صفحات الرأي

الحظ والقوة المغناطيسية للأفكار/ موسى برهومة

 

 

مع كل عام جديد، يشرع البشر أساريرهم ويطاردون الأمل العنيد. وثمة من يرثي أيامه الفائتات التي كان فيها يرسم، بأقلام الفحم، فراشاتٍ وياسميناً وسماءاتٍ لا يثقبها الأنين، فيحصد قتلى ونكبات ويتامى، ومقتلعين من الزمان والمكان.

لكن أولئك البشر يظلون مثل سيزيف معلقين بخيط الرجاء الشفيف، يزفون إلى الغيب مكابداتهم، وانتظاراتهم المديدة، كما لو أن لا جناح عليهم إن أفنوا ما تبقى من سنواتهم في رسم الفراشات الملونة، ولو صبغها الليل بعتمة الغِربان.

وأمام أكوام الحيرة، والتشوش الذهني، يسقط البشر في قبضة الميتافيزيقا، ويلوذون بتفسيرات تجافي المنطق والعقل، وكثيراً ما تسمعهم يرددون «اللي ما إلو حظ لا يتعب ولا يشقى». ولطالما حظيت مفردة «الحظ» بوفرة شديدة في الاستعمال. فبها يعزى النجاح، بالمقدار ذاته الذي يعزى الفشل، وكذلك الأحداث الطيبة ونقيضها. لذا تراهم وهم يتضرعون بالأمنيات، ما خفي منها وما بطن، يعولون كثيراً على الحظ، ويأملون بأن يجندل بسيفه قطعان الخيبة.

ويبقى الحظ أمراً محيراً، فقد ترى أشخاصاً محظوظين وآخرين غير محظوظين، على رغم أن الفريقين يتساويان في المؤهلات والقدرات والألمعية، بل قد تجد بعض غير المحظوظين أكثر تميزاً وتجذراً في حقولهم من المحظوظين. فما علّة ذلك؟!

ثمة من يرى أن «الحظ» هو ما يقع للفرد من خارج نطاق إرادته،. ومن يراه بأنه مرتبط بالفرص العشوائية. وثمة من يلوذون، أثناء معاينته، برؤى دينية تربطه بالقدر والنصيب. وقد كان الرومان يعتقدون أن الحظ يتجسد في الإلهة «فورتونا»، وهناك من أشكل عليه الأمر فلم يقو على تعريف الحظ سوى أنه «مجرد حظ».

ولما ذهب كارل يونغ إلى مقاربة المفهوم، قال إن الحظ يمثل تزامناً ذا معنى، ووصفه بأنه «صدفة ذات معنى»، فزاد في التباس المفهوم، أو ربما أشار من طرف خفي إلى أن الحظ، طيباً كان أم سيئاً، يمكن صناعته.

ومع أن صناعة الحظ مسألة يمكن السجال فيها، فإنها تشتمل على الشيء ونقيضه معاً. فإن أحسن المرء ضبط عمله، وأعد له ما استطاع من اهتمام، وحذق فيه، ولم يترك ثغرة في جداره ولو كانت بمقدار ثقب إبرة، فإنه قد يحالفه الحظ في النجاح، وربما لا!

وللأمر ارتباط بالطاقة الكونية، على ما تذهب بعض المقاربات التي تدمج الروحاني النفسي بالفلسفي الحدسي. ففـي كتاب «السر»، ترى الكاتبة روندا بيرن أن أعظم سر في الحياة قانون «الجذب» الذي يفيد بأن للأفكار قوة مغناطيسية تجذب الأمور التي تحصل لك فـــي حيـــاتك، فهي ترسل إشارات وذبذبات إلى الكـــون لتلتقط كل الأشياء التي تحمل الذبذبة نفسها، لأن كل شيء ترسله يعود إلى مصدره (أنت)، ما يعني أن الإنسان قادر على تغيير حياته بتغيير أفكاره.

وتشبه الكاتبة قانون «الجذب» بمصباح علاء الدين الذي يمنحك كل ما تأمر به في ثلاث خطوات: اطلبْ، صدقْ، احصلْ. فالطلب يقتضي وضوح ما تريد في ذهنك، أما التصديق فيتطلب التصرف وكأنك حصلت فعلاً عليه، لأن ذلك سيجعل قانون الجذب يحرك الأشخاص والأحداث والظروف لتحصل على ما تريد، أما الحصول فيعني الشعور الذي تعيشه حين تتحقق رغبتك. فالتفكير الإيجابي والشعور بالإيجابية يخلقان نتائج مغيرة للحياة، كزيادة في الثروة والصحة والسعادة. وقد تناول هذا المفهوم باولو كويلو في روايته «الخيميائي»، فأنت «عندما تريد شيئاً ما، فإن الكون بأسره يتضافر ليوفر لك تحقيق رغبتك».

ولعل هذا «السر» ما راود هنري فورد، لحظة قرر صناعة العربات ذات المحرك. حينها أحاطته التهكمات من كل اتجاه، لكنه ما حفِل بها، وأصغى إلى نداء الكون، وأيقظ وهو يصغي، طاقته الإيجابية إلى أقصى حدودها، مقراً بأن المرء سواء اعتقد بأنه يستطيع شيئاً، أو اعتقد أنه لا يستطيع، سيجد أنه محق في الحالتين!

* كاتب وأكاديمي أردني

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى