السياسة الروسية تجاه سوريا: سبل الخروج من العزلة
مارغريت كلاين
تلعب روسيا دورا رئيسيا في الأزمة السورية، نظرا لما لها من علاقات ثنائية قوية مع دمشق، وتمتعها بحق الفيتو في مجلس الأمن. وقد لعبت موسكو، حتى الآن، وعلى الرغم من كل تأكيداتها الخطابية، دور الحامي لبشار الأسد، والموازن لكفة ميزان الجهود الرامية إلى زيادة الضغط على دمشق في مجلس الأمن. فقد وافقت روسيا، حتى 20 مارس (آذار) 2012 على الأقل، على بيان رئاسي صادر عن مجلس الأمن، يدعو الأسد إلى تطبيق خطة كوفي أنان للسلام، محذرا من تبني «المزيد من التدابير» في حال رفضه لها.
ويبدو أن دعم روسيا للبيان الرئاسي يرجع إلى إدراكها أن موازنتها الحالية، في سياستها تجاه سوريا، تزداد صعوبة كل يوم؛ إذ عليها أن تضمن بقاء أهم شريك سياسي لها في المنطقة، دون أن تغرق في مستنقع العزلة الذاتية المتزايدة للنظام السوري، ودون أن يتسبب ذلك في المزيد من الإضرار بمصالحها في المنطقة على المدى البعيد. هذا فضلا عن أن استمرار روسيا في منع اتخاذ أي تحرك حقيقي في مجلس الأمن سيفضي إلى تقويض أهم أداة تأثير لها في السياسة الدولية. والواقع أن هذا الوضع يقود إلى البحث عن حلول ممكنة يمكن السعي إلى تحقيقها خارج هذا النطاق، وبالتالي دون استخدام روسيا لحق الفيتو، كما يحدث بالفعل داخل مجموعة «أصدقاء سوريا». وثانيا أن روسيا تعزل نفسها أيضا في المنطقة، فكلما استمر الفاعلون الرئيسيون في المنطقة، أي تركيا، والجامعة العربية، ومجلس التعاون الخليجي، في التباعد عن الأسد، ارتفعت مخاطرة روسيا (بوصفها الحامي للأسد) بأسس سياساتها في الشرق الأوسط، أي بناء علاقات جيدة مع كل اللاعبين في المنطقة وترسيخ صورتها، على المدى الطويل، بوصفها «الراعي النزيه» في المنطقة. هذا فضلا عن أنه كلما تضاءلت فرص نظام الأسد في البقاء، زادت مخاطرة روسيا بالانعزال داخل سوريا نفسها، نظرا لما تفقده، بشكل متزايد، من مصداقية في أعين المعارضة السورية.
وقد بدأت القيادة الروسية في إدراك حجم الأضرار التي تخلقها بنفسها لمصالحها على المدى الطويل جراء موقفها الحالي من سوريا. لذلك بدأت تسعى لتنسيق أقوى مع الدول العربية، أحرزت فيه بعضا من نجاح، تشي به خطة النقاط الخمس لروسيا والجامعة العربية لحل الأزمة السورية، التي أعلنت في 10 مارس (آذار). هذا فضلا عما حدث مؤخرا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011 من دعوة وزارة الخارجية الروسية أعضاء من المعارضة السورية إلى روسيا، وبدء انتقاد الأسد بشكل أكثر وضوحا وحزما. ومن الواضح بالطبع أن دعم موسكو لمهمة أنان والبيان الرئاسي يأتيان في إطار هذا الإدراك.
وحتى إن كانت تلك الخطوات لا تدل على تغير جذري في سياسة روسيا تجاه سوريا، بل مجرد خطوة تكتيكية للحد من الأضرار، فهي، مع ذلك، تفتح نافذة أمام الدول الغربية والعربية لإشراك روسيا في التوصل إلى حل توافقي للأزمة السورية. وهو ما يدعمه أيضا انتهاء حملة الانتخابات الرئاسية الروسية، التي صاحبها خطاب قوي مناهض لروسيا وللقوى العظمى، وصورة مغايرة، أقوى، للمعارضة السورية في أعين الدول الغربية (بما في ذلك انتهاكات حقوق الإنسان والتأثيرات الإسلامية). كل ذلك أفضى إلى ما نشهده من فرصة جيدة لجسر الهوة القائمة الآن بين رؤى الجانبين حول الأزمة السورية. وهناك عامل حاسم في هذا الصدد، يتمثل في مدى شعور روسيا بأن مصالحها يتم احترامها في المساعي التي تبذلها الدول الغربية والعربية في التوصل إلى حل مشترك. وهنا، يجب أن نضع دائما في اعتبارنا أن سياسة بوتين الخارجة تصدر عن براغماتية وواقعية أكثر مما تستند إلى الآيديولوجيا، وأن سوريا، هي أهم زبون لصناعة السلاح الروسية، فضلا عن أن القاعدة البحرية الروسية في طرطوس هي القاعدة البحرية الوحيدة الباقية من العهد السوفياتي (1971)، خارج فضاء ما بعد الاتحاد السوفياتي، كما أن روسيا ترى في سوريا المعقل الأخير المناهض للهيمنة الأميركية في المنطقة. لكل تلك الأسباب، فمن شأن تطمينات تقدمها المعارضة السورية باحترام التعاقدات القائمة مع روسيا (بما يضمن المصالح الاقتصادية والعسكرية الروسية) في حال تغيير النظام في دمشق، أن تمثل عاملا قويا لطمأنة روسيا لاحترام مصالحها، وهو الحال أيضا مع عرض من قادة دول الخليج بتوسيع علاقاتهم السياسية والاقتصادية مع روسيا. بالإضافة إلى ذلك، ومن أجل ضمان الحصول على دعم موسكو، ينبغي أن يستند أي حل للأزمة السورية، بشكل أساسي، إلى المقاربة الدبلوماسية البحتة. فالتدخل العسكري يمثل بالنسبة لروسيا خطا أحمر لأسباب مبدئية (وأيضا لأسباب متعلقة بتجربة الأزمة الليبية، التي تحول فيها الحظر الجوي إلى عملية لتغيير النظام) من شأنه أن يقوض أي فرصة للحصول على دعم روسي قوي.
* زميلة المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية
الشرق الأوسط