الرهان على الوطنية السورية الجامعة
الدكتور عبدالله تركماني()
يتفق الكثيرون على أنّ سوريا تمر اليوم بمرحلة حساسة ومصيرية من تاريخها، وأنّ خريطة طريق كوفي أنان تسير نحو الفشل والإخفاق بعد تعليق المراقبين عملهم، مما يفتح الأبواب على احتمالات متنوعة وعلى اجتهادات شتى في قراءة آفاق الحالة السورية، ربطاً بما قد يستجد من تطورات داخلية ومن مواقف عربية ودولية مؤثرة.
وإذا كان من الصعوبة أن نجري حساباً لوقائع وتطورات الثورة السورية التي انطلقت في آذار 2011، لأنّ فيها الكثير من التعرجات والتعقيدات، فإنّ ما يميّز اللحظة الراهنة هو الحراك الشعبي السوري غير المسبوق الذي يمكن أن يبلور البديل الوطني الديمقراطي، الممكن والضروري، نحو الاستقلال الثاني لسوريا. فالثابت أنّ حراكاً إنسانياً رائعاً جرى بحجم كبير وتضحيات كبيرة، يتجه نحو مواطن سوري جديد، ووعي سوري جديد، بما ينطوي عليه ذلك من تألق للوطنية السورية الجامعة ذات العمق العربي والإنساني.
وفي سياق ذلك يبدو، على ضوء اللقاءات المتكررة لأطيافها، أنّ ثمة قاسماً مشتركاً يجمع المعارضة السورية: الطابع السلمي العام للثورة، تغيير النظام، إقامة دولة مدنية – تعددية – ديمقراطية تصون حقوق الإنسان وحرياته وتساوي بين جميع السوريين. ويبقى أن وصول الدكتور عبد الباسط سيدا السوري/ الكردي إلى رئاسة المجلس الوطني السوري خطوة ذو دلالة، قد تمهّد لتطوير المنحى الوطني الجامع، من خلال تهيئة الرأي العام لسوري للعودة بنا إلى الحقبة الوطنية السورية إبان خمسينيات القرن الماضي، حين لم يكن رئيس الدولة أو الحكومة يُسألان عن قوميتهما أو دينهما أو مذهبهما.
وتبقى الثورة هي الفاعل الأساسي في سوريا اليوم وهي أيضاً الصانعة لقيم جديدة على طريق الاستقلال الثاني: الحرية والكرامة والمساواة والعدالة، ولشرعية جديدة قائمة على المواطنة. ففي سوريا الجديدة لن تكون مصادرة حرية الرأي مقبولة، ولن يكون سجن صاحب الرأي ممكناً بلا مقاومة، ولن يكون انتهاك حقوق الإنسان مقبولاً، ولن يكون السكوت عن الفساد والتسلط أمراً طبيعياً. وفي سوريا الجديدة لن يقبل الناس بعدم المشاركة، بل سيتصرفون انطلاقاً من حقهم الطبيعي في الكرامة والعدالة والمساواة التامة في وطنهم.
لن تكون سوريا بعد اليوم مزرعة لأحد، كما كانت لعقود طويلة، وإنما وطن الحرية والكرامة لجميع أبنائها. لن تكون بلد التمييز والظلم والإقصاء، بل وطناً واحداً لشعب سوري موحد، لا حديث فيه عن أكثرية وأقلية بل مواطنية ومساواة، لا يراعي في معاملته مع أبنائه أي اعتبار قومي أو مذهبي أو طائفي أو مناطقي، ولا اعتبار فيه إلا للكفاءة والإخلاص، والمقدرة على البذل والتضحية في سبيل المجموع. سيحمي دستور سوريا الجديدة حقوق كل مكوّنات المجتمع السوري، حيث سينال فيها الأكراد والآشوريون والتركمان ما حُرموا منه من حقوق وما عانوه من تمييز. ستُفصل في سوريا الجديدة السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية، وستحاسَب فيها الحكومة المقصّرة وستكون السلطة بيد الشعب يقرر من يحكمه عبر صناديق الاقتراع. ستكون سوريا المستقبل دولة الحق والقانون، يتساوى فيها الجميع أمام القضاء المستقل، ويكون للجميع الحق ذاته في تشكيل المنظمات والأحزاب والجمعيات، والمشاركة في صنع القرار، مما يفتح في المجال لتألق الوطنية السورية الجامعة.
() كاتب وباحث سوري مقيم في تونس
المستقبل