الرِهان السوري على الموقف الروسي
يراهن العرب كثيراً على مواقف بعض الدول من القضايا العربية، وفي مقدمتهما الصين وروسيا، ويتناسون حقيقة ان المصالح تحدد المواقف، وعلى الرغم من كل ما يقال فالشرق بما فيه العرب يتطلع الى الغرب.
الأنظمة العربية تتعامى عن هذه الحقيقة إذ سرعان ما تغير موقف روسيا والصين عندما اقترب النظام الليبي من النهاية، ومواقف الغرب مرهونة بمصالحه ولا يجد حرجاً من التضحية بحلفائه إذا لزم الأمر، وتخلى عن زين العابدين ومبارك وعلي عبدالله صالح.
من يستمع للإخبارية السورية يخال ان مندوب روسيا لدى مجلس الأمن وضع الفيتو على الطاولة ضد أي قرار سيصدر بشأن سورية، ويتناقل الإعلام الرسمي السوري تصريحات سيرجي لافروف، علماً بان كل ما قاله الرجل تشخيص للواقع، حيث قال ‘ان ما يحدث في سورية شأن داخلي، وان بلاده تعارض حله على الطريقة الليبية، وطلب اعطاء النظام فرصة للإصلاح’ والحقيقة ان ما يريده الروس الا يخرجوا من ‘المولد بلا حمص’.
شرعية الأنظمة مصدرها إرادة الشعوب، تلك الحقيقة التي لا تعترف بها الأنظمة العربية، ولا يمكن ان تستمد من دعم المقاومة والممانعة بعد قهر الداخل التي لا تتجاوز الجانب اللفظي، وجبهة الجولان الأكثر أمناً وهدوءاً على الرغم من اعتداءات إسرائيل المتكررة على سورية والرد دائماً ‘ان سورية لن تنجر الى اماكن لا تريدها وسترد في الزمان والمكان المناسبين اللذين لم يحن اوانهما!’، ولخلط الأوراق زج بالفلسطينيين العزل نحو الجولان ولو كان الأمر جاداً لبقي الجيش لحمايتهم.
الشعب السوري قومي بالفطرة، صاحب حضارة متجذرة على مدى التاريخ، وقدم في سبيل ذلك قوافل من الشهداء للخلاص من المستعمر الفرنسي، ومنهم سلطان باشا الأطرش واحمد مريود ويوسف العظمة، ومن المناضلين مثل إبراهيم هنانو وصالح العلي وثوار آل الدندشي الذين قادوا ثورة تلكلخ وغيرهم ولا يتسع المجال لذكرهم، ولا يمكن اختزال تاريخ سورية بقيام الحركة التصحيحية التي أعادت سورية لحكم العائلات الشمولي!
الضامن للمواقف القومية الشعب السوري، والمزاودة عليه غير مقبولة حتى من النظام نفسه، وزواله لا يعني نهاية الدنيا وارتماء سورية في الحضّن الصهيوني، ومن المؤكد انها ستتقدم نحو القضايا العربية اكثر من اهتمامها بالمصالح الإيرانية.
علاقة النظام السوري مع الجوار متوترة على الدوام، وصلت حد القطيعة مع الشريك الأيديولوجي العراق، ولم يتوان عن المشاركة في حرب الخليج الأولى عملياتياً والثانية استخبارياً انحناء امام المطالب الغربية، وتماهياً مع الرغبات الإيرانية انتقاماً من صدام ليدفع العراق ثمناً غالياً، ومع الأردن تخضع للظروف، وفرض وصاية على اللبنانيين والفلسطينيين بالانحياز لطرف دون آخر، واصبح مصدر قلق للجانبين، اما مع تركيا لم تتحسن إلا من وقت قريب، ولازلنا نتذكر قضية احتضان عبدالله أوجلان وعندما لزم الأمر كيف تراجع وسلمه بطريقة تحفظ ماء الوجه كما يقولون.
النظام لغاية الآن لم يعترف بوجود أزمة ويسوق مقولة لم يقتنع بها احد حتى النظام نفسه، وآخر الصرعات طلب المساعدة من مجلس الأمن لمكافحة الإرهاب والعصابات الإجرامية ويدين استغاثة المظلومين بالخارج، ويستهجن ‘آية الله’ الأسد وجود معارضة في سورية تمس قدسيته، وكأن الشعب السوري يعيش في مدينة أفلاطون الفاضلة، ونسي ان من البشر من لا يعترف بوجود الخالق سبحانه وتعالى! وان اول من تآمر على الرسول الكريم اقرب الناس إليه!
حلقات مسلسل التغيير في العالم العربي متشابهة الى حد ما مع اختلاف محدود ولغاية الآن لم يتعلموا الدرس ولا زالوا يراهنون على الخارج، وحلقات مسلسل التغيير تبدأ بالمطالبة بالإصلاح.. اعتقالات.. قمع.. قهر.. تنكيل.. قتل.. وعندها تكون الأرض مهيأة للتدخلات الأجنبية، تجميد أموال فرض عقوبات، التلويح بالمحكمة الجنائية الدولية إصدار قرارات من مجلس الأمن للتدخل العسكري المباشر لإعادة المنطقة الى ما قبل التاريخ والنهاية سقوط النظام الحتمي.
لقد سخروا من القذافي عندما قال في مؤتمر القمة ‘انه لابد من اتخاذ موقف من الدول العربية ولا يجوز الوقوف متفرجين، وقيادات عربية تعلق على حبال المشانق وبكرة الدور جاي عليكم، اعتقدوا ان الرجل قال نكتة وضحكوا بعد إعدام صدام وفي مقدمتهم الأسد وعقب قائلاً ‘إن من الخارج ربما يستمع لما أقول أكثر من هم في الداخل’، والمثل قال ‘خذوا الحكمة من….’ وها هو الدور جاء عليهم! الأنظمة تستمد قوتها من الشعوب وليس بالاعتماد على الخارج الذي يعني بداية النهاية، وسنرى الموقف الروسي اين سينتهي، وعلى ما يبدو اننا سنشاهد حلقات مسلسل التغيير اكثر من مرة.
المحامي عبدالوهاب المجالي