الحقوقية شيرين عبادي تفند السجل السيئ لحقوق الإنسان في إيران
شيرين عبادي، محامية إيرانية، وقاضية سابقة، ومؤسسة مركز الدفاع عن حقوق الإنسان في إيران. وهي حاصلة على جائزة نوبل في عام 2003، لجهودها البارزة في تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في بلدها، وبهذا كانت أول إيرانية تحصل على الجائزة.
في حوار مع نازنين أنصاري، المديرة التحريرية لصحيفة كيهان الصادرة في لندن، تحدثت عبادي عن إحجام الاتحاد الأوروبي عن الضغط على إيران جراء سجلها في انتهاكات حقوق الإنسان، واحتجاز المواطنين مزدوجي الجنسية، والجهود المبذولة لضمان إطلاق سراح نازانين زغاري راتكليف. إضافة إلى حل النزاع القضائي مع بريطانيا حول صفقة أسلحة عام 1976، وكذلك التغييرات المحتملة في دستور الجمهورية الإسلامية.
نازنين أنصاري: سؤالي الأول لك حول قضية “نازانين راتكليف”، وهي امرأة إيرانية بريطانية تبلغ 37 عاماً، تقضي حكماً بالسجن خمس سنوات في سجن إيفين الإيراني، بتهمة محاولة إسقاط النظام الإيراني، وخرج العديد من المتظاهرين، من بينهم الممثلة البريطانية إيما واطسون، في وقفات لدعم قضية نازانين… هل تظنين أن هذه المساعي يمكنها الإسهام في حل قضية نازانين؟
عبادي: السجون الإيرانية تضم الآن 30 مواطناً مزدوج الجنسية، وهم في الواقع بمثابة رهائن لدى الحكومة الإيرانية. كانت نازانين في زيارة لأهلها في إيران حين تم القبض عليها، بينما أذاع التليفزيون الإيراني IRIB فيديوهات قديمة لنازانين وهي تدرب الصحفيين منذ عدة سنوات، وانتشر المقطع على مواقع التواصل الاجتماعي. ولا يشير الفيديو لأي شيء سوى أن نازانين قامت بتدريب الصحفيين. نازانين متخصصة في العلاقات العامة، وقد عملت كمدير مشروعات في وكالة رويترز الصحفية، والوكالة لها قسم خاص بتدريب الصحفيين. وبافتراض أن جميع المعلومات في الفيديو صحيحة فهي لا تثبت إلا أن نازانين دربت عدداً من الصحفيين منذ عدة سنوات، فهل هذه جريمة؟ إن القانون الإيراني لا يُعرف التدريب كجناية، وعليه فإن اتهامها بتدريب جواسيس هو تهمة ملفقة تماماً من الحكومة والقضاء. لا يوجد أدنى شك في براءة نازانين، ما يجعلني أعتبرها رهينة لدى الحكومة.
ابتاعت إيران من الحكومة البريطانية دبابات بقيمة 950 مليون جنيه استرليني، عام 1976، إلا أنها تسلمت عدداً قليلاً من الدبابات، ولم تصلها البقية أبداً بسبب قيام الثورة الإسلامية، واندلاع الحرب الإيرانية العراقية، وفرض العقوبات الغربية على طهران. ولم تقدم بريطانيا طيلة العقود الأربعة المنصرمة على تسليم الدبابات إو إعادة النقود لإيران. نحن هنا نواجه حقيقيتين: مطالب إيران الشرعية من بريطانيا، وبراءة نازانين الناصعة.
لطالما أصررت ألا تشتبك حقوق الإنسان مع السياسة، وقضية نازانين خير مثال على ذلك. إن تصريحات الوزير بوريس في برلمان المملكة المتحدة (في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، بأن نازانين كانت تعطي تدريبات صحفية في طهران) استغلت من قبل معارضيه للمطالبة باستقالته.
وعلى الرغم من ذلك؛ فإن أياً من هؤلاء المعارضين لم يبذل جهداً يذكر في سبيل إطلاق سراح نازانين، ولم يهتموا بمحنة هذه المرأة البريئة. لكنهم استخدموا قضيتها لمهاجمة بوريس وطالبوه بالسفر إلى طهران للتفاوض حول إطلاق سراحها.
ونتيجة لذلك، طُرحت فكرتان للهروب من هذا المستنقع السياسي. الأولى: أن تمنح نازانين حصانة دبلوماسية، ومن المرجح ألا يُطبَق هذا الاقتراح، كونها تُمنح للدبلوماسيين فقط، إذ أن مقاضاة شخص يتمتع بحصانة دبلوماسية، تعني مواجهة الدولة التي منحته هذه الحصانة مباشرة. كما أرى أن منحها الحصانة هو فعل غير منطقي وغير مسبوق. تخيل أن كل معتقل في العالم تم منحه حصانة دبلوماسية. إن هذه ليست الطريقة التي تدار بها البلاد، ولا أعلم من الذي اقترح هذا الحل، ربما اقترحها بوريس جونسون ليخرج نفسه من هذا المأزق.
لدى إيران كامل الحق في مطالبة بريطانيا بإعادة رد نقود صفقة الدبابات المبرمة قبل أربعة عقود، وهو مطلب شرعي. إلا أنه من المستحيل الربط بين دفع المبلغ و حرية امرأة بريئة. ومن السخف أن تعلن الحكومة أنها لن تطلق سراح نازانين إلا بعد دفع بريطانيا للنقود التي تدين بها لإيران.
وفيما يبدو، وافقت بريطانيا على هذه الشروط، ولهذا اسم معروف وهو “الابتزاز”، أي أن تحتفظ برهينة لطلب فدية. يستعمل القراصنة الصوماليون أسلوباً مماثلاً، فهم يقبضون على أبرياء ويشترطون مبالغ مالية نظير إطلاقه سراحهم. فما الفرق بين الحكومة الإيرانية والقراصنة في هذه الحالة؟ إنه لمن غير المقبول لحكومة أن تلجأ إلى طرق مشابهة للمطالبة بحقوقها الشرعية.
س: هناك ثلاثة سجناء آخرين من رعايا بريطانيا مزدوجي الجنسية في السجن، ومن بينهم السيد كمال فروغي (يقضي حكماً بثماني سنوات بتهمة التجسس منذ عام 2011) في رأيك ما الذي سيحدث لقضيتهم؟
ج: إن حظهم ليس جيداً كنازانين، فكما أسلفت إن تعليقات بوريس المثيرة للجدل في البرلمان، هي ما جلبت الاهتمام لقضيتها.
س: هناك وفد من 70 مسؤولاً في الاتحاد الأوروبي، برئاسة هيلغا شميدت (الأمين العام لمركز العمل الخارجي)، زار إيران مؤخراً. ولا توجد أي معلومات عمّا إذا كان الوفد قد ناقش مسألة حقوق الإنسان مع الحكومة الإيرانية من عدمه.
ج: في الحقيقة إن الأوروبيين يحبون إجراء المحادثات، وهذه ليست سابقة لوفد أوروبي أن يدير حواراً حول حقوق الإنسان مع المسؤولين الإيرانيين. وجرت كثير من هذه المحادثات من قبل. وعلى الرغم منها كلها، فإن سجل حقوق الإنسان الإيراني لم يتحسن. وعلى حد علمي فإن الأوروبيين يفضلون طرح الاقتراحات. والهدف من كل هذا هو إظهار اشتباكهم مع القضية وضغطهم على إيران، لكنهم- بالقطع- لا يحاولون بشكل جاد، ولا ينجزون شيئاً.
لأكن صريحة؛ إن كان الأوروبيون جادين بشأن حقوق الإنسان، لقابلوا عائلات السجناء السياسيين ولم يكتفوا بالمسؤولين الإيرانيين. على النقيض، فهم يقيمون الاجتماعات في وزارة الخارجية خلف الأبواب المغلقة، أو يشربون الشاي في فنادق فاخرة، ويتبادلون الأكاذيب مع مضيفيهم الإيرانيين. إن هذا هو مدى فاعلية محادثاتهم حول الانتهاكات. ويعرف الأوروبيون، والإيرانيون، والشعب، أن هذه المحادثات لن تسفر عن شيء ذي جدوى.
س: إن منظمتك ” مركز المدافعين عن حقوق الإنسان” تراقب الانتهاكات الإيرانية لحقوق الإنسان، فكيف تقيمين أداء الحكومة بهذا الصدد، منذ الاتفاق النووي الإيراني 2015 ( خطة العمل الشاملة المشتركة JCPOA )؟
ج: عكفت منظمتنا منذ تأسيسها على نشر تقارير دورية حول سجل الانتهاكات، بالإنجليزية والفارسية. ونرسل هذه التقارير للأمم المتحدة ولكل المنظمات التي تراقب انتهاكات حقوق الإنسان في إيران. ومن دواعي الأسف، أننا لم نشهد أي تغير في نسب الانتهاكات الإيرانية منذ توقيع الاتفاقية. يسعنا أن نشهد انتهاكات واسعة في قضية نازانين راتكليف، والباحث الإيراني السويدي ” أحمد رضا جلالي” (المسجون منذ عام 2016 بتهم التجسس، والإلحاد) وحكم عليه بالإعدام. ولا فكرة لدي عما تحاول إيران استعادته من السويد، فبالتصديق على حكم إعدام جلالي فإن إيران أرسلت رسالة إلى ستوكهولم أن تسرع لدفع الفدية.
س: دعت جامعة طهران السيد جلالي لزيارة إيران
ج: هذا صحيح. كذلك السيد نزار زاكا، خبير التكنولوجيا اللبناني الأميركي، وجهت إليه الدعوة، من شهیندخت مولاوردی مستشارة الرئيس الإيراني لشؤون المرأة والأسرة في سبتمبر/ أيلول 2015، لحضور ورشة عمل في طهران. كانت المحاضرة ناجحة ولاقت شعبية بين المشاركين، والحكومة والرئيس حسن روحاني. إلا أنه قبض عليه في المطار في طريق عودته للولايات المتحدة، ووجهت له تهم التجسس. فلو كان جاسوساً يتعين على السلطات أن تستجوب السيد روحاني وحكومته على دعوتهم له، ولو كان بريئاً، فلم يتم احتجازه والاحتفاظ به كرهينة؟
لا يحوز القضاء على أي مصداقية أمام الرأي العام الإيراني، ولا المجتمع الدولي. بينما يقدم جواد ظريف نفس التبريرات الواهية، كلما طُولب بإطلاق سراح السجناء السياسيين ومزدوجي الجنسية؛ أن الحكومة لا يمكنها أن تتدخل في عمل القضاء المستقل. وغني عن الذكر أن أحداً لا يصدقه.
س: أنا أعرف عدداً من رجال الأعمال الإيرانيين، يجادل بعضهم قائلين: أنه حتى لو سجنت الحكومة مليون مواطن، ستعيش البقية المكونة من 79 مليوناً حياة أفضل. فما الرد المناسب على هذه الدعاوى المستنكرة؟
ج: إن كان احتجاز مليون شخص سيجعل حياة بقية الشعب أفضل، لربما أمكننا أن نفكر فيه ملياً. ربما علينا أن ننظر في هذا الطرح على أنه معقول. لكن كيف يمكننا أن نصبح واثقين من الحياة الأفضل التي سيعيشها 79 مليون إيراني غير مسجون؟ هذه هي المشكلة الحقيقية.
في الحقيقة، سوف يعاني هؤلاء الملايين التسعة وسبعين من الفقر المدقع، ومن ريال إيراني أضعف قيمة، ومعدلات بطالة عالية، ونظام قضائي غير عادل. بينما سيستمر المليون الآخرون في معاناتهم داخل السجون، وهذا ما يمكننا أن نسميه المنطق الفاسد. حجة طفولية، سخيفة ومستحيلة الحدوث.
س: وصف أمين لجنة حقوق الإنسان بالقضاء الإيراني، محمد جواد لاريجاني، سياسات حقوق الإنسان الأوروبية بكونها سخيفة ووقحة. ما ردك على ذلك؟
ج: علينا ألا ننسى الثقافة السائدة بين النخبة الحاكمة داخل الجمهورية الإسلامية. ففي اجتماع للمفوضية العليا للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، كان السيد لاريجاني وقحاً للغاية تجاه أحمد شهيد، المقرر الخاص للأمم المتحدة فيما يتعلق بوضع حقوق الإنسان في الجمهورية الإسلامية. ولفت انتباه لاريجاني، وحُذر أنه سيتم طرده من الجلسة ان استمرت تصرفاته غير المقبولة. على السيد لاريجاني أن يتعلم التصرفات اللائقة أولاً والتوقف عن انتقاد غيره وتوزيع الإهانات.
س: يعرف السيد لاريجاني الديمقراطية في إطار العقيدة الإسلامية، هل توجد ديمقراطية في إيران؟ وهل الديمقراطية والإسلام متكاملان؟
ج: بالمقارنة ببلدان أخرى؛ يظهر أن إيران متقدمة للغاية عن السعودية، والإمارات، وغيرها، لكنها ليست في مستوى بريطانيا وفرنسا. لذا فإن علينا ألا نستخدم دولة ما كمقياس للديمقراطية، فقد اعتادت الجمهورية الإسلامية أن تشوش على الانتقادات المشيرة لها بذكر وضع السعودية. يمكن قياس الديمقراطية بمدى رضا الشعب عن الحكومة والحالة السائدة في الدولة. هل يعد الإيرانيون انتخاباتهم نزيهة وعادلة؟ إن أول أدوار الديمقراطية هو مشاركة السلطة مع الناس.
وفقاً لدستور الجمهورية الإسلامية، فإن ولاية الفقيه (القائد الأعلى وحارس الشريعة آية الله الخميني) يحتكر كل السلطات. وتنقسم الانتخابات لمرحلتين: الأولى هي فرز مجلس الأوصياء للمرشحين، ثم اختيار الناس بين هؤلاء المرشحين المؤهلين. هل هذه ديمقراطية؟ ربما، إن قارننا بينها وبين ما يحدث في السعودية والإمارات. إلا أن هذا ليس النظام الذي يرجوه الإيرانيون، يطالب الناس بديمقراطية حقيقية. وبناء عليه؛ فإن إيران ليست ديمقراطية حقيقية.
س: لطالما ناديتي بأن دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية يجب أن يتغير. من يجب عليه أن يكتب الدستور؟ هل ستشاركين في مسؤولية إعداد مسودات دستور جديد؟ هل ناقشتِ الأمر مع مجموعات وأشخاص آخرين؟
ج: إن كتابة دستور جديد ليست أمراً صعباً، فهناك العديد من الخبراء القانونيين الذين يمكنهم كتابته. وإنما السؤال هو كيف نستبدل الدستور الحالي بنسخة أكثر ديمقراطية؟ إن هذه عملية سياسية أكثر منها قانونية، وأولئك الموجودين على رأس السلطة لا يتخلون عن نفوذهم بسهولة. لذا فإن الرأي العام فحسب هو القادرعلى إقناع المسؤولين بالتخلي عن بعض سلطاتهم لأجل صالح البلاد والشعب. هذه قضية سياسية بحتة.
س: هل سنشهد جهوداً مكثفة لتعديل الدستور؟ هل ستتولين مسؤولية هذه العملية؟
ج: أنا لست بسياسية، وقلت هذا مراراً. أنا مدافعة عن حقوق الإنسان، وهذا هو اختصاصي. في مقالاتي وكتبي ومحاضراتي أعلق على عدم ديمقراطية الدستور الإيراني، ومن الضروري تغيير بعض بنود هذا الدستور لنؤسس ديمقراطية حقيقية في إيران. على النفوذ السياسي أن ينتقل إلى أيدي الناس.
كما أن الفصل بين الدين والدولة هو أحد أقطاب الديمقراطية الحقيقية. ففي أي وقت يكتسب فيه الدين نفوذاً سياسياً يبدأ باستغلال عواطف الناس وابتزازها. وقد اختبرت أوروبا هذا في العصور الوسيطة، وإيران لهي مثال حديث على هذه الظاهرة.
ما برحت الجمهورية الإيرانية، تزعزع إيمان الناس العقدي، بطرق عدة، فقد ارتبكت العديد من الفظائع والمظالم باسم الدين. وكمدافعة عن حقوق الإنسان فإن واجبي أن أخبر الرأي العام وأعلمه بذلك. لست بزعيمة سياسية، ولا توجد لدي أي خطة لتداول السلطة. أنا مجرد ناشطة في حقوق الإنسان.
س: كأم وامرأة، هل تتفائلين بمستقبل إيران؟ هل ترين أن الأحوال ستتحسن في العقود القادمة؟
لدي إيران العديد من الإمكانات. تقل أعمار الشريحة الأكبر من السكان عن الثلاثين عاماً، ولدينا جامعات جيدة ومعاهد أكاديمية، ولدينا إنجازات في مجال التكنولوجيا والعلوم. وتتمتع البلاد بثقافة غنية. كما أن الحركة النسوية فيها قوية وهو مصدر فخر عظيم لنا.
وهناك العديد من النشطاء الشجعان داخل وخارج إيران، وهم مستعدون للمخاطرة بحياتهم لحماية حقوق الناس. وكل هذا يبشر بمستقبل مشرق.
لكن الحرية والديمقراطية لا تأتي دون دفع الثمن، وعلينا أن نتحمل الآلام والمصاعب. وأنا أؤمن -على الرغم من المصاعب- أننا سنتجاوز العقبات ونحقق ما نستحق.
هذه المادة مترجمة عن موقع kayhan.London للاطلاع على الرابط الأصلي، اضغط هنا