صفحات الناس

السّيران… عادة تغيبها حرب النظام على الدمشقيين/ جلال بكور، ريم إسلام

 

 

 

هواء وادي بردى ولفحات الزبداني وبلودان ودفء الربوة وهدوء الغوطتين الشرقية والغربية، كلها مناطق يعشقها الدمشقيون، فهي مناطق التنفس في أيام العطل، خصوصاً مع انتهاء فصل الشتاء وبداية الربيع في محيط العاصمة السورية.

ينطلق الدمشقيون عادة في فصل الربيع والصيف في عطلة نهاية الأسبوع نحو تلك المناطق حاملين معهم ما طاب من طعام وشراب، وأدوات التسلية، لكن اليوم حرم أهالي دمشق من تلك المتنفسات لانعدام الأمن والحرب والقصف والحصار الذي يفرضه النظام السوري على معظم تلك المناطق.

السيران الدمشقي

“السيران” مصطلح يختص به أهل سورية عامة والدمشقيّون خصوصاً، ويعني النزهة وفق كتب التاريخ ترجع تلك الكلمة العربية إلى أيام الدولة الأموية، وتعني الرحلة قصيرة المسافة، وتكون عبر الذهاب إلى البساتين المحيطة بدمشق التي يتوجه أهلها إلى الغوطة.

وتكون الرحلة بغرض الاستجمام والاسترخاء، والاهتمام بأصناف الطعام التي يتم تحضيرها في الطبيعة، وخصوصا الشواء. وتخرج العائلة بأكملها فيلعب الأولاد في الطبيعة الجميلة في ربوة دمشق بالقرب من مصبات نهر بردى أو بساتين غوطة دمشق الشهيرة، ويجلس الأهل للاسترخاء وتحضير الطعام بعد ذلك، ويشيع في السيران أيضا تدخين الأركيلة ووسائل التسلية المختلفة.

عادة تقليدية

يقول محمد الدمشقي في حديث مع “العربي الجديد” إن السّيران لدى الدمشقيين عادة تقليدية متوارثة عن الأجداد منذ زمن بعيد، إذ يبدأ السيران عند الاستيقاظ صباحاً ويتم تناول الفطور خارج المنزل على كتفي نهر بردى أو تحت أشجار الحور في الغوطة الشرقية.

ويتحدث الدمشقي عن فطور السّيران الذي يتكون بالعادة من الفول المدمّس والجبن البلدي والزيتون مع كأس من الشاي المعروف محليا بـ”أكرك عجم”، أما وجبة الغداء تتكون من السلطات وأنواع مختلفة من اللحوم المشوية، مثل الكباب وأحيانا يرافقها الكبة المقلية أو المشوية، ويتخلل وجبات الطعام تناول الحلوى الشعبية والفواكه المحلية.

وبينما تقوم النساء بتحضير الطعام يقوم الرجال بلعب النرد أو الاستمتاع بالعزف على العود والدف وغناء الأغاني الشعبية الشاميّة، وينتهي السيران مع غروب الشمس، إذ يعود الجميع إلى المنزل في انتظار سيران آخر في يوم جديد.

السيران الدمشقي اليوم

“ببساطة لم يعد فصل الربيع عند السوريين فصل النزهة”، تقول أم خالد الحموي، مضيفة في حديثها مع “العربي الجديد”، كنّا قبل ستة أعوام مع بداية فصل الربيع نخرج مع العائلة والجيران والأقارب إلى الطبيعة، لنقضي وقتاً بعيداً عن مشقة العمل في المنزل وضجة المدينة، كنا نقضي وقتاً ممتعاً نتواصل خلاله مع الأرض والطبيعة ونستنشق الهواء النظيف، كنا في كل جمعة نذهب إلى مكان أو بستان في الزبداني وبلودان وبقين ومضايا وغوطة دمشق ووادي بردى، ولكن كل هذه المناطق الآن أصبحت محرمة بسبب الحرب.

وتحدثت أم خالد عن أطفالها الثلاثة الذين لم يعرفوا حتى اليوم ما هو طعم التنزه والسيران الدمشقي، لقد بدأوا يكبرون ولم يلعبوا على الأراجيح في بساتين الغوطة، ولم يبللوا أقدامهم في ماء بردى الباردة كما أنهم لم يروا زهور اللوز والتفاح التي تلون الغوطة كل ربيع وتمتّع الناظرين.

كان زوجها أبو خالد صاحب ورشة لتصليح السيارات، في منطقة حرستا بالغوطة الشرقية، ولكن الورشة دمرت بسبب القصف على المدينة من قوات النظام السوري، والآن أصبح أبو خالد عاملا في محل للتصليح في منطقة البرامكة وسط مدينة دمشق، ولم يعد يفكر أبداً بالنزهات.

يقول أبو خالد “راتبي أربعون ألف ليرة سورية، لا يكفينا للأكل والشرب في المنزل فكل شيء أصبح غالي الثمن، ونحن لدينا ثلاثة أطفال، إن أردنا الخروج في نزهة فأقل تكلفة لعائلة مكونة من خمسة أشخاص هي 10 آلاف سوري، ولكن إن استطعنا الخروج إلى أين سنذهب فالغوطة دمرها القصف، ولم يعد هناك أماكن للنزهة وكل ما نفكر فيه الآن هو تأمين الأكل والشرب فقط لا أكثر”.

تكاليف الحياة أولى من السيران

باتت تكاليف الحياة في سورية صعبة نتيجة غلاء الأسعار وشح فرص العمل إضافة لانخفاض سعر الليرة السورية، وتشرح وفاء معلولي لـ”العربي الجديد” صعوبة خروجهم كعائلة في سيران، وتقول: “إذا أردت أن تشوي كيلو لحم واحدا عليك أن تشتري الكيلو بـ5.5 آلاف ليرة سورية وتكاليف الشوي والخضار المرفقة قد تصل إلى عشرة آلاف ليرة، وأنا وزوجي لدينا طفل فقط نحتاج كيلو واحدا، وراتب زوجي الشهري 35 ألف ليرة فقط، لذلك لا نخرج إلى السيران”.

وتحدثت وفاء عن كيفية الخروج في السيران في حال قمت بطهي طعام في المنزل وحملته إلى مكان السيران “فأنت تحتاج إلى تكلفة سيارة نقل أكثر من ألف ليرة وأجار مكان السيران عن كل شخص 200 ليرة سورية، راتب زوجي من دون سيران لا يكفينا فكيف إذا قمنا بالسيران سنكمل الشهر جياعاً”.

استغلال التجار وأصحاب المطاعم

تحدثت “العربي الجديد” مع مسؤول في مديرية التموين في ريف دمشق، وأوضح أن الاستغلال الذي يمارسه التجار وأصحاب المطاعم فضلاً عن ارتفاع الأسعار يقف حاجزا بين المواطنين والرفاهية في ريف دمشق، حيث أنّ تسعيرة كيلوغرام اللحم المشوي من مديرية التموين هي خمسة آلاف ليرة سورية، بينما يقوم أصحاب المطاعم بزيادة السعر إلى سبعة آلاف.

وأضاف المصدر الذي فضل عدم الكشف عن اسمه: “الاستغلال جعل الرفاهية في ريف مشق مرتبطة بنوع محدد من الناس وبطبقة وحيدة هي طبقة الأغنياء، بينما الفقراء حرموا من تلك الرفاهية التي كانت رفاهية روتينية وليست رفاهية حقيقية”.

اليوم إذا ذهب أربعة أشخاص إلى مطعم في الربوة مثلاً تراهم يشتركون على شراء نرجيلة واحدة وليس مثل السابق، حيث كان كل شخص يأخذ نرجيلة بمفرده بسبب غلاء سعرها الذي وصل إلى ألف ليرة تقريبا.

فاتورة المطعم

قد تصل فاتورة المطعم وفق مصدر من مديرية التموين في ريف دمشق إلى أكثر من مئة ألف ليرة سورية، ما يعني راتب موظف في مؤسسات النظام لمدة أربع شهور أو أكثر، إذ بلغ ثمن علبة الماء ربع لتر 150 ليرة سورية، كما بلغ سعر وجبة الشاورما السورية. وبلغت علبة كريم الثوم الصغيرة أيضا 150 ليرة سورية، بينما علبة البطاطس المقلية 200 غرام، بلغت سعر 200 ليرة سورية، وهي أسعار مرتفعة مقارنة بدخل المواطن.

فقدان الأمن والحصار والتهجير

تعرّضت منطقة الربوة مؤخراً لهجوم من قبل انتحاري ولم تتبين حجم الخسائر الناتجة عن ذلك الهجوم، لكن الهجوم دفع بالدمشقيين إلى عدم الذهاب إلى المنطقة التي تعد من أكثر المناطق إقبالا للمواطنين في ريف دمشق ومدينة دمشق، حيث تكون مياه نهر بردى تتدفق في موسم الفيضان.

أما بالنسبة للغوطة الشرقية والتي كانت أيضا من بين المناطق التي تزدهر فيها النزهات في فصل الربيع والصيف، فتعيش حصارا من قوات النظام منذ أكثر من ثلاثة أعوام تخللته معارك عنيفة وقصف ومجازر ارتكبتها قوات النظام السوري والطيران الروسي.

كذلك في وادي بردى وبلودان والزّبداني وسرغايا والتي تعد مصايف لأهل دمشق وريف دمشق، والتي تحاصرها قوات النظام السوري ومليشيا حزب الله اللبناني وتقصفها بين الحين والآخر، وانتهى ذلك الحصار بتهجير السكان إلى شمالي سورية.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى