الحلقة المفقودة عند المعارضة السورية
فلورنس غزلان
أن نختلف فلا ضير,فهذه سنة الكون ومعنى من معاني الديمقراطية، التي ندب على أربع أو نزحف لتعلمها مسلكاً قبل أن نحملها نظرية ونخطب بها ..أن نفترق على نقطة ونتفاهم على نقاط ، فهذا أمر منطقي ولابد من تفعيل وتحريك الساكن فيما يخدم مصلحة الوطن والمواطن السوري، الذي أُنهك ويدفع من دم أبنائه ثمناً فادحاً يبازر به رجال المعارضة ويزاودون على بعضهم بمقدار المسافة التي تقربهم أو تفصلهم عن صوت الشارع النازف ، لكن نقطة واضحة وضوح الشمس تتغافل عنها بعض الوجوه المعارضة وتريد لنا أن نتعلق بتحاليلها الخُلَّبية التي تحمل أوهاماً أكثر مما هو واقع حيال نظام الأسد، لدى البعض تصور بامكانية ” انتقال النظام الأسدي القمعي …بسلاسة أو بفعل المساومة والضغط !! إلى نظام ديمقراطي حر” ..أما كيف سينجح هؤلاء باقناع الأسد بالتنحي وترك السلطة فهذا مالم يطرح أحد تصوره أو كيفيته!.
بل يروح آخر هنا وبعض هناك إلى أن ذلك ممكناً من خلال استمرار ” لجنة المراقبة العربية في مهمتها، ومن خلال رفضه الاعتراف بالجيش الحر واعتباره مجرد عناصر وطنية منشقة تحمل ضميراً وطنياً يرفضون من خلاله قتل أبناء جلدتهم من المتظاهرين العزل”..ويعتقد أن طروحاته يمكنها أن تنقذ هدر المزيد من الدماء …لأنهم يعلقون آمالاً على ” وطنية الأسد وضميره وحسه تجاه أبناء شعبه”!!!..وبالمقابل سيعتبرون موقفه ــ إن فعل ــ وطنياً بجدارة سيكتبها له التاريخ وسيسامحه المواطن السوري على كل ماقترف وسيعيش هنيئاً مريئاً دون حساب أو عقاب مرحب به بين أبناء الشعب السوري!!!، أي أنه يرى فينا شعباً مغفلاً يتسامح إلى درجة يصافح ويعانق بعدها القاتل والغارق بدماء الشعب السوري، فلا يحاكم ولا يجرم مقترف المذابح!!
هذا الهوام باللامعقول ..لا أدري كيف يمكن البناء عليه..هذا يعني أن نظام الأسد يدرك ويفهم حجم وهول الكارثة.
هذا يعني أن نظام الأسد قابل للاصلاح! ..وهذا يعني أن نظام الأسد يمكنه أن يتراجع ويعترف.
هذا يعني أن نظام الأسد لديه الرغبة والإرادة في إنقاذ البلاد ويريد حقن الدماء ووقف شلالها!
هذا يعني أن عقلية الأسد قابلة للرضى بالتنحي وترك السلطة!
وهذا يعني أنهم يعولون على المستحيل وهم يدركون بأعماقهم من أي رحم ولد الأسد وكيف تربى وكيف ورثنا وكيف تربع واعتلى عرش السلطة، وكيف تكونت هذه العصابة وكيف أمسكت بأهم خيوط البلاد وروحها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والإعلامية.
يدركون وجلهم خاض وعرف عن كثب وغرق حتى أذنيه وذاق المرارة وأذاق محيطه الصغير والكبير معنى أن يُعَّبر بكلمة أو ينتقد بجرأة مواربة نظام القمع الأسدي …جلهم دخل سجون الأسد الأب أو الابن..أهين على يد أصغر الضباط في أجهزة الأمن المتعددة والمتضاربة ..وسُخِر منه على يد أتفه الحراس وأقذر السجناء الأمنيين من مرتكبي الجرائم …شتائم وسباب ..تمنى حيالها أن يكون بعداد الأموات قبل أن يمر بين أيدي هذه العصابة التي تتحكم بمصير سوريا منذ أربعة عقود ونيف، فكيف بربكم بعد كل هذا تدغدغه أحلام الاعتقاد بأن بشار الأسد يمكن أن يرعوي…يمكن أن يترك السلطة…يمكن أن يتراجع عن الحل الأمني؟!!
هذه الحلقة تختفي عند البعض وتجدها عند البعض الآخر حاضرة في ذهنه يزينها ويسوقها، وهو العالم بمستحيلها واقعاً ملموساً أو امكانية حدوثها..فهل نقيم دولة حلمنا على هوام؟
اللهم إلا إذا كان لدى هذا البعض خطة واتفاقاً مع النظام على التشارك المرحلي في سلطة تجمع بينهم وبين النظام ويعتقدون أنهم سيتمكنون فيما بعد من عزله وإبعاده عن سدة الحكم!!.
مضى أسبوع وأكثر على دخول لجنة المراقبة العربية إلى الأراضي السورية…لانريد أن نقول رأينا بلجنة لاتملك الخبرات ولا الوسائل والامكانيات وتخوض تجربتها للمرة الأولى في حقل الألغام السورية وتتخذ من دماء السوريين حقلاً لتجاربها ــ فهذا ليس موضع بحثنا ــ….ومع هذا عولنا ونعول ونأمل أن تتمكن على الأقل من قول الحقيقة والجهر بها وتوضيح اللبس بين ماهو على الأرض واقعاً..وبين خطاب النظام وإعلامه الكاذب زيفاً وبهتاناً، لكن كل المؤشرات والدلائل تؤكد على عمق الهوة بين رغبة اللجنة والجامعة من ورائها، وبين مايمكنها أن تذلله وتحققه على الأرض ، وأهمه وأساسه ايقاف حمام الدم السوري ، وسحب كل المظاهر العسكرية من المدن والأحياء ــ لا إلى أطراف المدن والبقاء في محيطها كما يرى ذلك ويعتبره إنجازاً السيد نبيل العربي! ــ وإنما عودة الأمن والعساكر إلى ثكناتهم ومراكزهم الطبيعية ، ومن ثم إطلاق سراح المعتقلين السوريين والذين ينوف عددهم على عشرات الألوف، وحين نرى عدسات التلفزيونات العالمية والعربية المستقلة تبث صورها وتوثق معلوماتها منطلقة من بابا عمرو والخالدية ومن دوما والزبداني وحرستا ودمشق ..من إدلب ودير الزور من درعا وداعل والحراك وجاسم..من كل بقعة نرى فيها عدسة غير عدسة قناة الدنيا..ومرافقين من منظمات حقوقية عالمية شهد لها تاريخها وباعها في هذا الحقل وخبرائها..لا بمرافقة رجال الأمن السوريين يتكالبون على المواطن ويبعدونه حين يريد الإدلاء بما لديه من شهادة ضمير وجرح ومعاناة أصابته في الصميم…فكيف نؤمن ونثق ونمنح المزيد من الوقت؟ ..فهل تبنى الثقة إلا على وقائع موثوقة وموثقة تراها العين وتحسها البصيرة ويلمسها المواطن المحاصر بلقمته وببيته والمصطاد بحارته وبحركته وعمله؟
تختلف أطراف المعارضة السورية على أمور غير معقولة ولايمكن حضورها على الأرض فقط كي تبرز تعارضها وتزاود على بعضها، فحين يتم الاعتراض على التدخل الخارجي من هيئة التنسيق وتكال تهم العمالة للمجلس الوطني بأنه يريد أن يدخل الدب الأجنبي إلى الكرم السوري..نسأل الجميع :ــ من منكم لديه تصور أو اعتقاد بأن أي من دول الغرب لديه استعداد لاطلاق رصاصة أو إرسال طائرة ضد بشار الأسد؟؟..أي سيناريو أفغاني، عراقي، ليبي… غير مطروح البتة ولأسباب كلكم يفهمها ويعرفها..وأولها وأهمها ..إسرائيل وأمنها، ودور نظام الأسد في حماية هذا الأمن دون توقيع أية معاهدة سلام مع إسرائيل، وثانيها ارتباط النظام مصلحياً بايران وحزب الله وحماس…الخ
فكفاكم صراعاً على أمر لايمكن حدوثه ، وأكبر موقف يمكنه أن يتطور هو أمر حماية المدنيين السوريين وتأمين إغاثة المنكوبين في المدن المحاصرة وهذا باعتقادي لايتطلب تدخلا عسكرياً لا على الأرض ولا يتعلق بضربات جوية..ربما يصل إلى مناطق حماية تشرف عليها هيئة الأمم المتحدة، هذه الحلقة وغيرها من الحلقات تبرز أن الصراع يقوم على اتفاقات ربما وقعت تحت الطاولات وفي الكواليس..لا يعرفها المواطن السوري..، الذي خرج للشارع حاملاً دمه على كفه مصمماً على التحرر والانعتاق من ربق احتلال أبشع من الاحتلالات الأجنبية..ينشد حريته وكرامته ..ويعرف أن وحدة سوريا أرضاً وشعباً هي هويته ومصدر قوته ، هي من يمنحه الطاقة على البقاء في الشارع مهما كلفه الثمن إلى أن ينزاح كابوس الأسد ..ومافي أبد إلا الحرية التي تصنعها أيدي الثوار السوريين بأنفسهم.
ــ باريس04/01/2012.