الروس في سوريا: إنتقال سياسي أم إنقلاب عسكري علوي على الأسد؟
جورج مالبرونو
في حين يواصل الجيش السوري قصفَ مدينة “حمص”، وفي حين تستمرّ أعمال العنف في سائر أنحاء سوريا، فإن حلفاء دمشق يسعون، من خلف الستار، لتحقيق إنتقال سياسي. سواءً مع بشّار الأسد، أو بدونه.
أكثر من أي وقت مضى، فإن العلم الروسي يخفق إلى جانب العلم السوري على مدخل قاعدة “طرطوس” البحرية، على ساحل المتوسط، التي تمثّل آخر رأس جسر روسي في الشرق الأوسط. ويقول خبير عسكري فرنسي يعمل في الشرق الأوسط أنه “في الأشهر الأخيرة، تم إرسال عدد كبير من ضباط البحرية الروسية سرّاً إلى سوريا تحت غطاء أنشطة أخرى. ولكن هؤلاء هم في الواقع مستشارون عسكريون وعملاء أجهزة إستخبارات تمّ توزيعهم في الجيش، وأجهزة الأمن، ووزرارات معيّنة في دمشق”. أما مهمة هؤلاء فهي: التأثير في الأزمة الناجمة عن القمع الدموي للإنتفاضة التي تهدّد سلطة بشّار الأسد، آخر حليف لروسيا في الشرق الأسط.
ويقول رجل أعمال سوري-فرنسي يقيم صلات مع القيادات الأمنية في دمشق أنه “ميدانياً، بمواجهة الثائرين، فإن بشّار لا يقدم على خطوة بدون موافقة روسية”. ويضيف : “لكن روسيا وضعت خطّاً أحمر لدعمها للنظام: وهذا الخط هو عدم ارتكاب مجزرة شبيهة بمجزرة “حماه” في العام ١٩٨٢، حينما تمت تصفية ١٥٠٠٠ إسلامي في المدينة الشهيدة بعد إعلانهم التمرد على حافظ الأسد، والد الرئيس الحالي. ومقابل مثابرتها في دعم نظام الأسد، كما ظهر من “الفيتو” الذي مارسته روسيا ضد قرار دولي يدين دمشق، فإن روسيا تطالب الآن بإعادة تشغيل محطة تنصّت كان السوفيات أقاموها في زمن “الحرب الباردة” على قمة “قاسيون” التي تشرف على العاصمة السورية. وسيكون هذا المطلب أحد البنود الرئيسية للمباحثات التي يجريها بشّار الأسد اليوم الثلاثاء، في دمشق، مع وزير خارجية روسيا، “سيرغي لافروف”، ومع مدير جهاز “الإستخبارات الخارجية” الروسي، “ميخائيل فراتكوف”. كما سيسعى المفاوضان الروسيان لإقناع الأسد بتطبيق “إصلاحات ديمقراطية لا مفرّ منها”، حتى لو كان المطلب الأول للمعارضة هو رحيل الأسد.
”ماكياج” لحزب البعث
يقدّر المحلّلون الأكثر تفاؤلاً أن الروس يمكن أن يسعوا للقيام بعملية “تفكيك مضبوط” لنظام الأسد”، أي لتحقيق “عملية إنتفال منظمة باتجاه نظام لا مكان فيه للأسد نفسه، ويتشكل أركانه الأساسيون من أشخاص موالين لعشيرة الأسد”، حسب “شاشنك جوشي” الذي يعمل في “رويال يونايتد سيرفيسيز إنستيتيوت”. وفي الأسبوع الماضي، أكثرت السفارة الروسية في دمشق من الإتصالات مع زعماء المعارضة الموجودين في البلاد. ولكن، عبثاً. فقد رفض زعماء المعارضة دعوات موسكو للإنخراط في حوار مع النظام. وهذه ليست أول محاولة تقوم بها موسكو للتقارب مع المعارضة. ففي شهر يونيو، استقبلت العاصمة الروسية عدداً من المعارضين البارزين. وبعد ذلك بأسابيع، اقترح مبعوثون روس على أحد المعارضين أن يتولى رئاسة حكومة جديدة في ظل بشّار الأسد.
وهنالك شكوك بأن روسيا قامت، مؤخراً، بتسليم بطاريات مدفعية مضادة للطائرات لسوريا التي تخشى من غارات تشنها طائرات حلف الأطلسي. كما أبرمت موسكو عقداً بقيمة ٥٥٠ مليون دولار لبيع ٣٦ طائرة تدريب وهجوم خفيفة نوع “ياك-١٣٠” لسوريا، ولو أنه لم يتم تسليم أي طائرة منها بعد. ولم يقتصر تعزيز التعاون على الجانب الأمني. فمنذ أسابيع، يشرف خبراء روس على عملية إعادة تنظيم لـ”حزب البعث” الحاكم يُفتَرَض أن يكرّسها مؤتمر حزبي سينعقد في الشهر المقبل.
ويقول مراقب لبناني أن “السوريين يقومون الآن بنقل السلطات وبنقل أموال من الدولة أو من إدارات معينة إلى حزب البعث الجديد، الذي يُفترض أن يكون قد أصبح جاهزاً للعمل حينما يعلن الأسد نظرياً، في شهر مارس، عن بدء تطبيق التعددية الحزبية”!
وهذا ، على غرار ما فعل السوفيات السابقون بالحزب الشيوعي السوفياتي عشية سقوط الشيوعية في موسكو. ويضيف المراقب اللبناني: “يعتقد الروس أنهم مؤهلون لتوجيه عملية الإنتقال أكثر من أي طرف آخر. فالجنرالات السوريون تلقوا علومهم العسكرية في كلياتهم. كما أنهم كانوا سبّاقين في الإنتقال من نظام شمولي إلى نظام تعددي ظاهر”.
هل يتم الإنتقال بوجود بشّار، ام بدونه؟ في أي حال، يبدو الروس الطرف الأقدر على تنظيم إنقلاب عسكري يقوم به الضباط العلويون الذين يشغلون المراكز الأساسية في الجيش السوري. وهذا، إذا صدر الأمر بالقيام بمثل هذا الإنقلاب.
المقال بالفرنسية:
Des militaires russes omniprésents en Syrie Georges Malbrunot