صفحات سوريةعلي العبدالله

الخليج على صفيح ساخن/ علي العبد الله

عكس سحب سفراء السعودية والإمارات والبحرين من قطر انسداد افق مجلس التعاون الخليجي وبلوغه مرحلة النهاية بصيغته الراهنة على خلفية تعارض وظيفته السياسية وسياسات الدول المكونة له. فقد تأسس المجلس العتيد كخط دفاع خليجي في مواجهة عواصف اقليمية سائدة آنذاك: سياسة ايران في تصدير الثورة، وسعي صدام حسين للعب دور قيادي، عربي بعامة وخليجي بخاصة، عبر اعادة انتاج تجربة عبدالناصر. وقد اختيرت لحظة تأسيسه في ذروة الحرب العراقية الايرانية بحيث تعجز الدولتان عن اعاقة العملية.

انطوت فكرة تشكيل المجلس على تناقض بنيوي تمثل في توجه ضمني للسعي نحو خلاص خليجي خاص بالانفكاك العملي عن المجال العربي وحاجة دوله الى الدول العربية، كقوة احتياطية وعمق إستراتيجي، لحماية كياناته والدفاع عن مصالحها في ضوء ضعف قدراتها العسكرية، وهشاشة كياناتها الوطنية، ووجودها في منطقة قوس الأزمات وفق تعبير ساد وقتها. وقد ترتب على هذا التناقض البنيوي تناقض في السياسات ازاء القضايا العربية تجلى في العمل على منع تأثير التغيرات والتطورات السياسية والاجتماعية في الدول العربية على الداخل الوطني والسعي في الوقت نفسه للتأثير في داخل الدول العربية بحيث تتحكم بالتفاعلات فيها وتمنع حصول تطورات وتغيرات سياسية واجتماعية واقتصادية غير مرغوب فيها. تجسدت هذه السياسات في ضعف الاستثمار الخليجي في الدول العربية وتدني التبادل التجاري معها والتحكم بحركة العمالة الوافدة منها، والتحالف مع الأنظمة الملكية والمحافظة والتوجهات الاسلامية والانعزالية فيها لمحاصرة التوجهات القومية والاشتراكية والشيوعية، واعتماد دبلوماسية الشيكات بكثافة، والعمل على اضعاف دور جامعة الدول العربية عبر فرض شرط حرية الدول في تنفيذ قرارات الجامعة وفق سياستها ومصالحها.

لم تفلح سياسة المجلس في فصل مصير دوله عن الدول العربية وتفكيك التشابك والتداخل في الملفات، والمصالح التي فرضها التاريخ والجغرافية بينهما، فما ان انتهت الحرب العراقية الايرانية حتى رد صدام حسين على تجاهل العراق والقفز على مصالحه بتشكيل مجلس التعاون الخليجي دون الرجوع اليه، بافتعال خلاف حول الديون والدعم وسرقة نفط العراق من قبل الكويت(حقول الرميله) وأقدم على احتلال الكويت دافعا دول المجلس مرغمة للعودة الى النظام العربي والاستعانة بقوات عربية لتغطية التدخل الامريكي ضد النظام العراقي. وهذا دفع السعودية الى اعادة نظر في سياستها العربية ودخولها في محور سياسي مع مصر وسوريا ينطوي على اقرار من هاتين الدولتين باعتبار المملكة باب الخليج ومفتاحه وتنسيق تحركهما فيه عبرها وعدم القيام بأي تحرك او علاقة او تعاون دون موافقتها، وهذا أشعر بقية دول المجلس بأنها باتت محكومة للسعودية وتابعة لسياساتها وخياراتها، وقاد الى نوع من الفتور في زخم المجلس وفعاليته وتقدمه على طريق مزيد من التنسيق على طريق الإتحاد كهدف معلن، والى اعادة نظر في علاقاتها مع الدول العربية في ضوء نظرتها للدور السعودي في المجلس(هذا كان وراء الخلاف العميق بين مصر وقطر في العقد الاخير من حكم حسني مبارك، وانفتاحها وعُمان والإمارات على ايران). لعبت قناة الجزيرة القطرية دورا كبيرا في تظهير التباين والخلاف، وفي تسليط الضوء على نقاط ضعف السياسة السعودية، وعرقلة محاولاتها تحقيق انجازات في كثير من الملفات الخليجية والعربية.

مع انفجار الخلاف السوري السعودي وتعمقه بعد اغتيال رفيق الحريري وانهيار المحور الثلاثي وجدت قطر الفرصة سانحة للتملص من الزامات هذا المحور ووثقت علاقاتها مع النظام السوري، وفتح انطلاق الربيع العربي وسقوط أنظمة بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر والقذافي في ليبيا، وانفجار الثورة في سوريا، لها افقا اوسع للتحرك والفعل في المحيطين العربي والإسلامي ما عمق الخلاف مع السعودية والإمارات في ضوء خياراتها وتحالفاتها الجديدة، وهذا قاد الى التنافس والصراع في سوريا( انعكس سلبا على الثورة في مستوييها السياسي والعسكري حيث حصل استقطاب لصالح البلدين وانقسام وصراع على هذه الخلفية) ومصر وليبيا ادى الى الازمة الراهنة والقطيعة الحالية.

تكمن نقطة الخلاف الرئيسة بين قطر والسعودية في رفض الاسرة الحاكمة في الأولى لمنطلقات سياسة الاسرة الحاكمة في الثانية والتي تعتبر دول المجلس الأخرى ملحقات وأتباع، وتخوفها من تطور الالحاق الى الضم، رغم التباين القبلي، في ضوء التواصل الجغرافي والتطابق المذهبي، وهذا دفعها الى التحرك النشط في الجوار العربي والإسلامي لتقوية حضورها ودورها واعتماد المنهج الوظيفي، بعقد اتفاقات تعاون وتبادل تجاري وتنسيق سياسي، يكرس استقلالها ودورها المستقبلي.

هل تقود الازمة الراهنة الى تفكك مجلس التعاون الخليجي بعد ان عجز عن توحيد نظرة دوله الى القضايا المحلية والعربية والدولية، وخلق حافز لمزيد من التكامل والتقدم باتجاه الإتحاد، ام مازال ثمة فرصة لإعادة نظر في نمط تعاطي دوله مع بعضها البعض( طلبت وزارة الاعلام السعودية من الاعلاميين السعوديين وقف التعاون مع وسائل الاعلام القطرية) والاتفاق على طي الخلاف لاعتبارات وطنية(قطع الطريق على ايران التي تنتظر فرصة من هذا النوع) وعربية(حالة السيولة السائدة والتي تستدعي التنسيق العالي لضمان عدم تفلت اللحظة السياسة وتحولها الى ناتج سلبي) ودولية(التوترات والأزمات التي تشهدها دول العالم من بحر الصين الى فنزويلا مرورا بأوكرانيا وتايلاند وأفغانستان وباكستان) وكلها تنذر باحتمالات كثيرة وخطيرة.

\\ كاتب سوري \\

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى