الحُكام المستبدون وشعوبهم
خوان غويتيصولو
حب الحكام المستبدين لشعوبهم لا يحتاج إلى أي دليل. ويمكن قياسه من خلال عدد وتنوع الأسلحة والذخائر التي يستخدمونها للاحتفاظ بها على طريق التقدم والسلام الاجتماعي التي رسموها لها؛ وهي طريق مهدَدة دوماً من قبل أعداء الداخل والخارج، من قبل ‘عصابات من الخارجين على القانون في خدمة الإرهاب الدولي’. تلك المختارات المثيرة للشفقة من التعديلات المقترحة التي طرحها الرئيس بن علي ومبارك في الأيام التي سبقت الإطاحة بهما، أيام اختلط فيها الوعد الحلو بالتغيير، مع اللجوء المعتاد إلى العصا الغليظة – ربما عملا بمقولة ‘مَن يُحبك حُباً جَماً سوف يُبكيك همّاً’ – انضافت إليها في الأشهر الأخيرة تلك التي جاء بها القذافي وبشار الأسد والرئيس اليمني. تراهم يتشبثون بسلطتهم العشائرية، وفي الوقت نفسه يعلنون وقف الأعمال العدائية وعن تدابير لتهدئة الأوضاع وتواريخ جديدة لاستحقاقات انتخابية وفقا لمطالب الشعب. إنه لمن السوريالية بمكان أن يشاهد المرء هؤلاء ويسمعهم على شاشات التلفزيون والكاميرا تعاكسهم بصور تنقل مظاهرات حاشدة أو مشاهد حرب بسبب سأم الشعب من سلطتهم السلالية التي احتكروها على مدى عقود من الزمن.
من طبيعة الحال، خطاب الحكام المستبدين يتكيف مع نفسية ومزاج كل واحد منهم. القناع الساخر المذهل للقذافي وهو يتقيأ التهديدات والشتائم على أعداء الشعب (الشعب هو القذافي)؛ وعلي عبد الله صالح يقول اليوم شيئاً وفي اليوم الموالي شيئاً آخر، ولكنه يظل لاصقاً ملتصقاً بكرسي حكمه؛ وبشار الأسد يشاطر من جهة عائلات الضحايا الشعور بالحزن والأسى ويقوم من جهة أخرى برفع عدد الضحايا بوتيرة مخيفة.
وإذا قارنا بين الاحتجاجات التي تهز العالم العربي (والتي تمتد في سياق مختلف إلى احتجاجات 15 أيّار/مايو في ساحة بويرطا ذيل صول بمدريد) ربما اعتبرنا أكثرها شجاعة وإلهاماً تلك الجارية في سورية. بعد الحصار الوحشي لبلدة درعا، حيث يوجد مركز التمرد، لم يتردد بشار الأسد، على الرغم من الانطباع الذي قد يصلنا عنه بأنه رجل ودود وتوفيقي، قادر على تحويل سلطوية أبيه الجرانيتية إلى دكتاتورية ناعمة، في إرسال المدفعية والدبابات التابعة للحرس الرئاسي والفرقة المدرعة الرابعة إلى حمص واللاذقية وبانياس والضواحي ‘المتمردة’ من العاصمة. وعلى غرار زميليه في ليبيا واليمن، يؤكد الأسد أن المتظاهرين مسخَرين من طرف عصابات إرهابية وسلفية، لكن الواقع يُكذبه. أشرطة الفيديو المنشورة على الفيسبوك لا تبين سوى السحق بلا رحمة لمتظاهرين سلميين. ومع ذلك، تصرّ دمشق على أن الجيش والشرطة إنما يقومان بعمليات تنظيف للحفاظ على السلام. سلام المقابر للضحايا وأسرهم.
إن الموقع الإستراتيجي لسورية، البلد الذي له حدود مع العراق ولبنان والأردن وإسرائيل، هو الذي يفسر لنا حذر باراك أوباما في خطابه الأسبوع الماضي، من معاقبة القذافي وعلي عبد الله صالح ومطالبتهما بالرحيل الفوري لفسح المجال أمام إقامة نظام ديمقراطي إلى مجرد صفعة على المعصم في حالة بشار الأسد، الذي هو مفاوض لا مفر منه في أي اتفاق سلام مع إسرائيل، وإن كان الآن محض خيال. خطر الانهيار الطائفي في سورية، مثل الذي يعاني منه العراق منذ الغزو الأمريكي المشؤوم عام 2003، لا يمكن استبعاده، ولكن يجب ألا يُستخدم كذريعة للنظام القمعي الذي يحتقر حياة الشعب من أجل إقامة ديكتاتورية أزالت عن وجهها ذلك القناع الحواري الذي كانت تلبسه عندما زرت دمشق قبل أكثر من عام. القمع العنيف الذي تمارسه السلطة، سواء في ليبيا أو سورية أو اليمن، يستدعي إدانة شديدة من جانب ‘الاتحاد الأوروبي’ السيئ الاتحاد، الذي فتح عينيه أخيراً على ظلم وتجاوزات بعض القادة، والذي ظل حتى الأمس القريب يدعمهم بفوائد اقتصادية منخفضة ويبيع لهم الأسلحة، بما في ذلك القنابل العنقودية. كثيراً ما يرد مِن المستبدين في مكان ما من العالم القول: إننا مستعدون لفعل أي شيء من أجل الدفاع عن منجزات الشعب ومكتسباته، بما في ذلك التضحية بالشعب نفسه إن اقتضى الحال. إن حب الوطن الذي يتماهى معه الحكام المستبدون، العرب منهم والعجم – مثال نيكولاي تشاوتشيسكو ورفاقه جدير بالاستحضار ـ لا ينتهي إلا بالموت، إما الشخصي وإما لعدد ثانوي في الواقع من رعاياهم الأحباء.
‘ كاتب اسباني