الدبابات السورية في درعا
رأي القدس
دخول الدبابات والمدرعات الى مدينة درعا ومحاصرتها لمدينة بانياس، واجراء حملة واسعة من الاعتقالات غير القانونية، كلها خطوات قد تؤدي الى اخماد الاحتجاجات بالقوة، وتقليص حدتها، ولكنها بالقطع لن توقفها بشكل نهائي، طالما ان الاسباب التي ادت الى اشتعالها ما زالت قائمة.
الاعلام الرسمي السوري بدأ يتحدث عن حدوث اخطاء، وقمع للحريات، وتجاوزات من قبل اجهزة امنية، وهذا امر جيد، ولكنه يتحدث في الوقت نفسه عن ‘مندسين’ وعن ‘امارة اسلامية’، ومؤامرات خارجية، وهو نهج ينطوي على تناقض واضح لا يمكن تجاهله.
الشعب السوري في جميع احتجاجاته اظهر حرصاً غير مسبوق على وحدته الوطنية ومعارضته لكل اشكال الطائفية، ووقف صفاً واحداً خلف مطالبه المشروعة في الاصلاح الجذري الشامل، ولذلك فإن اي محاولة لالقاء تبعة تحركه هذا على جماعات اسلامية متطرفة، او مؤامرة خارجية، محكوم عليها بالفشل التام.
المندسون الحقيقيون هم اولئك الوحوش في الاجهزة الامنية السورية، الذين اطلقوا النار بهدف القتل، واظهروا تعطشاً لسفك دماء ابناء شعبهم، وقد شاهدناهم وهم يجهزون على الجرحى، او يتركونهم ينزفون حتى الموت. هؤلاء الذين يجب ان يحاكموا على جرائمهم البشعة هذه.
لا أحد يريد الدمار لسورية، ولا يوجد سوري عاقل يتطلع الى فتنة طائفية في بلاده، لان حمامات الدماء التي ستترتب على هذه الفتنة في حال اندلاعها، سواء لحماقة اجهزة امنية متغولة حاقدة، او بعض الجهات الخارجية التي تريد خطف الثورة وتوجيهها لاهداف في غير مصلحة البلاد وشعبها، هذه الحمامات الدموية قد تستمر في النزيف لسنوات او حتى لعقود.
سيف الظلم الذي يطالب السوريون برفعه عن رقابهم لا يقتصر على طائفة دون اخرى، وانما هو القاسم المشترك لكل ابناء الطوائف، وكل فئات الشعب، وكل الاديان والقوميات في البلاد، ولذلك لا نعتقد ان الاحتجاجات ستتوقف طالما ظل مسلطاً على رقاب العباد.
الشعب السوري عانى طويلاً من القمع والفساد والذل وغياب الحريات، وسلب الكرامة، وتوحش الاجهزة الامنية، وكان من الطبيعي ان ينفجر بركان غضبه بالصورة التي شاهدناها بأم اعيننا في درعا وحمص واللاذقية ودوما ومعظم المدن السورية.
مازلنا نقول ان هناك فرصة للاصلاح الحقيقي والجدي، اذا صدقت النوايا، وانتصر العقل والحكمة، فما كان يصلح قبل اربعين عاماً لم يعد يصلح اليوم، ونحن نتحدث هنا عن الحلول الامنية القمعية، لان الشعب السوري تحرر من عقدة الخوف الى غير رجعة.
نتطلع الى مصالحة وطنية، تحقن دماء الشعب السوري، شريطة ان تأتي بعد التجاوب مع مطالب هذا الشعب الصابر والوطني، في العدالة والحرية والمساواة وحكم القانون، الرشيد من خلال مؤسسات منتخبة، وطالما لم يتحقق ذلك، فإننا مقدمون على سيناريوهات مرعبة لسورية وشعبها الطيب. فالطريق الأقصر والاسرع لمواجهة المؤامرات الخارجية هو الاصلاح والاستماع الى انين الشهداء قبل انتقالهم الى العالم الآخر سعياً للوصول اليه.