الخطأ الأكبر للنظام السوري
علي الجحلي
أصبح العالم كله اليوم شاهد إثبات على وحشية النظام. تضامن الشعب في الشمال مع الجنوب والشرق والغرب والوسط. إذا فتر ثوار مدينة أو محافظة شاهد الجميع نشاطهم وحماستهم في مكان آخر من سورية ظلت الجمهورية العربية السورية الشقيقة حاملة لواء “الممانعة”. كانت دائماً تساند الحركات الشعبية التي تقاوم تغلغل أميركا في المنطقة. كان الكل “أنصاف رجال”، وكان حزب البعث هو الرجل الوحيد في الميدان. هو الوحيد الذي يقول كلمة “لا”، مهما كلفه ذلك. سقطت دول كثيرة في حبال ما سمي بمحور الاعتدال إلا سورية. بقي حزب البعث العربي الاشتراكي يحكم برغم تخلي منظري الاشتراكية عنها.
لتحقيق هذه المهمة كان لابد أن يحمي النظام الشعب من تأثير المخدر الغربي. لابد أن يسيطر النظام على الاقتصاد لمنع الرأسمالية من أكل قوت الشعب الفقير، وإن أدى ذلك إلى زيادة نسبة الفقر. لابد أن تسيطر الدولة على الصناعة والتجارة والأعمال، حتى لو ظل مستوى الصناعة بمستوى القرن التاسع عشر. لابد أن تحارب الدولة التقنية ووسائل الاتصال الحديثة للمحافظة على سمع وبصر المواطن من لوثة الإمبريالية.
شاركت الدولة في حماية الشعوب الثائرة على “الأنظمة الفاسدة”. احتضنت كل الثوار، ودعمت كل من يحاول أن يخرج على دولته إذا وقعت ضحية التعامل مع أميركا والصهيونية العالمية تبنت الثامن من آذار برغم الاختلاف في المبادئ والحروب التي خاضتها ضدهم في السابق. كانوا يفاخرون بمعجزة حزب البعث الذي تمكن من “اغتيال” الكثير من مخلفات ومكونات وبقايا الأنظمة التي تحاول أن تغتال العروبة، برغم أنه لا توجد معجزة في الحقيقة.
تعلمت الأجهزة الأمنية كل الوسائل الكفيلة بتأديب الخارجين على الدولة. تمكن رجال الأمن من التخلي عن أسرهم وأبنائهم لصالح المحافظة على النظام وحماية بقائه. خلال التخطيط لثورات حلفاء الحزب تعرفت المخابرات على وسائل التعامل مع الثائرين وطرق التعامل مع المظاهرات، وإنهاء الاعتصامات بأسرع وأعنف الوسائل المتوفرة دولياً، وخصوصاً الذخيرة الحية.
جرب الجيش نفسه عام 1982 في حماة ونجحت التجربة. تخلص النظام من حركة مضادة له بأعنف الطرق وأسرع الوسائل. أعداد القتلى قدرت بخمسة وثلاثين ألفاً “فقط”، قطعت أشلاؤهم ودمرت منازلهم فوق رؤوسهم ليقدموا قرابين على مذبح الحرية والكرامة. دع عنك حقوق الإنسان فهؤلاء ليسوا بشراً. إنهم عناصر تنفذ أجندات أجنبية تريد اغتيال الوطن، قتل الكيان، إعادة الدولة إلى أتون الماضي وخرائبه وتخلفه الذي لا يتماشى مع العصرنة والحضارة والتمدن. إنهم يريدون أن يكونوا بديلاً للنظرية الاشتراكية البعثية القومية العصرية.
منذ ذلك الانتصار، علت هيبة الجيش على كل هيبة “في الداخل طبعاً”، وزاد احترام أو “خوف” الناس من الأجهزة الأمنية والاستخبارية. أصبح الكل يبلع ريقه عندما تذكر أمامه اسم جهة أمنية، ومن شاهد “مرايا” يعرف بعض الحقيقة. بمعنى آخر عرف كل شخص قدره وقيمته. فليس في الوطن مكان لأعداء الدولة.
المقاومة هي الطفل المدلل، هي المدافع الأكبر عن النظام، وهي من يتدخل ليحوِّل بيروت إلى نار وخراب من أجل عيون النظام. هي من يحارب الكل ليبقى البعث، لأنه المعبر الوحيد للسلاح والعتاد والمال. وهو الملجأ الذي يتجه إليه الهاربون من أفراد الحزب من وجه العدالة أو المحاكمة، كما أن الولي الفقيه قد أوصى بالرئيس خيراً. لأنه جزء من المخطط الذي اغتال العراق وسيغتال لبنان.
أين أخطأ الرئيس إذاً؟
أخطأ الرئيس عندما تجاوز واحدة من أهم تعليمات الحزب التي تقول “لابد أن يبقى كل شيء في يد الدولة “. عندما سمح بتركيب أجهزة الصرف الإلكترونية، ارتكب حماقة تجعل من الممكن تحويل أموال أو سحبها بعيداً عن عين الدولة، وعاتبه الكثير من أعضاء الحزب البارزين. لكنه عنيد ولم يستمع لأحد. وارتكب حماقة أكبر عندما سمح بدخول شبكات الاتصالات المتنقلة “الجوال” هذا أكبر خطأ ارتكبه.
أصبح العالم يحصل على كل معلومة وصورة عن المجازر الوحشية التي تنفذ في درعا، وطقس، وبانياس، وحمص، وبرزة ، ودير الزور، وجسر الشغور بل وحتى في دمشق، و صولاً إلى حماة التي ظن الحزب أن أمرها قد انتهى منذ ثلاثين عاماً. برغم أنه لم يسمح لأي وكالة إعلام أو قناة أجنبية أن تدخل البلاد.
هذا الخطأ التاريخي جعل العالم يرى قسوة وعنف النظام، كما جعل كل الأدبيات والفلسفة التي يتغنى بها ليل نهار تتحول إلى مجرد كذب وبهتان. عندما تشاهد المدن والقرى السورية ما يحدث في أماكن أخرى من الوطن يفقد النظام ميزة “العزلة” التي كانت سبب نجاح عمليات تدمير وقتل واغتصاب أهالي حماة، فأصبح الشعب السوري كتلة واحدة لا تفرقها الجغرافيا ولا عمليات عزل المدن وإغلاقها.
أصبح العالم كله اليوم شاهد إثبات على وحشية وقسوة النظام. تضامن الشعب في الشمال مع الجنوب والشرق والغرب والوسط. إذا فتر ثوار مدينة أومحافظة شاهد الجميع نشاطهم وحماستهم في مكان آخر من سورية فعادت الجذوة لتتقد مرة أخرى. أصبحت المحافظات والمدن والقرى تتنافس لتكون الأشد ثباتاً و الأكثر صموداً في وجه أسلحة وجنود وشبيحة النظام. ياله من خطأ كشف النظام وسيسقطه بلا ريب.
الوطن السعودية