الرئيس السعيد/ أحمد عمر
عاد صنم الرئيس الأب السعيد إلى حماة كما يعود السنونو إلى عشه الأول، لكن ليس لهذا يضحك الرئيس الإبن، السعيد أيضاً. فهو يضحك دوماً، يضحك حتى تضحك له الحياة. الصنم الحجر، الذي لا يضرًّ ولا ينفع، وصار يضرُّ وينفع.. عاد، والسنونو فقد جواز سفره ولم يعد!
لا يكفُّ الرئيس السعيد الذي ولد بملعقة ذهب في فمه عن الضحك، الضحك مفيد لعضلات الوجه، ودهون الأرداف الملتصقة بالكرسي، والصحة بعامة كما تزعم الدراسات العلمية.
لم يعرف أحدٌ من علماء الكيمياء وعلوم الحيل، مكونات هذا الصمغ، الذي دُهنت به مؤخرته الذهبية، فالتصقت بالكرسي إلى ما قبل الأبد بقليل.
يقال إنّ الضحك يطيل العمر، ويمدُّ من زمن الإقامة في القصر الجمهوري مدّاً، “حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا”. كأنّ الرئيس يشاهد منذ ست سنوات فيلماً كوميدياً طويلاً يموت فيه الضحايا، خصوماً وموالين من الضحك بغاز الطغيان. يضحك ويبلغ مدى ضحكته المجدي أذنيه.
يوُلد ابن آدم باكياً، إلا السيد الرئيس وُلد ضاحكاً مسروراً.
قال مرة مواسياً شعبه ضاحكاً مسروراً: إنه أيضاً فقد “شهداء” من أسرته! وتقول الوقائع والتقارير إنه قتل صهره في خلية الأزمة، أو قتله وصحبه الحليف الإيراني خوفاً من إنقلاب وشيك. ويضحك أبو ضحكة جنان… كان صلاح الدين الأيوبي يقول كيف أضحك والقدس أسيرة؟ لكن الرئيس الشاب يضحك حتى لا يشعر الشعب أنه مهزوم، السوري عندما يضحك كثيراً يتعوّذ بالله ويقول: “الله يعطينا خير ها الضحك”. الضحك في الأثر، وكثرته، تقسّي القلب، وها هي القلوب أشدُّ قسوة من الحجارة. نتبادل الأفلام الدموية ونقول: شُف واشتف، وبرّد قلبك يا مشوّب؟
سيروي نسر الجيف أبو منجل المنقرض للصنم قصة تحويل مغارة تحت الأرض إلى مشفى للنازحين في إدلب، فيقول له صنم الرئيس السعيد الذي عاد إلى عادته القديمة: عيني أنت، في عيني اليمنى قنبلة كيماوية خذها وإقصف المشفى.
يقال: إنّ الدكتاتورية كالدراجة يجب أن تدار دواستها باستمرار حتى لا تسقط، ولهذا اخترعوا في الجزائر دراجة لا يسقط قائدها، وتقاد من غير وقود، وبأربع عجلات! ويقال: يجب أن تضحك وأنت تدوس. قدّر أمس تقريرٌ صادرٌ عن وكالة “آكي” الإيطالية أعداد قتلى الطائفة العلوية على مدار سنوات ست من الصراع السوري دفاعاً عن النظام السوري بما يقرب 150 ألف قتيل من الميليشيات غير النظامية التي شكلّها النظام، ومن أجهزة الأمن؛ لخدمة مشروع استمراره ومنع سقوطه.
والرئيس يضحك..
نزح نصف شعب الصنم خارج الحدود، والرئيس يضحك. الشعب يعيش على مصل الكفاف، والرئيس يضحك، فعنده مئات الملايين من الدولارات، ومئات الألوف من الرهائن والأسرى، وبينهم نساء وأطفال ويمكن المقايضة بهم، أمسوا عملة. يقصف بالكيماوي وهو يضحك. يسأله الصحافي اليهودي، من الصحيفة الفرنسية، عن صور آلاف الضحايا، فيقول إنها فوتوشوب ويضحك. يقول الرئيس السعيد: إنهم أشاعوا عنه أنه جهز حقائبه للرحيل؟ ويضحك. رحل نصف الشعب وهو يضحك. حقيبته كبيرة جداً ولهذا لا يمكنه الرحيل، البلاد كلها حقيبة يا غالي.
المعارضة لا همَّ لها إلا تأليف الصور بالفوتوشوب. الرئيس لا يكذب ولكنّه يتجمل. يأكل الكاجو ويحتفل بعيد الميلاد. يقال إن وزراء الدكتاتور فرانكو جاؤوا لزيارته الأخيرة وهو على فراش الموت، فسأل عن سبب الزيارة، فقيل إنهم جاؤوا لوداعه، فسأل: إلى أين هم راحلون؟!
ويضحك..
كل شيء على أكمل وجه، وأجمل قفا في حضن الوطن، وتحت سقفه: سينما، مسابقات جمال، عروض أزياء، مثليون من قُبُل، ومن دُبر، في دمشق التي صارت قفا العروبة النابض. اللطم عند الجامع الأموي على أشُدِّه، والضحك في “المهاجرين” قهقهات. التلفزيونات السورية الثلاث لا تحزن أبداً، بقعة ضوء” تبث على مدار الساعة، لا بد من بقعة ضوء في آخر النفق. بقعة ضوء هي برلمان النظام السوري يا حبيب. البرلمان معقود على مدار الساعة، فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا.
الصنم ضرورة استراتيجية لإضفاء الجمال على المدينة السياحية، التي كانت تشدو فيها النواعير يوماً، وكانت تدور بالماء ثم دارت بالدماء، والرئيس يضحك.
ويعود طائر أبو منجل، الذي يعمل في المخابرات الجوية، حزيناً بقصة مؤلمة جديدة للصنم، ويخبره: هناك مخبز في خان شيخون يعمل يا سيادة الرئيس! فيقول له الصنم الفاضل: في عيني اليسرى قنبلة كيماوية أخرى خذها وإقصف بها خان شيخون، يجب أن يباد هؤلاء الإرهابيون.
صفحات الموالين الشامتة، سعيدة، فالفرح مقاومة! الشماتة على صفحاتنا التي بها منكرات كثيرة أيضاً، لكن الفرح ليس واحداً منها، افرحوا، تلك هي المقاومة حقاً، وبها ستحررون الجولان. مراسلونا يغيثون الجرحى، ومراسلوهم يأخذون الصور التذكارية بجانب الضحايا. صرنا نخاف من الفرح المقاوم.
رئيس لا يصيبه يأس، ولا نَصَب، ولا تعب.. وزوجته تقول سعيدة: “وين كنا وين صرنا”. نعِمَ الزوجة البارة التقيّة الوفية، التي تحمل الكلَّ وتعين على نوائب الدهر، وكلاهما متخرجان من بريطانيا العظمى، والشجرة عالية وفستانك جديد. النزول من الشجرة العالية بات مستحيلاً إلا بمظلّة حربيّة روسية.
صورة الأب على ورقة الألف لا تشتري كيلوي بطاطا، ويضحك..
صور خامنئي وكيم القُزعة كوريا كابوريا تغزو شوارع سوريا أيةً للجمال، ويضحك…
وقد يضحك الرئيس ويقول بعد مليون ضحية، وجلاء الشعب السوري عن سوريا، تحت الضغط الدولي: إنه ضحّى بمنصبه من أجل حقن الدماء وسيرحل إلى بلاد الثلج، في باص أخضر، أو طائرة شحن بيضاء، وقد يضيع كما ضاع شادي في أغنية فيروز.
ليس مثل الرئيس المصري الذي يبكي أحياناً، كعاشق خطَّ سطراً في الهوى وبلحة، فالرئيس ملعقة الذهب، يضحك فقط، يضحك. ويعود المخبر أبو منجل إلى صنم الرئيس العملاق، ويخبره: رأيت كاتباً يكتب المقالات وليس عنده حبر ولا ورق، فيقول: جلدي كله صفائح، إصنع منها برميلاً، عيني أنت، وإملأه بالمتفجرات واقصف الكاتب.
يعود أبو منجل إلى الرئيس بعد القصف، بينما يكون السنونو السوري في الشتاء القارس، يبحث عن عشّه في البيوت المدمرة عبثاً، وهو لا يعود إلا إلى عشه الأول، فيقرر الرحيل خوفاً من برد الشتاء، وقصف الكيمياء، لكنه يقضي في الطريق غرقاً مثل آلان الكردي على الساحل.
تروي الصحف البريطانية والفرنسية المتقاطرة إلى قصر الرئيس الذي يحارب الإرهاب، وزوجته الحسناء، قصة السنونو السوري الحزين الذي مات غرقاً، فيقولان صادقين هذه المرة: مفبركة..
هذه القصة للإيرلندي أوسكار وايلد..
ويضحكان..
ويكون أبو منجل في هذه الساعة يقصف من جديد، فالصنم كله ذخائر وأسلحة محرمة دولياً.
المدن