الحكومة السورية الانتقالية المؤقتة ومهامها الخارجية والداخلية: د. قصي غريب
د. قصي غريب
1
في أدبيات علم النظم السياسية (1) يقوم التنظيم السياسي في أي جماعة سياسية على أساس وجود الدولة، التي تمثل السلطة السياسية، وتتولى الحكومة ممارستها بالكيفية التي تحددها الوثيقة الدستورية، وتتحدد علاقة المواطن مع الحكومة التي تمارس السلطة بناء على احترامها للحقوق والحريات العامة وحمايتها، مقابل خضوع المواطن للقوانين، وقيامه بأداء التكاليف والواجبات العامة.
ومن هذا المنطلق يقصد باصطلاح الحكومة أربعة معايير :
1 – إن الحكومة هي نظام الحكم أو شكل الحكومة، وكيفية ممارسة السلطة في الدولة.
2 – إن الحكومة تعبير يستخدم للدلالة على مجموع المؤسسات المسيرة للدولة، وهي السلطات الثلاثة التشريعية، والتنفيذية، والقضائية.
3 – إن الحكومة تسمية تعني السلطة التنفيذية حصراً.
4 – إن الحكومة كلمة تطلق على الوزارة في الدولة التي تأخذ بالنظام النيابي البرلماني.
وكذلك تقسم الحكومة بناء على وسائل اسناد السلطة وكيفية ممارستها إلى خمسة أشكال :
إذ تتمثل في تقسيمها من حيث خضوعها للقانون أو من عدمه، وتصنيفها من جهة تركز السلطة أو توزيعها، ومن زاوية كيفية تولي رئاسة الدولة، ومن مصدر السلطة، وأخيراً من حيث حال الوضع السياسي :
1 – من حيث خضوعها للقانون أو من عدمه :
أ – حكومة استبدادية تتنصل ولا تخضع للقانون، ولا تتقيد بأحكامه فيما تتخذه من تصرفات وما يصدر عنها من أعمال وقرارات أي أن إرادة الحكومة المستبدة تمثل القانون الوحيد الذي تخضع له.
ب – حكومة قانونية تحترم القانون وتخضع له، وتتصرف طبقاً لأحكامه ولكي تقوم الدولة القانونية يلزم أن يتوافر لها ضمانات معينة يتمثل أهمها في وجود دستور، وفي تطبيق مبدأ الفصل بين السلطات، واحترام مبدأ سيادة القانون، وفي تدرج القواعد القانونية، وكذلك في تنظيم الرقابة القضائية، وأخيراً حماية الحقوق والحريات الفردية.
2 – من حيث تركز السلطة :
أ – حكومة مطلقة تتجمع السلطة فيها بيد فرد واحد، أو هيئة واحدة، مع خضوع هذا الفرد، أو تلك الهيئة للقانون.
ب – حكومة مقيدة توزع فيها السلطات بين عدة هيئات، وتقوم كل منها بمراقبة الأخرى، وتتمثل هذه الحكومة في النظم السياسية القائمة على أساس مبدأ الفصل بين السلطات، كالنظام الرئاسي والنظام البرلماني.
3 – من زاوية كيفية تولي رئاسة الدولة :
أ – حكومة ملكية يتولى رئيسها السلطة عن طريق الوراثة، ويسمى الرئيس بالملك، أو الامبراطور، أو السلطان، أو الأمير.
ب – حكومة جمهورية يصل فيها الرئيس إلى السلطة عن طريق الانتخاب لمدة محددة.
4 – من حيث مصدر السلطة :
أ – حكومة فردية يسيطر عليها فرد واحد، تتركز في يده السلطات، ويباشرها بنفسه، سواء كان قد وصل إلى منصبه بالوراثة، أو بالقوة.
ب – حكومة أقلية يتولى السلطة فيها عدد محدود من الأفراد.
ج – حكومة ديمقراطية يكون الشعب مصدر السلطات، ومعبرة عنه، ومستندة إليه.
5 – من حيث الوضع والحال السياسي (2) :
أ – حكومة عادية تمارس السلطة في ظل أوضاع وأحوال عادية وطبيعية، وتعمل في إطار دستوري قائم، وفي ظل نظام سياسي مستقر، وتنفذ برنامج سياسي خلال مدة بقائها.
ب – حكومة تسيير أعمال مؤقتة، تمارس السلطة بعد استقالة حكومة سابقة، أو اقالتها، وقبل تشكيل حكومة جديدة تخلفها، وتقوم بدور الحارس من خلال ابقاء الوضع القائم، لأنها حكومة إدارة، وليس حكومة تصرف، فوظيفتها الوحيدة والأساس هي ضمان استمرار الحياة الطبيعية من دون تعطيل، ولكنها ليست مفوضة بالقيام بأي تغييرات في الأوضاع القائمة، بتنفيذ لسياسات، أو توجهات جديدة، فهي أشبه بالحارس القضائي الذي تعينه المحكمة لحماية الأموال المتنازع عليها لحين الفصل في النزاع.
ج – حكومة انتقالية مؤقتة تتشكل عند وجود فراغ سياسي بسبب سقوط إدارة الدولة، أو نظام الحكم، وتكون هذه الحكومة عادة بعد زوال نظام الحكم، من أجل الانتقال إلى نظام حكم جديد، ولذلك فانها أخطر الحكومات لأنها تعمل على إزالة نظام قديم زائل وتأسيس نظام جديد قادم وهذه مهمة مؤقتة بطبيعتها ولكنها مهمة صعبة وخطرة في الوقت نفسه لأنها تضع أسس نظام سياسي جديد قد يستمر لعقود أو قرون ومن هنا تأتي أهميتها.
2
إن اتفاق الدوحة الذي قام بموجبه الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، قد نص على أن يقوم بعد الحصول على الاعتراف الدولي به بتشكيل حكومة مؤقتة، وفي اجتماعه في 19 شباط 2013 وافق على فكرة إنشائها، وفي 18 آذار 2013 تمت عملية انتخاب غسان هيتو رئيساً لها، ويبدو أن اختيار مصطلح حكومة مؤقتة وليس حكومة انتقالية مؤقتة قد جاء عن عمد بناء على طلب الجماعة الدولية، وبخاصة الإدارة الأميركية من أجل إبقاء الباب مفتوحاً أمام النظام الحاكم للتفاهم معه فيما بعد على تشكيل حكومة انتقالية مؤقتة لاسيما وأن ما يسمى أصدقاء الشعب السوري بقيادة الولايات المتحدة الأميركية يعملون ويسعون لاستمراره بأشخاصه أو إعادة إنتاجه بوجوه جديدة، فبيان جنيف 1 الصادر في 30 حزيران 2011 قد أكد على أن سورية – النظام هو الذي يقود العملية الانتقالية من خلال إقامة حكومة انتقالية تتحرك في ظلها العملية الانتقالية مع استمرار مؤسسات النظام السابقة لاسيما الجيش والشرطة والمخابرات، وكان وزير الخارجية الأميركي جون كيري كان قد أكد أن بلاده ترغب برؤية الحكومة والمعارضة السورية على طاولة المفاوضات بغية تشكيل حكومة إنتقالية، فدعا الرئيس والمعارضة إلى التفاوض على تشكيل حكومة إنتقالية وفق بيان جنيف، وأن تشكيل حكومة انتقالية في سورية لا يتطلب سوى أن يغير الرئيس من حساباته، وتتوصل المعارضة إلى توافق بينها. وكرر الوزير كيري في 20 نيسان 2013، التزام مجموعة أصدقاء الشعب السوري بتشكيل حكومة انتقالية يتفق عليها الجانبان، تضع إطاراً لعملية انتقال منتخب للقيادة الجديدة في سورية.
وفي هذا السياق أعلن وزيرا الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف في 7 أيار 2013 عن مؤتمر لبحث الأزمة السورية نهاية شهر أيار 2013، من المقرر أن يشارك فيه ممثلون عن النظام الحاكم والمعارضة أملاً في تشكيل حكومة انتقالية من الطرفين.
وكان الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية قد اختار مصطلح تشكيل حكومة مؤقتة بدلاً من حكومة انتقالية مؤقتة، وقد برر البعض منه أن المعارضة هي التي تشكل الحكومة المؤقتة لإدارة المناطق المحررة ولقطع الطريق على التفاوض مع النظام الحاكم من منطلق أن الحكومة الانتقالية المؤقتة تجمع بين المعارضة وأعضاء من حكومة النظام الحالية كجزء من الحل السياسي للصراع، ولذلك كانت التسمية من أجل أن تبقي الباب مفتوحاً أمام تشكيل حكومة انتقالية مشتركة.
وقد بررت الحكومة السورية المؤقتة (3) التسمية لأنها مطلوبة الآن كجسم إداري توافقي يجمع كل القوى الداعمة للثورة المدنية والعسكرية في بوتقة واحدة لتعمل معاً للتسريع بإسقاط النظام ثم إدارة البلاد ما بعد سقوط الأسد، والتأسيس لبيئة اجتماعية وسياسية تهدف للوصول إلى أول حكومة منتخبة من قبل الشعب صاحب السلطات الأول والأخير، ولذلك سميت مؤقتة وإنها الفرصة الأفضل والأكثر جدوى لتوحد كل الجهود بعيداً عن منطق المحاصصات السياسية الذي تعمل الحكومة بعيدة عنه وعن تبعاته الخلافية والتفريقية.
ولكن في أدبيات علم السياسة عد ضبط المصطلح السياسي من أهم مفرداته، لأن الضبط يعدّ وسيلة أولية ومهمة للتخاطب بين المتخصصين والمهتمين بهذا الحقل من حقول المعرفة الإنسانية وعليه تكون الحكومة عادية في ظل نظام سياسي مستقر، وتتحول إلى حكومة مؤقتة، أو حكومة تسيير أعمال، عندما تستقيل أو تقال، في حين أن الحكومة الانتقالية المؤقتة تتشكل في ظل وجود فراغ سياسي لتضع أسس النظام السياسي القادم، ولهذا فإن مصطلح الحكومة المؤقتة الذي ورد في ميثاق الدوحة غير صحيح وكان من الأفضل أن يطلق بدلاً عنه إدارة مؤقتة أو سلطة مؤقتة تدير المناطق المحررة التي تحت سيطرة الجيش الحر وكتائبه إلى حين سقوط النظام، ومن ثم تشكل حكومة سورية انتقالية مؤقتة.
وعليه فإن اختيار مصطلح تشكيل حكومة مؤقتة بدلا من تشكيل حكومة انتقالية مؤقتة من قبل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية قد جاء عن عمد ولكنه يفتقر إلى الدقة.
مواصفات الحكومة السورية الانتقالية المؤقتة:
إن الحكومة السورية الانتقالية المؤقتة لكي يكون لها حاضنة اجتماعية، وتحصل على التأييد الشعبي في الداخل والخارج لا بد لها أن تتمتع بمواصفات معينة لترتقي إلى التضحيات التي قدمها الشعب السوري الثائر من أجل انتزاع حريته واستعادة كرامته ولذلك من المفروض أن تكون بهذه المواصفات الآتية :
1 – أن تكون الحكومة السورية الانتقالية المؤقتة ملتزمة بمبادئ الثورة السورية، التي اندلعت من أجل استرداد الحرية والكرامة والحياة الكريمة، وهدفها إسقاط النظام العصبوي الطائفي بكل رموزه ومؤسساته، وإقامة الدولة السورية الديمقراطية لكل السوريين.
2 – أن تكون الحكومة السورية الانتقالية المؤقتة وطنية تمثل الإرادة الشعبية السورية، ولا تخضع لتوجيهات أية دولة أجنبية، أو تنفذ أجندتها.
3 – أن تتشكل الحكومة السورية الانتقالية المؤقتة من الكفاءات الوطنية السورية – التكنوقراط – المستقلة، الملتزمة بمبادئ الثورة، ولا يكون فيها أي وزير أو وكيل وزير أو مدير عام من الائتلاف أو المجلس وغيرهم، أو من كتلهم.
4 – أن تلتزم الحكومة السورية الانتقالية المؤقتة بقيم النزاهة، ومبدأ الشفافية، وترسيخ مبدأ تكافؤ الفرص في الممارسة، وفي تعيين كبار الموظفين.
وكانت الحكومة السورية المؤقتة ومن خلال فيديو تعريفي بها قد نشر على صفحتها على الفيس بوك قد عرفت الحكومة المؤقتة : إنها حكومة تتشكل من شخصيات وطنية ملتزمة بأهداف الثورة السورية، وتمارس مهامها من الأراضي المحررة، وعمل هذه الحكومة ينحصر بمرحلة إسقاط السلطة الحالية، ويتم اختيار الحكومة بناء على معايير أهمها : الكفاءة، وحسن السيرة، والبراءة من الاشتراك بجرائم النظام. كما أكد رئيسها في مقابلة مع خالد أبو صلاح على الرغبة في أن يكون جميع الوزراء من الداخل وإن عمل حكومته ينتهي مع سقوط النظام والمؤتمر الوطني العام هو من يحدد مصيرها.
المهام الخارجية للحكومة السورية الانتقالية المؤقتة :
– العمل على سحب الاعتراف الدولي من النظام الحاكم، والحصول على الاعتراف بها، لأنه لا قيمة للحكومة السورية الانتقالية المؤقتة، إذا لم تتمتع بالشخصية القانونية الدولية، بحيث تكتسب وتتمتع بالحقوق، وتتحمل الالتزامات، وتكون سلطة ذات سيادة داخلية شاملة على الشعب السوري، بحيث لا تستطيع أية سلطة أخرى أن تعلو عليها أو تنافسها في فرض إرادتها على مواطنيها وهيئاتها، أو في تنظيم الشؤون السورية، وتمارس سيادة خارجية، حيث لا تخضع لأي دولة أو سلطة أجنبية، وتتمتع بالاستقلال الكامل في مواجهة دول العالم، وتتعامل معهم على قدم المساواة في التمتع بالحقوق، وتحمل الالتزامات الدولية.
وكان تحت وطأة الضغوط الخارجية قد التزم المجلس الوطني بتشكيل حكومة انتقالية قبل أيام من تأسيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية, لكنه وضع شرطاً مسبقاً تبناه الائتلاف الوطني في وقت لاحق بأنه لا يمكن تأسيس الحكومة إلا بعد ضمان الحصول على ضمانات بالاعتراف الدولي بها.
ومن هنا فإن الاعتراف بالحكومة (4) يتعلق بحكومة جديدة في دولة معترف بها من قبل وتنشأ الحكومة الجديدة نتيجة تغيير نظام الحكم عن طريق ثورة أو انقلاب والهدف من الاعتراف بالحكومة هو السماح باستمرار العلاقات بين حكومة الدولة المعترفة والحكومة الجديدة المعترف بها، وهو عمل قانوني يصدر عن الدولة تسلم بموجبه بنشوء واقع دولي جديد وينطوي التسليم باستعداد الدولة للدخول في روابط وعلاقات قانونية على هذا الأساس، وهو اعتراف بالتطورات السياسية التي تطرأ على البنيان الداخلي للدولة.
والاعتراف بحكومة جديدة في دولة قائمة أمر مختلف تمام الاختلاف عن الاعتراف بدولة جديدة, فقد يحدث أن يتغير نظام الحكم في أحدى الدول القائمة نتيجة انقلاب عسكري أو ثورة فيؤدي ذلك إلى احلال حكومة جديدة محل الحكومة القديمة فيدعو ذلك الدول إلى الاعتراف بالحكومة الجديدة حتى تتوصل العلاقات بين هذه الدول والدولة التي تغيرت حكومتها.
وتغير الحكومة في دولة ما لا يؤدي إلى تأثير في الشخصية القانونية للدولة ولا في حقيقة استمرارها عضواً عاملاً وفاعلاً في المجتمع الدولي والحياة الدولية.
ويكفي من أجل الاعتراف بالحكومة الجديدة أن تثبت فاعليتها وقدرتها على إدارة شؤون البلاد وعزمها وقدرتها على الوفاء بالالتزمات الدولية للدولة.
والاعتراف بالحكومة له أهميته الخاصة في مجال تحديد من يكون له الحق في تمثيل الدولة في المؤتمرات الدولية والمنظمات الدولية, وحيازة وتوجيه سفارات الدولة في العواصم الأجنبية, ويتمتع بالحصانات والامتيازات المقررة طبقاً لأحكام القانون الدولي للدول الأجنبية وممتلكاتها العامة وعدم جواز اخضاعها للتنفيذ.
– الحصول على الحماية الدولية من دون التدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي للدولة السورية ومن دون أن يكون للقرارات الأممية أي أثار جانبية تقيد من الحركة السيادية للحكومة السورية, وكان رئيس الوزراء المكلف قد طالب المجتمع الدولي بتوجيه ضربات للمناطق التي تنطلق منها صواريخ سكود وفرض مناطق عازلة في الشمال والجنوب لتستطيع الحكومة العمل من الداخل, ويعود اللاجئون وتعود الحياة للاقتصاد, وإلى عدم الحاجة إلى تدخل عسكري بري في سورية.
– الحصول على تمويل دولي إذ للمساعدات الخارجية تأثير حاسم، لأنه لا يوجد موارد مالية كافية بيد الحكومة السورية الانتقالية المؤقتة، فالمؤسسات على الأرض تفتقر إلى الموارد التي تساعدها على تأكيد سلطتها، ولذلك يجب أن تقوم وتسعى للحصول على الدعم المالي من الجماعة الدولية، لكي تتمكن من الوفاء بالتزاماتها، وتقوم بمهامها الوظيفية، ولاسيما دفع رواتب العاملين والموظفين، والقيام بتأمين وتقديم الخدمات الحياتية الأساسية للشعب السوري في المناطق المحررة، وكذلك المحافظة على النظام والقانون، وكان الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في 5 كانون الثاني 2013، قد تبنى شرطاً مسبقاً جديداً اقترحه المجلس الوطني، يتمثل في توفير تمويل دولي كبير قبل تأسيس الحكومة المؤقتة، لتمكينها من العمل. وكان ثمة سبب وجيه لذلك، إذ كانت مجموعة أصدقاء سورية تعهدت بتقديم مساعدات بقيمة 145 مليون دولار في منتصف كانون الأول 2012، ولكن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية لم يحصل سوى على 8،5 مليون دولار خلال الأشهر الثلاثة التالية. وعندما تناول رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية معاذ الخطيب الموضوع في 23 كانون الثاني 2013، ذكر أن الحكومة المؤقتة بحاجة إلى صندوق أولي بقيمة 3 مليارات دولار، وبعد أيام أكد رئيس المجلس الوطني جورج صبرة أن المعارضة بحاجة إلى ما لا يقل عن 500 مليون دولار كي تتمكن من تشكيل الحكومة.
وظلّ الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية عاجزاً تماماً عن تحقيق هذه الأهداف عندما اختار غسان هيتو لرئاسة حكومة مؤقتة في 18 آذار 2013 والذي قد أكد في مقابلة مع خالد أبو صلاح على أن في سورية من الموارد ما يكفي لإدارة الأمور.
– تأمين الدعم العسكري لكتائب الجيش السوري الحر والعمل على توحيدها، وكان الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية قد حض الاتحاد الأوروبي على رفع الحظر المفروض على شحنات الأسلحة, وقد وافق على إنهاء حظره لكن لم يكشف أي من الأعضاء عن نيته في إمداد المعارضة بالسلاح خلال الأشهر المقبلة، مخافة أن يضر بمبادرة تقودها روسيا والولايات المتحدة تسمى جنيف 2 وبخاصة أن الولايات المتحدة لا ترغب في ارسال سلاح لكتائب الجيش السوري الحر وقد قال المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني : إن الولايات المتحدة ستزيد من دعمها للمعارضة السورية، لكنها لا تنوي امدادها بالسلاح وأعلنت عن مساعدة مباشرة تبلغ 60 مليون دولار لكنها استبعدت تزويد المعارضة بأي تجهيزات قاتلة.
وحتى الآن، لم يقدم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أي شيء يذكر سوى الكلام المعسول والوعود الكاذبة للاستهلاك السياسي والاعلامي ولم يبرهنا عن رغبتهما الحقيقية في تحقيق النصر من جانب كتائب الجيش السوري الحر, وهذا يدخل في باب الازدواجية التي اتسمت بها السياسة الغربية تجاه الثورة السورية ضد النظام المستبد.
– تأمين الإغاثة للسوريين في الخارج لتوفير حياة انسانية لائقة وتنظيمها لمنع السرقة والفساد المستشري لاسيما وأن حكومة الولايات المتحدة قد قررت وقف أي مساعدات مالية للإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية, ووحدة الإغاثة التابعة له بناء على تقارير بانعدام الأمانة فيها.
المهام الداخلية للحكومة السورية الانتقالية المؤقتة :
– لكي تسمى الدولة بالدولة القانونية يجب أن تخضع جميع نشاطات السلطات فيها للقانون، شأنها شأن المحكومين، ولكي تقوم يلزم أن يتوافر لها ضمانات معينة ويتمثل أهمها في وجود دستور، لأنه الضمانة الأولى والأساس من ضمانات خضوعها للقانون، فجوده يعني إقامة النظام السياسي والقانوني للدولة الذي ينشئ السلطات المختلفة ويحدد اختصاصاتها، ويبين كيفية ممارستها، وما لها من امتيازات، وما عليها من واجبات، ومن ناحية أخرى فان الدستور يمثل قمة النظام القانوني في الدولة، لأنه يسمو على كافة القواعد القانونية المختلفة، ولهذا يقيد الدستور السلطة التشريعية في سنها للقوانين بحيث لا تخالف أي نص دستوري، ويقيد السلطة التنفيذية فيما تتخذه من لوائح وقرارات، ويقيد كذلك السلطة القضائية فيما تصدره من أحكام، ويترتب على ذلك التزام هذه السلطات بنصوص الدستور واحترامها لمبادئه والامتناع عن مخالفته في القوانين التي تسنها وفي الأعمال التي تتخذها أو الأحكام التي تصدرها.
وبما أن الثورة السورية ثورة شعبية جذرية اندلعت من أجل تغيير شامل وجذري لنظام الحكم الاستبدادي الطائفي، فإن دستورهم يعد بحكم الملغى، لأن الثورة وسيلة من وسائل إنهاء القاعدة الدستورية، فالثورة هي خروج على الدستور والقانون وكل الانظمة القائمة، لأنها تتم خارج نطاق الشرعية القائمة، وتبدأ بنجاحها مرحلة جديدة من مراحل الشرعية، وبما أنه لا بد من الاستناد الى وثيقة دستورية تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم, وتوفق بين السلطة والحرية, وتحقق خضوع السلطة لقواعد تحكم وسائل ممارستها من دون أن يكون في استطاعتها الخروج عن هذه القواعد فإنه يفضل وبشكل انتقالي ووقتي لحين وضع وثيقة دستورية من قبل مجلس تأسيسي منتخب تبني أحد هذين الخيارين دستورياً :
1- العمل بدستور 1950.
2- أو وضع إعلان مبادئ دستورية من قبل مختصيين بهذا الشأن.
– نشر الأمن والاستقرار في المناطق المحررة وحماية التراب الوطني السوري وبما أن من مميزات السلطة السياسة احتكار القوة المادية بحيث تجعلها قوة قاهرة تسيطر على أرجاء الدولة ولا تسمح بوجود أية تنظيمات عسكرية أخرى, وتتمثل هذه القوة المادية بوجود القوات المسلحة السورية التي تتولى حماية الإقليم السوري من أي اعتداء خارجي وفي الشرطة التي تتولى توفير الأمن والاستقرار والسكينة للشعب السوري وحماية منشآت الدولة ومرافقها.
– إقامة العدالة ورد المظالم المتمثلة في إقامة ميزان العدالة بين أبناء الشعب السوري والفصل في الخصومات التي تنشب بينهم ورد المظالم التي وقعت وتقع عليهم وفي مقدمتها إقامة العدالة الانتقالية من أجل عدم الافلات من العقاب, وتجنيب البلاد أي نزعة للانتقام من خلال اخضاع الأفراد المسؤولين في النظام عن ارتكاب انتهاكات لحقوق الانسان وجرائم ضد الانسانية للمحاسبة وهناك عدة طرق لتحقيق العدالة الانتقالية في سورية منها :
1 – إقامة الدعاوى على مرتكبي الانتهاكات والجرائم.
2 – إقامة لجان تقصي حقائق بشأن الانتهاكات والجرائم
3 – تقديم تعويضات لضحايا الانتهاكات والجرائم.
– تحقيق المصالحة الوطنية لأنها ذات صلة وثيقة بالعدالة الانتقالية وأهم أهدافها فمن خلالها يتم إعادة تحقيق السلام الاجتماعي في المجتمع السوري بعد المحاسبة والقصاص والتعويض وجبر الضرر.
– إعادة هيكلة مؤسسات الدولة كافة وفي مقدمتها الجيش والشرطة والمخابرات من خلال تطهيرها من المجرمين والقتلة والفاسدين والطائفيين وبناؤها على أساس الوطنية والكفاءة والمهنية.
– تقديم كافة الخدمات التي تستمر فيها الحياة من خلال إعادة تأهيل المؤسسات الخدمية في البلاد وبخاصة التموينية والصحية والتعليمية.
– اعادة الاعمار واصلاح البنية التحتية ولاسيما المنشآت والخدمات والتجهيزات الأساسية التي يحتاجها المجتمع السوري مثل وسائل المواصلات كالطرق والمطارات وسكك الحديد ووسائل الإتصالات كشبكة الهاتف، والجوال والإنترنت والبرق والبريد فضلاً عن نظام الصرف الصحي وتمديدات المياه والكهرباء.
وكانت الحكومة السورية المؤقتة – التي لم تتشكل – قد أكدت إن المهام والصلاحيات التي ستقوم بها مهمة جداً بمرحلة إسقاط النظام، لأنها مرحلة أساسية ومن أهمها الصلاحيات حيث من واجبها أن تساعد في وضع الخطط التفصيلية لإسقاط النظام القائم، وإدارة شؤون المناطق المحررة، وإدارة المنافذ الحدودية، وتنسيق جهود المجالس المحلية الموجودة والربط بينهما، وتأمين الإغاثة للسوريين من الداخل والخارج، وتأمين الدعم للجيش الحر وهيئة الأركان والحراك الثوري، وضمان سلامة أرواح الناس وممتلكاتهم الخاصة والعمل على استتباب الأمن وتجنب حدوث حالات الفوضى وانتشار الجريمة وتخريب المصالح الخاصة والعامة مع الحفاظ على السلم الأهلي والوحدة الوطنية وحماية مؤسسات الدولة وتمكينها من ممارسة مهامها بحيث لا تتوقف والعمل على ضمان سلامة كل المنشآت الاستراتيجية والحيوية ومنع محاولات استعادة السلطة من قبل قوى النظام الجاري اسقاطه.
وبما أن المجتمع الدولي يتذرع بأنه ليس هنالك بديل للنظام القائم وللرد على هذه الذريعة يجب أن يكون هناك نظام مؤسسي يطمئن الجميع ولذلك فإن تشكيل الحكومة مهم لتوفير الضمانات الدولية لأنه يوفر دعماً سياسياً ومادياً والهدف الأساس للدعم المادي دعم صلاحيات الحكومة من خلال قدرتها على دفع رواتب الموظفين وتأمين احتياجات الناس المهجرة , وحل مشكلات جوازات السفر في الخارج عبر تفعيل السفارات من خلال الاعتراف الدولي, ولذلك يجب مساعدة الحكومة من خلال التفاعل والعمل والتطوع بالحماية والتنسيق والتعاون من خلال حماية المنشآت الحيوية والمؤسسات الحكومية والتنسيق مع المجالس المحلية والقوى الثورية والتعاون مع أجهزة الشرطة والقضاء والدفاع المدني، فالحكومة المؤقتة هي الضمان الوحيد للمحافظة على سيادة وأركان الدولة وحقوق وممتلكات الناس.
وقد أكدت الحكومة السورية المؤقتة مرة أخرى أن مهمتها خدمية بالدرجة الأولى، وتهدف إلى معالجة الآثار التي خلفها عنف النظام ضد الثورة من خلال عودة المهجرين، وتأمين الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء واتصالات وغيرها، وإعادة الإعمار، وإحلال الأمن والسكينة العامة، ومحاسبة المجرمين، والتأسيس لاقتصاد وطني جديد. وإنها تضع نصب عينيها الآن بأن تكون ذلك الجسر الذي يوصل السوريين للحظة جني ثمار الثورة في الحرية والكرامة، وانتخاب ممثليهم الشرعيين ليقودوا البلاد، لذلك هناك حاجة لكل الجهود الداعمة لهذا التوجّه، والأمل أن ينظر الشعب السوري إلى الحكومة المؤقتة من وجهة النظر هذه، وأن يساعد فريق العمل – الذي يعمل بمهنية وحرفية على مدار الساعة- أن يساعدها لتكون نقطة التقاء لا اختلاف، وهذا ما نعتبره مهمة وطنية ذات أولوية اليوم.
وبناء على ما تقدم، هل ستنجح الحكومة السورية الانتقالية المؤقتة في حال تشكيلها بالقيام بمهامها الداخلية والخارجية ؟. إن هذا رهن بإرادتها وتصميمها على القيام بمهامها، وأيضاً رهناً بالأوضاع والظروف، وستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً.
1 – د.عبد الغني بسيوني عبد الله، النظم السياسية، الطبعة الرابعة، منشأة المعارف الاسكندرية، 2002 .
2 – د. حازم الببلاوى، بين حكومة تسيير الأعمال والحكومة الانتقالية، الموقع على الانترنت : http://today.almasryalyoum.com/article2.aspx?ArticleID=289381
3 – موقع الحكومة السورية المؤقتة على الانترنت : https://www.facebook.com/SyrianGovorg
4 – د. صلاح الدين عامر، مقدمة لدراسة القانون الدولي العام، دار النهضة العربية، القاهرة، 2003 .
خاص – صفحات سورية –