صفحات الناس

كاميرا أميركية تتجول في “سورية الأسد”/ محمد موسى

 

 

عندما طلب المراسل الأميركي مارتن سميث إذناً من الحكومة السورية لزيارة مستشفى كان تلقى للتو جرحى من إحدى المعارك الدائرة على أطراف مدينة دمشق، حصل على بطاقة لإحدى حفلات الفرقة السيمفونية السورية.

قبل سميث الدعوة، وذهب الى هناك ليصور وضعاً سريالياً… مسرح زاخر بالجمهور حضر ليستمع الى موسيقى كلاسيكية غربية على بعد كيلومترات فقط من مواقع معارك وحشية. لكنه لم يكمل الحفلة تلك، اذ غادر في منتصفها، متوجهاً براً الى بيروت، بعد زيارة قصيرة لسورية تعد نادرة، قدمها في الفيلم التسجيلي المُثير «داخل سورية الأسد»، الذي عرضه أخيراً البرنامج التسجيلي الأميركي المعروف «خط المواجهة»، على قناة «PBS» الأميركية.

ليست معروفة الأسباب التي جعلت الحكومة السورية تسمح للمراسل الأميركي بالتصوير والتنقل في المناطق التي مازالت تخضع لسيطرتها. فهي التي أغلقت الحدود في وجه الإعلام العربي والأجنبي منذ إنطلاق الثورة السورية عام 2011، أصبحت حذرة كثيراً في التعامل مع الغرباء.

أما سميث فيصور رحلته بأكملها، من وصوله الى الحدود السورية – اللبنانية في منطقة المصنع، حتى مغادرته من نقطة الحدود ذاتها، وبعد رحلة تنقل فيها في دمشق وحمص ومدن الساحل السوري، إضافة الى وصوله الى جبهات القتال بين قوات النظام السوري، والمسلحين الذين صار من الصعب تصنيفهم.

في دمشق بدا المراسل الأميركي وقد فوجئ كثيراً بأن الحياة مازالت تسير في المدينة التي يقبع مسلحون على أطرافها. فصوّر أسواقاً مكتظة بالمتسوقين ومطاعم وشباباً وشابات يرقصون بحماسة في ناد ليلي وكأنها رقصتهم الأخيرة. لكنه عندما يذهب الى سوق الحميدية الشهير، سيتكشف التيه السوري الجديد. فالذين كان يوقفهم ليسألهم عن الأمكنة التي كانوا يعيشون فيها قبل الأزمة، آتون جميعهم من مدن سورية قريبة وبعيدة، وأجبروا بسبب العنف على ترك مدنهم والتوجه الى دمشق التي تكتظ اليوم باللاجئين السوريين.

يقابل سميث صحافياً سورياً قريباً من النظام، يقدم وجهة نظر بديلة عن الصراع الدائر، كما سيكشف الصحافي الشاب عن الأفلام التي صورها أثناء تغطيته للمعارك في محيط دمشق. هذا الصحافي سيقتل أثناء تصوير البرنامج. وسيحضر المراسل الأميركي جنازته الشعبية الكبيرة. ويصور الفيلم التسجيلي مؤتمراً حكومياً يدور عن العمل الإعلامي و«الهجمة» التي تتعرض لها سورية من قوى أجنبية. لكن المراسل الأميركي الذي أصبح محط أنظار الإعلام المحلي في المؤتمر، سيغادر جلسات المناسبة الرسمية، فهو ليس الحدث كما وصف.

ولعل المشاهد التي صورها الفيلم التسجيلي من حمص، تعد الأكثر غرابة. فالمدينة التي كانت لعامين حصن الثورة السورية، هي اليوم في معظمها خرائب تحت سيطرة الحكومة السورية. هذه المدينة كانت تحضر وقت تصوير الفيلم لمهرجان للسياحة تنظمه الحكومة. بل أن الفيلم التسجيلي سيذهب الى منتجع يبعد عشرة كيلومترات من المدينة ليصور أطفالاً يسبحون في مسبح عام وشقق حديثة تنتظر المصطافين.

يسافر الفيلم الى مدن الساحل السوري. ويقابل هناك قادة ميليشيات محلية تشترك في المعارك، كما سيقابل لاجئين سوريين من حلب، منهم إمرأة شابة ستنقل بتأثر كبير قصة أخيها الشاب، الجندي السوري الذي أعدمه «داعش» وصور قتلته في فيلم يلف الآن في شبكة الإنترنت. فيما الأخت تريد أن تتذكر أخاها الصغير فقط. حياته وحبه لأهله وبلده.

بعد عودته الى دمشق، يصور الفيلم التسجيلي الأميركي جلسة حوار بين أفــراد مـــن المـــعارضة السورية، مازالوا ينادون بإسقاط النظام، لكنهم يرفضون في المقابل كل التدخلات الأجنبية.

ينجح المراسل الأميركي بخبرته التي تمتد لأكثر من أربعة عقود، في أن يستثمر زيارته القصيرة لسورية، فيمرَّ على كثير من القضايا المُلحّة، ويتساءل عن دور حكومته من الأزمة السورية، وإذا كان بالإمكان التعامل مع النظام السوري، الذي ما زال يقود الحياة في مناطق كبيرة من البلد. كما يقدم الفيلم التسجيلي مشهديات مثيرة، بعضها شديد الجمال عن سورية المنسيّة. وينقل أيضاً مخاوف سوريين من القادم، كاللقاءات التي أجراها مقابل إعدادية للبنين في حمص، مع طلاب لا يعرفون ماذا يخبئ لهم المستقبل.

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى