صفحات المستقبل

السويداء عروس الجنوب السوري: حكاية الشرايين التي تنبض ثورة وعرساً في الشهادة


                                            فادي الداهوك

بقايا رائحة عطر فهد بلان العالقة في ثياب الشاعر سعدو الذيب “الحافظ للمودّات كحبة القمح” على رأي حنّا مينا، ورائحة شرشف قصبٍ مطرز بنيسان، حملها طائرُ حوران أمانة من سكان البيوت المحروقة هناك ليمرّ من مفرق جاسم للصنمين وفوق بصرى الشام ومنزل حمزة واصلاً إلى الثعلة والقريا ولِـ عرى طارقاً أبواب أهل الجبل يروي لوليفِ روح السهل جرحاً نزفَ في شوارع درعا، يسألُ عن الرفقة، ليعود إلى عشّه محمّلاً جواب سكان أهل الجبل “عالبال بعدك يا سهل حوران” مستحلفينه بالله “لو رحت المسا يا طير مسّي عليهم طالت الفرقة”.

ما الذي حصل في الجبل الغافي على كَتِف السهل قبل أيام؟ ما سر احتفال بصرى الشام وحمص وشامة سوريا به؟ لماذا يردد ثوارُ سوريا “يا سويدا حنّا معاكِ للموت”.

يجيب أهل السويداء أنها الثورة، بعد أن كثرت الأسئلة عن أهل الثورة السورية الكبرى أصحاب المضافات المفتوحة والقهوة المرّة ورائحة الهيل، لكن قبل الخوض في التفاصيل لا بد من الحديث عن بعض الأسباب التي انزاحت عن ظهر الجبل أخيراً وكانَ لها الأثر الأكبر في دخوله فترة معينة مرحلة كرّ وفرّ مع النظام .

بداية القصة قديمة وما يفضّله أهل الجبل أن يكون التركيز على الجزء الأقرب منها زمناً إلى الثورة السورية.

فمحاولات النظام المستميتة لعزل السويداء عن الثورة المشتعلة على كامل الخريطة السورية كثيرة جداً وهيَ إن لم تكن سبباً مقنعاً لدى البعض فهي بالنسبة لآخرين خطّة محكمة أثقلت الحراك الثوري في المحافظة عبر إشغاله بأمور عدة ومنذ بداية الأشهر الأولى للثورة، منها مثلاً قضيّة عناصر الجيش من أبناء المحافظة الواصلين كلّ يوم إلى السويداء محملين في توابيت الموت، قضية استطاع النظام أن يحرجَ بها النشطاء وقد قاموا بإلغاء أكثر من تظاهرة احتراماً لمشاعر أهل الفقيد من الجيش، تلك القضية استطاع النظام أيضاً من خلالها خلقَ طرفٍ جديد يعمل تلقائياً إلى جانبه وهذا الطرفُ ليسَ من الأمن ولا الجيش ولا الرفاق الحزبيين. هذا الطرف كان بعضَ أهالي الجنود الذين يتهمون الثورة بقتل أبنائهم واستطاع أن يزج ببعضهم نحو مواجهة الثورة والثوار في السويداء إلى جانب الشبيحة والمتعاملين معه مهدداً السلم الأهلي في المدينة وواضعاً السويداء في امتحانٍ صعبٍ جداً.

النظام الذي اشتغل على السويداء عبر أزلامه صوّر أهل المناطق الثائرة وكثيرة هيَ المناطق التي لم يكن السوريون يعرفونها قبل الثورة، صوّر أهلها للفلاح والعامل العادي في السويداء على أنهم مجموعة من الزعران وقطاع الطرق والمسلحين من خلال وسائل إعلامه التي التفتت إلى السويداء بعد إهمالها سنين طويلة وصارت وسائله تلك تبث تقاريرَ دورية عن المحافظة بشكل عام بهدف كسب جمهور يرى في مرور اسم مدينته أو صورة منها على شاشات وسائل الإعلام أمراً مدهشاً بالنسبة إليه ، وما بين التقارير التي يبثها هو مستمر في محاربة الثورة إعلامياً .

لسببٍ مهم جداً دور كبيرٌ أيضاً في معاناة السويداء. فمع استشعار الأسد لتحرك درعا الجارُ القديم للسويداء، قام بزيارة “مفاجئة” لقرى المدينة، سوّق لها الإعلام على أنها سيرانٌ عفوي للزوج والزوجة والأولاد استطاع من خلالها اصطياد الكثيرين من أهل الجبل الطيبين، تلكَ الزيارة كانت بتاريخ الرابع عشر من آذار 2011 أي قبل انطلاق الثّورة في درعا بأربعة أيام، فترة كانت قصّة الأطفال المعتقلين في درعا يتناقلها الناس سراً وبعضهم تناساها، والقول أن الأسد استشعر الثورة سببه أنه يعلم أدق التفاصيل عن قصّة الأطفال المعتقلين وعدد الأظافر المقتلعة من أصابعهم وعن المهلة التي أعطاها أهل درعا للأسد قبل أن يزلزلوا الأرض تحت أقدامه. صباحَ ذلك اليوم فوجئ أهل السويداء بهذه الحنيّة بعد نسيانهم الدائم من كل الخطط الخمسية التي تضعها الحكومة، هم حقّاً فوجئوا خصوصاً أن الأسد الأب الذي حكم سوريا ثلاثين عاماً زارَ السويداءَ مرّة واحدة في حياته كانت في اليوم الذي توفي فيه سلطان باشا الأطرش وكانت الزيارة لمدة ربع ساعة، حين حطت طائرة الهيلوكوبتر في القريا ـ مسقط رأس سلطان الأطرش ـ للعزاء ولم تتكرر تلك الزيارة مدى حياة الرئيس الذي كان يحلم أن يحكم سوريا إلى الأبد.

زيارة الأسد الولد إلى السويداء استهدفت قرىً فقيرة وأهم طبقة في المجتمع يمكن أن تشعل الثورة في السويداء، طبقة الناس المنسيين، الفقراء، الفلاحين والعمال، هؤلاء من قابلهم بشار الأسد وأكل معهم وشرب الشاي وقدّم لإحدى العائلات مبلغاً لشراء حلاّبة لبقرة تترزّق من إنتاجها عائلة كاملة.

يصف الدكتور خلدون النبواني ابن المدينة زيارة الأسد في إحدى مقالاته بأنها “أبعد من أكل الفطائر على الصاج أو تمضية يوم العطلة للعائلة الحاكمة” وهو ما ظهرَ بشكل واضحٍ مع انطلاق الثورة والأبعد الذي قصده الدكتور خلدون النبواني كان شرخاً كبيراً وصل حد تخاصم الأخ مع أخيه، خصامٌ أضعف شارعَ السويداء وأوقعه في مطبات كثيرة ورافقه نشر الفرقة في صف الثورة نفسها وانقسامات وخلافات كثيرة ساهم النظام في تغذيتها بشكل غير مباشر عبر أزلامه والمدسوسين تحت مسميات ثورية.

الخامس من آذار 2011 ، قوات الأمن تعتقل الطالب الجامعي حسن مهنا (20 عاما) من قرية أم الزيتون في السويداء بتهمة كتابة الشعارات على طريق السويداء ـ دمشق ، ومن ثم تطلق سراحه في 24 آذار 2011 في الفترة ذاتها التي أطلق فيها سراح الأطفال في درعا، ولازدحام الأحداث في ربيع الثورة السورية والرعب المسيطر في قلوب الناس تم نسيان هذا الاسم ولم يعلم به أحد في السويداء.

السابع والعشرون من حزيران 2012 ، يوم الأربعاء وفي مركز المدينة الضيق، ازدحامٌ للسيارات والمارة والموظفين العائدين إلى بيوتهم ، فجأة أحدٌ ما يصرخ “الله سوريا حريّة وبس” ، للسويدائيين مع هذا الشعار علاقة حميمة فهوَ أول الشعارات التي نطقوا بها ورافقهم لأشهر عدة لم يستطيعوا خلالها رفعَ سقف الشعارات والوصول إلى المطالبة بإسقاط النظام، دقائقُ قليلة التفَّ حولَ مطلِقِ الشعار عشرات الشبان وللمرة الأولى لم يكونوا من الشبيحة، دقيقة أخرى أصبحت الأعداد ضخمة يتوسطها علم الاستقلال تحمله إحدى صبايا الثورة ولافتات كبيرة ترفعُ للمرة الاولى ثم انطلقت التظاهرة.

“الما بيشارك .. الله يهديه” الشطر الثاني من هذا الشعار يردد في باقي المحافظات هكذا “الما بيشارك .. مافيه ناموس” لكن السويداء في حاجة لنسخة خاصة بها ، فكانَ شعاراً ذكيّاً جدّاً جلبَ إلى التظاهرة بعض المارّة وتعاطُفَ نصفِ المتفرجين وروى من شارك في تلك التظاهرة أن عدداً من الشبيحة حاول افتعال صدام مع المتظاهرين، لكن التجار من أصحاب المحلات منعوهم ومن الشعارات الجميلة أيضاً والتي كانت مكتوبة على لافتة كبيرة “بيوتُ جبل العرب منازل لكل السوريين الأحرار” في دعوة واضحة إلى الذين تركوا بيوتهم في باقي المدن السورية أن يأتوا إلى السويداء ومكانهم عيونُ أهلها.

في ذلك اليوم وفي المكان المسيطر عليه من قبل النظام فلتت الأمور من يده وخرجت أكبر تظاهرة تشهدها المدينة منذ بدء الثورة وحال لسان المشاركين فيها يقول للنظام “كيفك فيّا؟” فتلك المنطقة ـ المؤسسة العسكرية ـ تقع في قلب المدينة ومركزها التجاري وهي منطقة تعجّ بالشبيحة ودوريات الأمن لكن التظاهرة أصابتهم بالذهول والحيرة، فهيَ خرجت في مكان لا يمكن استخدام القوة فيه في ظل وجود هذا الازدحام وفي ظل عدد المتظاهرين الكبير كما لا يمكن بقاءُ الشبيحة والأمن متفرجين فكان القرار أن ينسحبوا ويخسروا هذه الجولة.

الساعة الثانية عشرة والربع بعد منتصف ليل يوم الخميس 5 تموز 2012 ، نصف أهل المدينة نيام ونصفٌ آخر منشغل في هم الثورة، حصلَ ما كانَ متوقعاً في المدينة. إن أحصينا التوقعات فهيَ كثيرة لكن أبعدها كان انفجارُ سيارة، تضاربت الأنباء في بداية القصّة ثم تبيّن لاحقاً أن الانفجار ناجمٌ عن عبوة ناسفة زرعت في سيارة تعود لأحد الناشطين ويدعى معين رضوان وكان برفقته ناشطٌ آخر مطلوبٌ للأمن واسمه صفوان شقير. استمرت الإشاعات طيلة ساعات الفجر الأولى عن قنبلة أخرى مزروعة في سيارة نمرتها درعا. دائماً ما تلصقُ التهم بدرعا فالنظام يبث الشائعات بهذه الطريقة “القبض على 200 مسلح في ظهر الجبل من درعا كانوا يزرعون عبوات متفجرة” أو “الجيش الحر في درعا يقوم بتسميم البطيخ الذي يباع في السويداء” لِما درعا وما ذنبها فوق كل ما يحصل فيها من قتل وتدمير لاتهامها بعمليات ضد أهالي السويداء؟.

يقول الناشطون في السويداء أن النظام يريد أن يخصيَ السويداء والفاعل لا بد وأن يكون درعا، لأن السويداء، كما يقول ناشطوها، لو فزعت لدرعا تكون قد أغلقت عليه بوابة الجنوب السوري وحصرته في آخر زاوية من دمشق، فلذلك واظبَ بشكل ممتاز لا يمكن لأحد أن ينكره بحصر العمل الثوري في المحافظة بالتظاهرات الليلية الطيارة والعمل الإغاثي. لم يكن خيار التظاهرات الطيارة أو العمل الإغاثي من فعل الناشطين بل هو المساحة التي قدمها لهم النظام للعمل تحت سقفها وهو راضٍ عنهم تماماً مع ضرورة حصول بعض الاعتقالات بين فترة وأخرى.

بعد التظاهرة الحاشدة يوم الأربعاء السابع والعشرين من حزيران 2012 أي قبلَ ثمانية أيام من حصول الانفجار تبينَ للنظام أن السويداء طوّرت طريقة عملها وخيرُ دليل له كان التظاهرة التي غافلته وخرجت بهذا الحشد، يقول أحد الناشطين “السويداء حيرتنا وحيرت النظام فرأى أن يشعلها هو عن طريق اغتيال الناشطين معين رضوان وصفوان شقير قبل أن تفلت الأمور من يده”.

ـ ما مصلحته في التفجير وفي إشعالها؟

يجيب “قاربنا على فكّ جميع العقد التي صنعها النظام في المدينة وكانت خطتنا لتظاهرة أضخم قيد التحضير ولو فعلناها سيكون النظام قد أصبحَ ضعيفاً جداً في السويداء والأمور ستصبح في صالحنا ولن يهمنا بعدها شبيحته ولا أجهزته الأمنية ولا كل ثكناته العسكرية التي تطوق المدينة، لكنّه كان يستشعر الأمور بدقة فلجأ إلى اغتيال الناشطين معين رضوان وصفوان شقير. هو أصلاً كان يبحث عن صفوان ولهذا السبب اقتحم منزله في القريا واعتقل والده مقابل أن يسلم نفسه. الإعلام السوري كان موجوداً في مكان التفجير وحشد كبير من الشبيحة وأمناء الفرق الحزبية لإكمال مسرحية فاشلة”.

في صباح الخامس من تموز ورداً على عملية اغتيال الناشطين رضوان وشقير خرجت تظاهرة حاشدة قمعت بشكل وحشي من قبل الأمن والشبيحة في مركز المدينة ، لكن للمرة الاولى رصدت كاميرات الناشطين عمليات الاعتداء التي نفذها الشبيحة والأمن على المتظاهرين وعدد كبير منهم كان من الفتية، وانتهت التظاهرة باعتقال 23 شخصاً بينهما عقيدان متقاعدان، ولاحقاً عُرفَ أن عدداً من معتقلي التظاهرة أسعفوا في اليوم التالي إلى المستشفى بشكل سري لعلاجهم بعدما تعرضوا للضرب المبرح بالهراوات والعصي الكهربائية والأدوات الحادة وتعرض بعضهم لكسورٍ في الأيدي.

في اليوم التالي وبعد موجة غضبٍ عارمة جراء اعتداء الأمن والشبيحة على تظاهرة يوم الخميس كان أهل السويداء على موعدٍ مع تشييع الشهيدين معين رضوان في السويداء و صفوان شقير في بلدة القريا

فما الذي حصل؟

يصفُ أبو سلطان مشهد التشييع كما تابعه “الكلّ كانَ يبكي، الآلاف للمرة الاولى تجوب شوارع السويداء مطالبة بإسقاط النظام”. ويتابع سرد الأحداث في السويداء فيقول “بدأ موقف العزاء في تمام الساعة التاسعة صباحاً في ساحة سمارة الأعداد كانت كبيرة وفي ازدياد. ذهبنا لجلب الشهيد من مقام عين الزمان حوالي الساعة العاشرة والربع، في تلك الفترة كانت الوفود تأتي وتعزي أهل الشهيد. الأعداد في ازدياد والحشود كانت تتوافد من كل الشوارع في المنطقة، انطلقنا نحو مقام عين الزمان ومشينا مسافة 200 متر قبل أن تصل السيارة التي تحمل النعش، كنا نساءً ورجالاً وأطفالاً وشيوخا الكل كان يهتف “اللي بيقتل شعبه خاين” غنّينا جوفية كتب كلماتها أحد الشبان للثورة “خسا من قال السويدا ذليلة” عدنا نحو ساحة سمارة وبعد أن انتهت الصلاة على الجنازة توجه كل الحضور نحو منزل أهل الشهيد، حملنا والده على الأكتاف وكان الجميع يردد “أبو الشهيد .. إرفع راسك” وهتاف “دم الشهيد رأس الأسد محلو” ثم تقدم الجميع نحو والدة الشهيد التي كانت تحمل بيديها أغصان زيتون وهتفنا لها “أم الشهيد .. كلنا ولادك” كانت من أقسى اللحظات وكثيرون هم الذين بَكوا أثناء وقوفنا أمام والدة الشهيد”. لم يلحظ أحدٌ أثراً للشبيحة أو لقوات الأمن والجو مريح ولا شيء يدعو للقلق مع وجود الآلاف من المتظاهرين. يتابع أبوسلطان “استغربنا اختفاء الشبيحة والأمن فهتفنا لهم” وين الشبيحة .. وين الشبيحة ” ثم توجه قسم كبير منّا إلى بلدة القريا حيث كان المشيعون للشهيد صفوان شقير ينتظروننا لنشارك معهم”.

في القريا ، بلد السلطان، لم تكن الأجواء مشابهة لما حصل في السويداء حيث تعرض موكب التشييع إلى إطلاق نار كثيف تفرق على إثره المشيعون. أحد المشاركين في التشييع يصف ما حدث قائلاً “توجهنا من السويداء إلى القريا وفي الطريق كان الناس يلقون علينا التحية ويرفعون لنا إشارات النصر”. اضاف “وصلنا إلى موقف العزاء في القريا حيث كان المشيعيون في انتظارنا لبدء الصلاة على الجنازة، في هذه الأثناء كانت الفريق الإعلامي يتولى مهمة متابعة التطورات ونقلها إلى الإعلام فأخبرونا عن توجه ست سيارات زيل عسكرية محملة بالجنود والعتاد الكامل نحو القريا والسبب كانَ عددنا الكبير. انتهت الصلاة ، وخرج موكب التشييع من موقف القريا الواقع في الجهة الغربية للبلدة ، قطعنا الشارع العام ثم توجهنا نحو صرح شهداء الثورة السورية الكبرى، وصلنا إلى هناك، قمنا بالطواف بالجنازة حول تمثال سلطان الأطرش ثم امتلأ الصرح بالمشيعين، قام الشباب بعدها برفع علم الاستقلال على تمثال سلطان الأطرش، وكان معنا علمٌ آخر بطول العشرة أمتار وعلمٌ كنا قد وضعناه على نعش الشهيد صفوان شقير. أثناء خروجنا من الصرح وتوجهنا نحو المدفن كانت قوات الأمن والشبيحة قد تجمعت في الجهة المقابلة للصرح. وللمرة الاولى تنزل قوة عسكرية من الجيش إلى الشارع وكانت تقف الى جانب الأمن والشبيحة. ظلّ موكب التشييع متقدماً نحو الحشد الأمني، ثم قام بعض الناشطين وكبار السن بمفاوضة أحد الضباط للسماح لنا بالمرور دون مشاكل بعد أن حاول الشبيحة استفزازنا. في هذه الأثناء تم سحب العلم عن النعش حتى لا يتم استهدافه أو إلحاق الأذى به، كان الضابط يهدد أحد كبار السن الذين يفاوضونه ورفعَ السلاح بوجهه الأمر الذي جعلَ عدداً من الشبان يتقدمون نحو الضابط فاتحين عن صدورهم وطالبين منه أن يطلق النار عليهم، ردّ الضابط باستهزاءٍ وتطاول بالكلام على الرجل الذي يفاوضه فقام أحد الشبان بصفعه، قبل أن يحرك الضابط سلاحه كان قد تلقى حجراً من شاب آخر فأمر بإطلاق النار. كان إطلاق النار يحصل بشكل جنوني، كنت أشعر بالرصاص يمر فوق رأسي ومن جانب أذنَي. إطلاق النار استمر لمدة نصف ساعة بشكل كثيف والإصابات اقتصرت على حالات اختناق بعد رمي قوات حفظ النظام قنابل الغاز المسيل للدموع علينا. استطعنا تهريب النعش تحت وابل من الرصاص وتم دفن الشهيد كما يليق به”.

نصرة للسويداء والقريا خرجت في درعا وتحديداً في حي الكاشف ، تظاهرة تهتف “من السويدا هلّت البشاير”. تبعتها تظاهرة في بصرى الشام هتفت “يا سويدا حنا معاكي للموت” ، وفي وقت لاحق من مساء يوم الجمعة بعد انتهاء التشييع نفّذَ أهالي قرية مردك في السويداء اعتصاماً طالبوا فيه بالمعتقلين وكذلك أصدرت تنسيقية حي الخالدية في حمص بياناً جاء فيه :

“حاول النظام الاستبدادي جعل المدن السورية جزرا معزولة عن بعضها عبر تخويف المجتمع السوري من بعضه، لكنه فشل في ذلك لأن الشعب السوري عريق بمكوناته كافة ولعل خير مثال على ذلك محافظة السويداء التي حاول النظام ومن بداية الثورة أن يعزلها عن النسيج السوري ولكنها أبت إلا أن تكون في قلب الثورة. فهي من اللحظات الأولى انخرطت في الثورة وقدمت نموذجا للحمة الشعب السوري إلا أن الإعلام أغفل حراكها المميز ولا سيما في مجال الإغاثة فقد وصلت جهودها إلى حمص وريف دمشق وحماة ودرعا وغيرها من المدن السورية المنكوبة ولكن ما زلنا ننتظر الكثير من هذه المحافظة وفقا لتاريخها المشرف واحد واحد واحد الشعب السوري واحد والتحية لأحرار السويداء”.

في السويداء، يقول أهل الجبل البعيد أن الشرايين تنبضُ ثورة والرصاص الذي يطلقُ على أجسادِ السوريين اليوم خبروه جيداً في أول أيام حكم الوريث أمّا وجوه الشهداءِ في حمص وحماه ودير الزور وإدلب فهيَ تشبه وجوه شهداء السويداء الـ 23 الذين قتلهم النظام بعد أن اجتاح المدينة بالدبابات في العام 2000 ، هم الآن يطالبون باثنين وأربعين معتقلاً مضافاً إليهم النصر والحرية كما يليق بعروس الجنوب السوري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى