الرسالة الأخيرة إلى…السجان
جمال داوود
الرسالة الأولى
يا أيّها السجان
ألازلت “إنسان”..مثلنا..؟
بسيطاً مثلنا؟
ألازلت تأكل الخبز و الشاي و تنام مضطرا ً تحت قبضة لحافك البني الذي تغمره بقع الزيت و يحتله البق؟
ألازلت تخيط فرشتك الاسفنجية المُعرقة/المفخوتة/المثقبة/الرخيصة توزيع المؤسسة العسكرية؟
ألازالت الصور الرئاسية ترقع جدران غرفتك التي اجتاحها العفن و اشتاق لها الدهان؟
ألازلت تستعمل الخرق المبلولة عند الحمى لا كبسولة الإلتهاب؟
ألازلت تقضي خميسيتك في الجندي المذهول ؟
المذهول من بشاعة أفعالك
ألازال السرفيس يمتطيك ؟ و الـــ “عشر ليرات” تدفعك إلى الاحتجاج و شتم السائق؟ ألازلت تقرفص غاضبًا عند الازدحام؟
ألازلت تنحني بنزق عند الدخول من باب السرفيس؟
ألازلت تحشر في طوابير الباصات و دفع الفواتير مضطرًا ؟
ألازلت تشري ألبستك من بسطات الزبلطاني بعد إغلاق سوق القرماني
“و تحويله لحديقة للمشردين و باعة اليانصيب المخبرين…”الزملاء
كم تؤلمنا زيارتك أيها السجان و أنت على هذا الحال
منذ عام 1970 لم تتغير
و لاأظن بأنك تتغير
.
.
الرسالة الثانية
يا أيها السجان…آن أن تعترف
بأنك إنسان
الآن أو هناك في المقبرة ستعترف
للدود الذي سيشعر بالقرف/للخشب المسوس الذي يصنع منه تابوتك/ للقماش الرخيص الذي يلفونك به/ للمصاحف/ للصلبان/ لأنكر و نكير
ستعترف
و بعد أن تموت و يسدل الستار على اسمك سيجيء طفل ممن قتلت أهله
:ليسألك
هل كنت تتكلم بلغة البشر مع عيالك ؟
أم أنك تأكلهم كل مساء….و من دمائهم تغتسل؟
هل لديك أصدقاء بأعضاء كاملة؟…بذكريات لامشوهة ؟
“هل يسقون قبرك بالماء و “الآس
أم أنك منبوذ /مذموم حتى عند الموت؟
هل أنت تصادف الآن الأرواح التي تزهقها
هل ينتقمون منك جميعهم ؟ هل يجلدون روحك و يرفعونها عـــ بساط الريح؟
هل يشفع شيطانك إليك..بعد أن عذبت زميلك الإنسان؟
هل أنت تحترف تعذيب الجموع
أم أنك تتلذذ في تعذيب الذات ؟؟
صحيح…هل لقبرك شاهدة؟
هل لقبر السجان شاهدة؟
.
.
الرسالة الثالثة
لقد غرروا بك و برفاقك
اولئك الذين ملؤوا قلبك بالضغينة و لطخوا يدك بدم اخوتك…أولاد البلد
لقد جردوك من نسل آدم اولئك الذين وظفوك في ساحات الإعدام
و في المسالخ الحكومية
اولئك الذين دمغوا اسمك على سجلات الوطن
كوصمة عار للوطن
هذه هي حقيقتك..التي يخفونها عنك
!!في مذكراتهم
أنت وصمة عار لهذا الوطن
اسمك سيزول مع أول مفترق للسلطة و دمك الملوث..سينهدر
لن يحميك التمثال..ولا الصور و لا شعار الأبدية
ولا قلبا ً مشوهًا
ولا روحا ً مغتصبة
ولا آلة للتعذيب…و ماكان في ذاك القبو ينتظر العرسان…!!نعم العرسان
هم العرسان و أنتم الغربان
أيّها السجان..أنت وطواط السلطة مقلوب الرأس أعمى العينين يعشش فيك الظلام
أنت قابل للموت مثل الجرذ الذي يقبع في قبوك
أنت منتهي الصلاحية كآخر زجاجة بيرة كرعتها في حياتك
أنت مدنّس..أنت محاط بالأوبئة و الذباب الذي يجتمع حول الدبق و فضلات السادة و العبيد
“أنت العيب…أنت القهر…أنت “الزعل
أنت الشؤم..أنت قبح المسميات
أيها السجان…أنت مكروه من كل فتيات
البلد
لأنك متهم بحبس العشاق و الفنانين و الحالمين و شعراء الحرية و الغزل
شباب البلد
.
.
الرسالة الرابعة
يا أيها المنعزل ..عن الناس و الطبيعة
مالون وسائدك الليلية؟؟…سوداء أم حمراء أم صفراء…أم بنية؟؟
هل تستطيع مفارقة ألوان السجناء…و فضلاتهم ؟
هل تستطيع أن تجمع ماتبقى من أضلع المعتقلين المكسورة
لتعلقه إكليل غار أو طوقا ً على رقبتك ؟
لتنتصر
و هل أنت حقا ً تنتصر؟ على من ؟ على سجناء الرأي؟على المطالبين بالحرية؟
و من هم أعداؤك الحقيقيون؟
لماذا لم تنتفض لبلادك المحتلة ؟ لطفل قنصته بندقية صهيونية
بدم بارد
لماذا لاتمارس رجولتك مع عدو لا يعترف بهويتك و هوية قادتك
و يجاهر كل يوم علنا ً…بسحقك و قادتك؟
لماذا لاتمارس حيلك و مقدراتك في طمس الحقيقة
لطمس أجهزة إعلام العدو؟
لماذا احتفظت بحق الرد على الصهاينة
و لم تحتفظ بحق الرد على أبناء بلدك العزل ؟
“قل لي يا “رجل
هل تعلق صورة لك و أنت تضرب المقيدين بالأصفاد؟
هل تجمع التحف و الذكريات من أجساد المعذبين…؟
هل تملك مرتبة شرف في حفظ الأمن من أفكار المعتقلين..؟
هل تملك خططا ً لمحاصرة الفكر…هل تقسم خراطيمك و معادنك و مثاقبك و مطرقاتك لأرتال وفرق و كراديس؟؟
هل انتصرت يوما ً في حرب حقيقية ؟ مع الليزر و الصواريخ الموجهة و الزئبق الأحمر
أم أنك أول من هرب…؟؟ مثل زعماء العرب ؟
اساتذتك” العسكريون”
هل أعطوك براءة اختراع للموت؟؟
أم بطاقة عالِم ٍ بأساليب القهر الحديثة
و ماذا قدمت أنت لـــ هذا الوطن
هل أنت لعذاب الناس..أول مكتشف؟؟؟
.
.
الرسالة الخامسة
يا أيّها المريض النفسي المحتمل
هل تملك أطفالا ً مثل أطفالنا…..أبرياء مثل أطفالنا..
هل تحضنهم كل مساء بعاطفة أبوية؟؟
هل تجلب لهم بضع حبات من العوجا و الفستق الحلبي و الجانرك في موسمها؟
هل يهتف أطفالك /هلاجوس/ قازوز/ أسكا/ راحة و بسكوت/ تمرية/ محلاية/ كنافة/قضامة سكرية مهروسة ؟ هل تهرس القضامة لأطفالك مثلما تهرس أصابع الأطفال المعتقلين؟
هل تشري لأطفالك الألعاب المستعملة من تحت جسر الرئيس ؟ هل تشري ثيابهم من سوق “لوبية” أم من بسطات الشيخ سعد؟ أم أنك تسرق الألبسة من صغار المعتقلين أيضا ً ؟
هل تقرأ لأطفالك قصة لذات الرداء الأحمر
أم قصص الدماء الحمراء و الأظافر المقلوعة في سجن كزا و كزا
هل تغني لهم ..أغنية فيروز: نامي نامي يا صغيرة
:أم أنك تعيد على مسامعهم آهات من كان في سجنك يرتجف و يصرخ
حريـــــــــــــــــــة ؟؟
هل تربي أطفالك مثلما نربي أطفالنا
على حب الوطن من الألف حتى الـــ يــــة ؟؟؟
صحيح هل تملك الأطفال ؟ أم أنك تربي فرخ “حية” أو عقرب في غرفتك ؟
.
.
الرسالة السادسة
نحن نعرف حقيقتك و نعرف أنك عاجز عن فهم الحياة و السياسة و الشعارات الحزبية و الفبركات الإعلامية
نحن نعرف أنك بطيء الفهم
سريع الغضب /وضيع الغايات
سفيه الوسائل
مبتذل..مبتذل
نحن نرى الضوء رغما ً عن سلاسلك
و رغما ً عن سواد عروقك و فظاظة كلماتك
نحن نرى سماوات لا حدود لها رغما ً عن أفقك الضيق
نحن نصنع المستقبل رغما ً عن ماضيك المعيب….و أسيادك
فأين أنت أيها المنسي ..الآن
أنت الغريب عن هذا الكوكب…يدك شيطانية
رائحتك الموت
و سمعتك قيح ٌ و جماجم
و دخان يتصاعد من رأسك َ.. أينما تقف
لا أصدقاء لك هنا
في هذا البلد
آن الاوان لتعرف :أنك لست المشرف لهذا الوطن
بل أنت تهدمه و تهبط به ..و تعيده إلى حيث الجاهلية و أبعد
.
.
الرسالة السابعة
يا أيها المضلل به
نحن هنا لنسألك َ…بجلسة ود و سلام
ليس بين يدينا بساط ريح
و لا أسياخ الفروج
و لا الخازوق ولا “بينسا” لقلع الأظافر
و لا نشتم والدك و لا نستبيح عرض نسوتك
و لا ننزل الآلهة في نهاية كل سطر و جملة
ففكر …إنما أنت لست بمفكر
و حاور إن نفع الحوار
و اشرح لنا صدرك المحقون باللؤم
و ضع عنك وزر المعتقلين و أهلهم
و أنطلق في جلسات الطب النفسي
و اعترف..
هل داسك الجميع بالأحذية و أنت صغير ؟؟
هل ولدت إنسانا ً في البدء ؟ و من الذي تطاول على إنسانيتك و شوه نفسيتك ؟
هل تعرضت لتحرش جنسي ؟
أم لسفاح القربى؟
أم لفشل دراسي؟
أم لأزمة نفسية حادة عندما اكتشفت فقر أهلك و انعدام الحال؟
هل كان معلم المدرسة يضربك؟ هل ربطوك بالسرير ؟
هل حرقوا أصابعك بالنار ؟ هل تجاهلك الجميع ؟ هل أخطأ بحقك هذا المجتمع؟
هل كان صوت المآذن و أجراس الكنائس يزعجك؟
هل مرضت أمك بداء يحتاج للجرعات اليومية ؟ لغسل الكبد؟
هل أنت تنزف في الداخل؟ هل أصابك حيض النسوة ؟
من عذبك أيها الجلاد .. من صنعك
هل ورثة الصنعة عن آبائك؟ أقاربك ؟ جيرانك ؟
من علمك قتل أولاد البلد
و حجب الفكرة ِ عن الجسد
هل غسلوا دماغك بالكلورين ؟
هل خنقوا جثة والدك بالزيكلون ب
ماذا فعل لك الصغار لتعتقلهم و تشوه مستقبلهم؟
ماذا ارتكبت بحقك كاتبة بعمر 19 سنة ؟
مالذي أرهبك و هز أركانك لتستقبل الكلمة بالرصاص الحي؟
.
.
الرسالة الثامنة
سيتخلون عنك
لن يصنعوا تمثالًا لك بالقرب من تماثيلهم و لن يغامروا بحفر اسمك على ساحة العباسيين المضاءة بالألوان المزعجة للبصر
لن يكتب اسمك حتى في كتاب القومية 2011 و لا في محاضر جلسات الحزب
بل سيدعون أن وجودك خلفهم مجرد أكذوبة..
و ستموت و تحيا في ذات القفص الذي وضعت فيه أبناء البلد
سيغتالون اسمك و عائلتك في مؤتمراتهم الدولية
سيهمشونك في خطاباتهم المكررة و المعدة سلفًا
و لن يعترفوا بك و بسلالتك و برفاقك و بالأساليب القتالية التي خطرت في بالكم فجأة
و أنتم تعتقلون أما ً لطفلين في عمر الزهر
.
.
الرسالة التاسعة
أنا لن أسألك لماذا اخترت أكل الرمة؟
لماذا اخترت أن يربى صغارك َ …على لحم اخوتهم ؟
لماذا اخترت أن تتشوه بطونهم..وأطرافهم…وأن يمتصوا الدماء بدل الحليب
لكن إن سألتك آلهتك عن حياتك…أين أضعتها؟؟
هل أنت بمجيب ؟؟
أم أنك تؤمن بأن الحاكم هو الرب…وأنه الحسيب المجيب
هل حقا ً تظن عرش ملوكك َ هو عرش أرباب و رسل؟؟
هل أنت عابد للحاكم و تقول :حلك يا الله حلك تنزل ليطلع محلك؟
هل تتلو الصلاة للرئيس؟؟؟ يا “رجل” صرّح بدينك و لا تخف
إن كنت رجلا ً….توقف عن الدبك و الطبل و التزمير و الهتاف القبلي و اعترف
إن كنت عبدًا فلا تخف
فقد آن الأوان لتتحرر
فأنت السجين مثلنا..
لكن من نوع مختلف
.
.
الرسالة الأخيرة
أنت مثلنا
مهدد مثلنا
و هل جربت أن تطلق روحك في جادة الحق
أو تغمس أطرافك بين دفتي كتاب
للتاريخ
أنت مثلنا
و إن رفضت الأوامر سيقتلونك على الطريقة
المعتادة
معصوب العينين
و من الخلف