتشكيل مديرية للنقل، عملت على منح السيارات لوائح رقمية.
إلى جانب ذلك، جرى تنفيذ حملة بعنوان “بدي مدرستي”، طالبت من خلالها الكتائب المسلحة الخروج من المدارس، بعد اعتمادها كمقرات عسكرية، واستطاعت الحملة أن تستعيد مجموعة من المدارس، قامت بتسلميها لـ “المجلس المحلي للمدينة”، الذي عمل على إعادة تأهيلها، وإعادتها للعملية التعليمية مرة أخرى.
تعرض فريق الحملة، بعد تنفيذه مجموعة من المظاهرات الاحتجاجية، والاعتصامات ضد الكتائب المتطرفة، وتنظيم “الدولة الإسلامية”، للملاحقة والتهديد بالخطف، واقتحام العديد من الأماكن، التي كان يجتمع فيها النشطاء، مما اضطر أغلبهم إلى الهروب إلى مدينة غازي عينتاب التركية، بعد اختطاف أحد النشطاء من قبل تنظيم الدولة، لتنتهي بذلك سلسلة حملات “لهون وبس”، التي كان مخططها تأسيس مجموعة مدنية، تحمل الاسم ذاته.
حركة حقنا: ابعد يا المتلثم عني
تأسست الحركة في مدينة الرقة، بتاريخ 23 مارس/آذار 2013، بعد انسحاب قوات النظام السوري منها، عن طريق مجموعة من النشطاء المقيمين في المدينة، اتخذوا قراراً بتأسيس “حركة حقنا”، وكان من ضمن أهدافها، إبراز الوجه اللاعنفي للثورة، والتأكيد على الجوانب المدنية، من خلال طرحها العديد من المفاهيم، والأفكار المتعلقة بالقانون الانتخابي، كتعزيز ثقافة الانتخاب، والاحتكام لصناديق الاقتراع، عن طريق منافسة متكافئة بين جميع المرشحين، إضافة لتأكيدها على حق المجتمع المدني بمراقبة الانتخابات.
نفذت المجموعة العديد من الحملات المدنية، كان أهمها “ساحات الحرية ليست ساحات إعدام”، رداً على الإعدامات الميدانية، التي نفذتها الكتائب المتطرفة بحق النشطاء، دون محاكمات علنية، بهدف ترويع السكان، استمرت الحملة لمدة 3 أيام، عن طريق نصب خيمة “عزاء وطن”، عبر من خلالها المشاركون في الحملة عن رفضهم الممارسات، والانتهاكات التي يتعرض لها النشطاء، والسكان معاً.
كما نفذت الحركة حملة دعم نفسي للأطفال، بالتعاون مع مجموعة من منظمات العمل المدني، هدفها ترسيخ مبدأ التعاون والعمل المدني فيما بينهم، استمرت الفعالية لمدة ثلاثة أيام، واستهدفت 12 حياً في المدينة، بعد تقسيمها إلى 4 أحياء في اليوم الواحد، وتضمن برنامج الحملة تقديم عروض مسرحية في الهواء الطلق للأطفال، ومسابقات توزع في نهايتها جوائز رمزية، وحلقات رسم، إضافة لتقديم عروض “كابويرا”، أحد فنون القتال البرازيلية، التي تمزج بين الرقص والقتال.
بعد تصاعد نفوذ تنظيم “الدولة الإسلامية” في المدينة، وملاحقته للنشطاء، اتخذت المجموعة قراراً يقضي بتجميد عملها. يقول بشير الهويدي، لـ”جيل العربي الجديد”، “بعد سيطرة تنظيم (الدولة الإسلامية) على محافظة الرقة بأكملها، واعتقاله سبعة نشطاء من الحركة، أفرج عن خمسة منهم، وتم تحرير محمد الخطيب، من سجن المركبات من قبل “الجيش الحر”، وبقي عبد الإله الحسين مجهول المصير حتى اللحظة، واقتحام عناصر التنظيم مقر الحركة، والعبث بممتلكاته، قررت الجمعية العمومية للحركة تجميد العمل في محافظة الرقة، في يناير/كانون الثاني 2014”.
(سورية)
العربي الجديد