الحروب الأهلية الثلاث في سوريا
باتَ الأمر رسميا، بما أن الأمم المتحدة نفسها أقرّت به: لقد دخلت سوريا في الحرب الأهلية. هرفي لادسوس، قائد قوات السلام التابعة للأمم المتحدة هو ديبلوماسي متمرس، وهو الذي كسر التابو وأعلن عن “حرب أهلية” في سوريا (…).
نحن الآن اذن أمام ثلاث أنواع من الحروب في سوريا. الحرب الاولى هي الحرب ضد المدنيين، التي بدأت في آذار من العام الماضي. فمنذ التظاهرات الأولى التي لم تكن تطالب بإسقاط النظام، إنما بتحرير أطفال اعتقلوا وعذّبوا في درعا، كان النظام قد اتخذ قراراً بتصويب سلاحه، فأمر باطلاق الرصاص على متظاهرين سلميين يغنون الشعارات ويرفعون اللافتات. على الرغم من آلاف القتلى ومن الإرهاق، فإن هذه الثورة السلمية ما زالت مستمرة في ضواحي دمشق وحلب وفي عشرات البلدات حيث يستمر الأهالي بالنزول الى الشارع جمعة إثر جمعة. هؤلاء المتظاهرون الذين لا يحملون أي سلاح لم يسقطوا النظام، ولكنهم زعزعوا ما كان يعتبر نقطة قوته الأساسية، أي حاجز الخوف. واذا حصل ان توقفت هذه التظاهرات، يصبح بوسع نظام بشار الأسد الإدّعاء بأنه يواجه عصابات مسلحة.
منذ نهاية صيف 2011، حرب أخرى فرضت نفسها على الارض: وآيتها الحرب الدموية، وإن غير متكافئة، التي تخوضها وحدات من الجيش النظامي ضد المجموعات المحلية المسلحة المكونة من مدنيين وعسكريين منشقين عن الجيش النظامي، انضموا الى ابناء قراهم وبلداتهم. مجموعات الدفاع الذاتي هذه منضوية تحت اسم “الجيس السوري الحرّ”، الا ان هذه التسمية لا تحجب تماما استقلالية الوحدات المحلية.
“الجيش السوري الحرّ” لا يشكل خطراً على الجيش الرسمي، الأكثر مِراسا وتسلّحا؛ ولكن عوامل شتى تقلق النظام، أهمها، تكتيك حرب العصابات الذي يتبعه هذا الجيش، فضلا عن تجذّر أعضائه المحلي، وتدفق السلاح عليه. بؤر حرب العصابات هذه بدأت تتشكل، خصوصاً في الرستن، في أنحاء حمص أو في جبل الآكراد، بالقرب من الحدود التركية.
“الجيش السوري الحرّ” ليس بوسعه ان يصدّ هجمات الجيش النظامي، ولكن المواقع التي ينسحب منها لصالح الأخير يعود فيحتلها من جديد منذ اللحظة التي تنسحب منه الدبابات للتوجه نحو مواقع اخرى بغية قصفها. وحسب مصادر الأمم المتحدة، فان 40 بالمئة من الأراضي السورية بات خارج سيطرة السلطة المركزية. ولمزيد من التعقيد، ينضم الى حرب العصابات هذه، بل تتسلّل اليها، مجموعات تدعى “جهادية”.
الصراع الأخير هو حرب الجميع ضد الجميع. انها المجازر والفظائع، كتلك التي وقعت في قرية حولا السنية، حيث قتل 100 مدني، بينهم 49 طفلا، والبعض منهم بالسلاح الأبيض؛ اما منفذو الجريمة فهم من ميليشيات الداعمة للنظام، الشبيحة القادمين من قرى علوية قريبة. هنا تكمن الخشية الكبيرة وسط الأسرة الدولية. ومن علاماتها المقلقة الأخرى: منع مراقبي الأمم المتحدة، مرات عدة ومتتالية، من الاقتراب من مكان حصول المجازر، كما حصل في القبير والحفة، وهما قريتين سنيتين أخريَين، وأبطال المجزرة علويون اعتدوا على سيارات المراقبين.
كل هذه المذابح ليست الأولى من نوعها، ولكن تكاثرها يبعد السوريين عن الحل السياسي ويضعف من احتمال التدخل الدولي. يقول فواز جرجس، مدير مركز الشرق الاوسط في جامعة لندن: “التحدّي لم يعد يتجسد الآن في حرب الرئيس الأسد ضد المعارضة، بل في حرب الجميع ضد الجميع”.
بتجنيده أبناء الطائفة العلوية، أغرق النظام السوري البلاد في حرب طائفية؛ وهدفه في ذلك ضم الأقليات الأخرى، من دروز ومسيحيين، الى الخوف من قدوم هيمنة سنية، فيقدم نفسه بصفته ضامناً لهذه الأقليات وللدولة المدنية.
والواقع ان استراتيجيته هي خطر أقوى على الطائفة العلوية نفسها، التي قد تجازف بانطوائها في جبل العلويين. ولكي يتحقّق النذير القاتم لهذه الحرب الأخيرة، أي حرب الجميع ضد الجميع، ينقص عامل مهم، ألا وهو الندية. هناك حملات انتقامية نالت من عائلات علوية، خصوصا في حمص، ولكن، حتى الآن، كما تلاحظ المعارضة السورية عن حق، فان مجازر بحق السنة لم تليها مجازر مقابلة بحق أي كان. ولكن الى متى؟
كريستوف اياد
عن صحيفة “لوموند” (21 حزيران 2012)