«الديبلوماسية الروسية الهجينة» في سورية أثبتت فشلها
غازيتا
أيام قليلة كانت كافية لقلب وضع روسيا الدولي رأساً على عقب، وألغى وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون زيارته موسكو. وجاء هذا التغير عقب الهجوم الكيماوي في محافظة إدلب السورية والردّ «الصاروخي» الأميركي على القاعدة الجوية العسكرية في حمص. وعليه، عادت روسيا لتتربع في منصب الدولة الشريرة في العالم، أو على الأقل، شريكة في شر نظام بشار الأسد. وتتغير مكانة دونالد ترامب في خطاب السلطات الروسية تغيراً سريعاً، فهو تحول من «رجلنا» إلى «الشخص الذي لا يمكن التكهن بأفعاله» (كما وصفته وزارة الخارجية الروسية أخيراً)، ثم إلى «شخص سيء»، والأسوأ من أي أوباما كان. فهو (ترامب) يبرئ نفسه من تهمة «عميل موسكو». ويتجه إلى مناقشة إمكان فرض عقوبات جديدة على روسيا بسبب سورية عوض رفعها، وهو ما كانت تأمل فيه موسكو بعيد انتخابه.
وبحسب المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة، نيكي هايلي، اتفقت روسيا مع الأسد على أن يتخلى عن الأسلحة الكيماوية في 2013. وعليه، ترى هايلي أنّ عمل روسيا شابه نقص وشوائب أو هي كذبت وأخفت جزءاً من الترسانة، أو أن دمشق خدعت موسكو. أمّا حجج الديبلوماسي الروسي فلاديمير سافرونكوف، ومفادها أن الإرهابيين السوريين يملكون أسلحة كيماوية، وأنها لم تُستخدم في سورية فحسب، بل كذلك في العراق في ظل صمت أميركي كامل، فلم تقنع هايلي.
ويبدو أنّ «الطعنة في الظهر» التالية الموجهة إلى روسيا ستأتي من تركيا، ولسان حال هذه «من الحب إلى الكراهية بلحظة واحدة». ودعا وزير الخارجية التركي روسيا إلى إعادة النظر في موقفها من الرئيس الأسد. وفي وقت سابق، وبخ الديبلوماسي التركي نظيره الروسي سيرغي لافروف، قائلاً إن موسكو لم تقدم على الخطوات اللازمة لتجنب انهيار وقف إطلاق النار في سورية. فالتحالف الروسي- الإيراني- التركي في سورية- وقيل أنه انتصار كبير للديبلوماسية الروسية- بدأ يتصدّع.
وفي الأشهر الأخيرة، أعلنت موسكو نصراً ديبلوماسياً على جبهات كثيرة: فـ «انهيار أوروبا» من طريق «بريكزيت» (انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي) حصل بسبب تدخلنا؛ والمعادين للاتحاد الأوروبي يبلغون السلطة بفضل دعمنا؛ لا بل نصبنا رجلنا رئيساً للولايات المتحدة، إثر قرصنة بريد منافسه الرئيسي. وأرسينا السلام في سورية بمساعدة تركيا وإيران، ومن دون مشاركة الولايات المتحدة. لكن، اليوم، يبدو أن الأمور تسير إلى اتجاه مختلف: واقتضى الأمر هجوماً كيماوياً يتيماً– ولا شك في أنه جريمة وحشية، ولكنه، مع الأسف، ليس الجريمة الوحيدة خلال الحرب الأهلية والدموية في سورية– ليعود العالم إلى الكلام عن ضرورة كبح جماح روسيا التي تدعم الأسد، وهو، بحسب أميركا وكثير من الدول، ومنها حليفتنا تركيا، ينتهك الإنسانية، ويسمم المدنيين بالسارين. وأحداث الأيام الأخيرة لا تسلط الضوء على انتصاراتنا الديبلوماسية الوهمية على قدر ما تكشف أنّ سياستنا «الديبلوماسية الهجينة» والرهان على انقسام في معسكر العدو، لا يتركان أي فرصة للتفاهم مع الغرب.
والحق يقال إن «عدم القدرة على التفاوض» في هذه المسألة تعود إلى تباين جوهري في القيم. ونحن نكرر، على الدوام، أننا نرفض الديموقراطية الغربية، وأننا دولة سيدة تختار طريقها المناسب. وإثر ضم القرم، صارت روسيا في مرمى كل المعارضين والمنتقدين، على خلاف الصين التي تتصدر المركز التجاري الأول في العالم. أما نحن فحصتنا من الاقتصاد العالمي، لا تتجاوز 3 في المئة، وهي انخفضت في السنوات الأخيرة. وعليه، من العسير الإفلات من العقاب حين نسعى إلى أن نكون قوة عالمية كبيرة. أمّا حجتنا الأخيرة فهي تقتصر على التذكير بقدراتنا النووية. ولكن، ومن حسن الحظ، لا سياسيين في روسيا والولايات المتحدة، ممن هم على استعداد لإطلاق حرب نووية.
والمشكلة الأخرى هي تعذر تقديم الحرب على أنها سلام. ففي الواقع الهدنة غير دائمة في سورية. وفعالية التحالف التركي- الإيراني- الروسي، حتى من دون هجوم ترامب الصاروخي، تركت أسئلة من دون جواب. فمصالح الدول الثلاث هذه متناقضة في الصراع السوري. وتتباين أهداف تركيا وروسيا في المسألة الكردية والأسد. كما أنّ تركيا بدأت عملياتها العسكرية البرية في سورية من دون موافقة السلطات السورية. وهذا، وفقاً للمنطق الروسي، انتهاك لسيادة سورية، شأن هجوم ترامب الصاروخي. وعليه، ليست ضربة ترامب المفاجئة ما «قضى على كل شيء»، ولا هو الهجوم الكيماوي في إدلب، بل هو موقف روسيا الضعيف في العالم.
ولم تعدل موسكو عن المواجهة السياسية مع القوى الكبرى في العالم، وهذه تعاظمت منذ ربيع 2014. ولم تغيّر روسيا وجهة سياستها الخارجية في الاتجاه الذي يريده الغرب. والخصوم لم يغيّروا بَعد موقفهم الرسمي من روسيا. وثبت أن «الديبلوماسية الهجينة»، أي التفكير في أمر والكلام عن أمر آخر وفعل أمر مختلف وتصوير أي حدث على أنه انتصار- وهي راجت في روسيا وتركيا وبلدان أخرى- ضعيفة ولا ترتجى منها فائدة. وخير دليل على ذلك أحداث سورية.
* هيئة التحرير، عن موقع «غازيتا» الروسي، 10/4/2017، إعداد علي شرف الدين
الحياة