صفحات العالم

الحسم العسكري أتذكرون؟


نبيل بومنصف

في صيف 1978، اي قبل اربعة اعوام من مجزرة حماه “الاولى”، ذاقت الاشرفية المر الدامي نفسه الذي يصعب على من عايشه ان يمنع الذاكرة من استعادته الآن على وقع الجحيم السوري المشتعل. وفي ظل “حرب باردة” واستقطاب دولي كانت الترسانة السوفياتية تمعن دكا ودمارا في الاشرفية على ايدي قوات الردع السورية ومن ادواتها الشهيرة “اورغ ستالين” والمدفعية الثقيلة من عيار 240 ميلليمترا التي حولت “قلعة” المسيحيين اثرا بعد عين. اما رموز “الارهابيين” في ذلك العام فكانوا الرئيس الاسطوري كميل شمعون ونجوم المقاومة الصاعدة بشير الجميل وداني ودوري شمعون و”جحافل” الكتائب والاحرار.

وقبل الاشرفية كانت واقعة “الحسم” في صوفر في 1967 ايذانا بانفلاش الردع وكان نجم مقاومته الزعيم الساحر كمال جنبلاط. وبعد الاشرفية في 1982 كانت واقعة زحله وحصارها وحرقها. ولا موجب للبقية من عشرات المحطات المماثلة في ذاكرة حرب غلّفت بالشعار الاهلي وكانت حشوتها الدافعة دوما “توازن” ردع وتدمير.

“الحسم العسكري” هذا، فرض معادلة لعينة مشؤومة في لبنان فكان الوجه الرديف للوصاية السورية طيلة امد سطوتها القسرية حتى الانسحاب التاريخي في 2005. وثمة من سيسأل عن موجب هذه الاستعادة التي لا يغلفها غبار النسيان ولو شاء بعض “المتنورين” اليوم ان يزور كتاب التاريخ. ولكنها استعادة حتمية ولو خدشت مشاعر هؤلاء وسواهم. فها نحن على مشارف المحطة الرمزية الابرز التي انهت عصر الوصاية، وهي الذكرى السابعة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط. وها نحن ايضا امام استعادة دامية وحارقة لحسم عسكري في سوريا نفسها يبدو اشبه بجحيم انتحاري شمشوني.

ولعلها مفارقة ان تستوطن نزعة الحسم النظام السوري، بالترسانة نفسها، ولو غدت روسية بدلا من سوفياتية، اربعة عقود متواصلة فيتغير العالم وتنقلب المقاييس والمعايير ولا يبقى معاندا الا هذا النمط وحده. حتى لكأن التعريف بالنظام السوري في خطه البياني الذي حكم عبره سوريا ولبنان ابان الوصاية ومن بعدها تعامله مع الثورة السورية، يختصر بسليقة الحسم العمياء التي لا ترى في المعارض، لبنانيا كان او سوريا، الا المتآمر والارهابي. وما تشهده سوريا من اتساع مفزع للمجازر والتدمير وايقاظ لشياطين الحرب الاهلية ليس نتيجة ثورة فحسب، بل هو ايذان حتمي بانتحار “الحسم” كآخر تقليعات العهود الحديد البائدة. ولا يبدل هذه الحقيقة، “فيتو” في مجلس الامن او ترسانة باتت قبلتها المحورية الحصرية اجتثاث ثورة زاحفة لا مرد لها مهما بلغ تعداد الضحايا. ويصادف ان اللبنانيين كانوا السباقين في الاختبار، وكذلك كانت تجربة الحسم العسكري. والا لما سمحت لهم “اللباقة الادبية” بسوق هذه الحقيقة التاريخية الجديدة الزاحفة على سوريا بالدم والنار ايضا.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى