الحياة ما بعد قوارب الموت: صاحب الصورة يبحث عن أبطالها/ نينار الخطيب
لم يكن المصوِّر الإيطالي ماسيمو سيستيني يتخيّل أنّ صورة التقطها العام الماضي لأحد قوارب المهاجرين، ستكون نواةً لقصّة لا تنتهي. قبل أيّام، أطلق سيستيني موقعاً بعنوان «أين أنت؟» للبحث عن المهاجرين الذين صوّرهم، ومعرفة مصيرهم اليوم.
بدأت القصّة في حزيران 2014، حين التقط المصور الإيطالي صورة لقارب خشبيّ صغير، يحمل 500 مهاجر من جنسيّات عدّة. التقط الصورة من حوّامة قبالة الشواطئ الليبيّة، بعد 12 يوماً رافق خلالها خفر السواحل الايطالي، خلال عمليّات رصد قوارب الهجرة غير الشرعية.
انتشرت الصورة على نطاق واسع، إذ يظهر فيها القارب وسط البحر، مزدحماً رغم صغره بعدد هائل من البشر، ومنهم من ينظر إلى الأعلى باتجاه الحوّامة. تصدرت الصورة حينها اهتمام وسائل الإعلام العالمية، مع بدايات أزمة اللاجئين التي تفاقمت دراماتيكيا خلال الأشهر الماضية، بالرغم من أنّها بدأت قبل سنوات طويلة.
مجلة «تايم» صنفتها من ضمن أفضل عشر صور التقطت في العام 2014، كما حاز سيستيني عنها المرتبة الثانية في جائزة «وورد برس» لصورة العام. وأخيراً، قرّر سيستيني العودة إلى تفاصيل صورته المثيرة، ليقرِّر البحث عمن كانوا على متن القارب، ومنهم سوريّون وآخرون من جنسيّات أفريقيّة متعدّدة، ليوثّق حياتهم بعد تلك الرحلة.
خلال أحد معارض «وورد برس» في سويسرا عرضت صورة سيستيني، وذهل منظّم المعرض حين طلب منه بعض الزوّار نسخة عنها، لأنّهم تمكّنوا من التعرّف على وجوههم فيها. تلقّى المصوّر اتصالاً من المنظّم يعلمه بالأمر، فقال له: «أعطيهم الصورة كلّها مجّاناً إن أعطوني عناوينهم، وعناوين أخرى لمن كانوا على المركب»، بحسب ما نقلت عنه مجلّة «تايم» الأميركيّة. لم يحصل المصوّر على تفاصيل عن عناوين المهاجرين تلك المرّة، لكنّ تلك الحادثة دفعته للتفكير بضرورة البحث عمّن كانوا على القارب، وتوثيق ما حصل معهم بعد التقاط الصورة.
اختار المصور الإيطالي مهمّة تحتاج إلى صبر طويل، لذلك أطلق نداءً عبر موقع بعنوان «أين أنت»، نشر عبره الصورة بدقّة عالية، إلى جانب صور أخرى التقطها لدى وصول المركب ونزول المهاجرين منه على السواحل الإيطاليّة. يمكن في تلك الصور التعرّف بدقّة إلى وجوه المهاجرين، ما يسهّل عمليّة البحث عنه. وكتب سيستيني: «إن تعرفت إلى نفسك في هذه الصورة، أو تعرفت لأحد الأشخاص الموجودين فيها، فالرجاء مراسلتنا، نريد أن نسمع قصتك، وماذا حدث لك بعد ذلك».
قد يتطلّب إنجاز المشروع أشهراً وربما سنوات، لكنّ ماسيمو يبدو مستعدّاً للانتظار: «هذا المشروع سيظهر الحياة ما بعد تلك اللحظات الخطيرة، فمن بين اللاجئين أطباء ومهندسون هربوا من الموت، بعضهم وجد حياة آمنة في رقعة أخرى من العالم بعيداً عن وطنهم». ويضيف: «ربما بين هؤلاء اللاجئين أسرة سعيدة تعمل الآن في جنيف، في حديقة عامة مثلاً، سيكون من الجميل أن نضع صورتين لتلك العائلة جنباً إلى جنب، الأولى على ذلك القارب، والصورة الثانية في تلك الحديقة في جنيف».
السفير