الحل بطرد إيران من سورية/ يحيى العريضي
خلال دراستي في الغرب في عقد الثمانينيات، كان لي جار إيراني اسمه طبطبائي؛ ناعم الملمس، حسن المسلك، حلو اللسان. تطورت العلاقات بيننا. وفي فترة بسيطة، اكتشفت استغلاليته وخبثه ونجاسة طويته. حافظت على نفسي من شرّه. عدت إلى البلاد. أوصيت قريباً لي، كان يعرفه، يسكن في الجوار؛ بقي في تلك البلاد؛ بأن ذلك المخلوق كتلة شر وفساد. لم ينتبه قريبي تماما. كان ساذجا. عامين متتاليين جعل طبطبائي حياة قريبي جحيما، كاد أن يخرب بيته وحياته، فاضطر قريبي للرحيل إلى ولاية ثانية.
على مدار عقدين، نمت بين سورية الأسد وإيران الملالي علاقة قلَّ نظيرها من التماهي والتوافق والتحالف. وازن حافظ الأسد علاقته بإيران بعلاقة مع دول الخليج التي لم تتوقف إيران عن التفكير في ابتلاعها عبر تخريبها. وقف مع إيران في وجه كل العرب، وخصوصا دول الخليج. ساعدته في خلق حزب الله، وخربت إسرائيل لبنان عن طريقه وطريق حزب الله مرتين.
عهَّد حافظ الأسد حزب الله لإيران صرفاً وعسكرةً وسياسةً؛ لكنه كان قويا إلى درجة عدم سماحه بالانفلاش الإيراني داخل سورية، محافظا على توازن العلاقة مع دولة الملالي، بحيث جعل تدخلها بالشأن السوري محدودا وغير مرئي تماما.
غاب حافظ الأسد عن المشهد السوري، فكان العيد الإيراني تجاه سورية، قويت العلاقة مع الوريث إلى درجة جعلت محمد ناصيف، رجل الاستخبارات الشهير (معاون نائب رئيس الجمهورية قبل وفاته) يرتعد من الهيمنة الإيرانية على الشأن السوري بـ “قيادة” الأسد الجديد؛ حيث كان ناصيف وصي الأسد الأب في الحفاظ على توازن العلاقة مع إيران؛ والذي كان حافظ قد رسمه خلال عشرين عاما.
قامت انتفاضة سورية؛ فكان العيد الإيراني الحقيقي، حيث أصبحت إيران المتحكم المطلق بالمصير السوري على مستوى “قيادة بشار الأسد”. هي تخطط، وترسم، وتنفذ، أو توجّه بالتنفيذ. مخطئ من يعتقد أن “خلية إدارة الأزمة” لم تكن تفكر بغير عكس “الحل الأمني”، أو على الأقل ضبطه، وهو الحل الذي اختارته منظومة الأسد بتخطيط وتوجيه إيرانيين. ومن هنا، قالت مصادر إن إيران كانت وراء نهاية خلية الأزمة في يوليو/ تموز 2012.
دخل الحرس الثوري الإيراني، عبر حزب الله، مقاتلا، بل قاتلا، إلى الأراضي السورية. تخطط إيران في سورية وترسم وتقرّر، وقيادة الأسد تصرح؛ وتنفذ تلك الإرادة الإيرانية. اقتصاديا، وعسكريا، وبشريا؛ تغلغلت إيران في كل زاوية لا يزال الأسد “يسيطر” عليها.
فبركة الإرهاب و”داعش” وجبهة النصرة رسم وتخطيط إيراني بامتياز على الساحة السورية. إيران وراء اعتقال ما لا يقل عن ربع مليون سوري في سجون النظام، فهي تعرف أن ربع مليون معتقل يكسرون إرادة ملايين السوريين. إن لم تتدخل إيران لا يخرج معتقل. إيران هي من يعطل ملف المعتقلين التي حاولت مداولات أستانة فتحه.
ملالي إيران هم من جر الدب الروسي عام 2015 عسكريا إلى الساحة السورية؛ حيث بشار الأسد ليس حالة موثوقة بالنسبة للروس. كثيرة هي المرات التي عبر فيها مسؤولون روس عن احتقارهم له.
إيران هي التي تعطي زخما للروس في وقوفهم أمام الغرب. ومن هنا، رهان بعضهم على شرخ روسي – إيراني في سورية أمر يحتاج إعادة نظر.
إيران وراء مأساة حلب، وتنسيقها مع جبهة النصرة هو ما فتح الطريق أمام مليشياتها وبقايا فلول جيش الأسد كي تسقط حلب. الأمر نفسه في القلمون وفي تدمر بوساطة “داعش”. إيران هي التي نقلت “داعش” من غرب سورية إلى شرقها. إيران وراء استخدام السلاح الكيماوي في سورية. إيران هي التي تحول دون بيع روسيا ورقة اسمها بشار الأسد. إيران هي التي ستغرق روسيا في مستنقعٍ يتجاوز مستنقع أفغانستان بمرات. إيران وراء مأساة الغوطة؛ والخطوة الأخيرة باعتقادها لتقسيم سورية، ووضع اليد على ما سُمِّيت “سورية المفيدة”.
إيران هي السر الأساس للمأساة السورية. هي وراء التغيير الديموغرافي الذي ينهي من الوجود شيئاً اسمه سورية.
لحظة انكسار إيران في سورية هي نهاية المأساة السورية، هي لحظة الخلاص من منظومة الأسد، هي لحظة الخلاص من كل الاحتلالات التي استجلبتها مع صبيها كي تشرعن وجودها.
غادر قريبي الولاية كي يتخلص من شرور طبطبائي. كان عليه أن يمتلك من الصمود والشرور ما يكفي لكي يطرد طبطبائي. ليس أمام السوريين الآن إلا طرد الإيرانيين من بلدهم.
العربي الجديد