الشباب روح الثورة
معتز حيسو
يشكّل الشباب غالبية السكان في كافة البلدان العربية،و من البداهة بمكان أن يكون الشباب، أكثر ديناميكية، وأكثر ميلاً للتغيير، بحكم طبيعتهم وتركيبتهم العصبية والنفسية والعقلية. لكن طبيعة الثقافة والوعي التي اشتغل النظام السياسي على تكريسها اجتماعياً، ساهمت إضافة لأسباب أخرى إلى عزوف الشباب و شرائح اجتماعية كبيرة عن المشاركة في القضايا الاجتماعية العامة ذات الصلة بالشأن العام. لكن النهوض العربي الذي هبت رياحه من تونس، أكد لجميع من كان يراهن على غياب دور الشباب عن ساحة الفعل السياسي، بأن الشباب العربي ولا يستثنى منه الشباب السوري، رمى خلفه وعن كاهله مخلفات الوعي والثقافة التي اشتغلت على تكريسها السلطات السياسية، ليتحول في لحظة الثورة إلى إنسان آخر، إنسان يولد من جديد، وليس هذا فقط ، بل يشتغلون لبناء ذاتهم ووعيهم على أسس ديمقراطية، تتناقض مع ما كانت تؤسس له الجهات الرسمية، وهذا يستدعي التأكيد على أن الشباب في اللحظة الراهنة يقطعون معرفياً مع كافة أشكال الوعي والثقافة الأحادية الاستبدادية التي اشتغل النظام السياسي المسيطر لفرضها بالقوة والإكراه. إذاً: فإن تجليات الوعي الثوري الذي يتأسس في ساحات الفعل الثوري، يتناقض مع شكل الوعي المسيطر حتى اللحظة، وهذا يؤكد أننا أمام ولادة مجتمع ووعي وثقافة من طراز جديد، وهذه الولادة لن تكون بالبساطة والسهولة التي يمكن أن يتخيلها البعض. إذ أن المخاض الذي نلحظ تجلياته، سوف يواجه مقاومة من كافة مكونات وأشكال الوعي البائد، الذي سوف يزول تأثيره مع زوال الأشكال السياسية الشمولية والأحادية التي كانت تشكّل له القوة المادية التي تؤمن استمراريته. أي أن وضع المقدمات الأساسية لبناء التجربة الديمقراطية بقدر ما ستساهم في بناء وعي جديد، فإنها تحتاج إلى الوعي والفكر الذي يتشكّل في ساحات الحرية. ومن المعلوم بأن الإنسان بطبيعته يقاوم التغيير، أو أنه بالحد الأدنى لا يفضله، لأن الإنسان عدو ما يجهل، ولأنه يفضل ما تعود عليه. لكننا نعلم بأن الجهات الرسمية والأوصياء على الفكر والتفكير يكرسون هذا الميل، ويعملون على قمع من يتجرأ على القطع أو رفض أشكال التفكير السائدة، التي بدأ نجمها يأفل نتيجة لتعمّق وتوسع تأثير الانتفاضة الشعبية. وبات من الواضح بأن من تعلم كيف يصرخ للحرية، لم يعد يخشى القمع. ولأن الشباب هم وقود وهم من يقود التغيير، فإنهم هم من سيبني الوعي الجديد، لأنهم يرفضون الركود والإستنقاع، ولأنهم يميلون للتغيير بطبيعتهم، وتتعزز هذه الحالة بحكم النهوض الشعبي السلمي الذي يعيشه المجتمع السوري.
لكن الوعي الجديد، لن يكون بالمطلق رفضاً وقطعاً مع كل ما هو كائن، بل سيتجلى من خلال تفاعل وتناقض قوى مادية/بشرية/ تعبّر عن المنظومات المعرفية والسياسية المتباينة، ويتجلى هذا التفاعل، على قاعدة التعددية الثقافية والسياسية. إذاً فإن بناء الوعي الجديد سيكون نتيجة لصراع فكري وسياسي على قواعد وأسس ديمقراطية. وإذا لم يتشكّل على هذه الأسس، فإنه سيكون تكريساً لوعي أحادي استئصالي تكفيري، وهذا ما يجب العمل على مواجهته. إذاً فإن اللحظة الراهنة تفترض تكريس الأسس الديمقراطية السياسية والاجتماعية، لبناء وعي ديمقراطي. وحتى لو كان الشباب يشكلون جزءاً من المنظومة المعرفية السائدة، فإن النهوض الشعبي سيساهم في تخليصهم من رواسب التفكير الأحادي، ويفرض عليهم تحمّل مسؤولياتهم في بناء المستقبل. وكما بات واضحاً فإن الشباب يتجاوزون الواقع ويسابقون الزمن لبناء وعيهم ومستقبلهم الجديد. لكننا يجب أن ننوه بأن بناء الوعي الجديد يجب أن يتأسس ليس فقط على القطع مع البالي من الأشكال الثقافية التي كانت وما زالت سائدة، بل يجب أن يتشكّل في سياق تمكين المقدمات الأساسية للوعي الديمقراطي العلماني والتنويري الذي ناضلت النخب الثقافية والسياسية من أجل تكريسه اجتماعياً،لكن إجهاضه كان يتم بقوة من يقاوم التغيير وقوى التغيير.
لذا فإن مواجهة الشباب، وقتل مشروعهم، يُعتبر قتلاً للشباب وروحهم. ولأنهم يشكلون روح التاريخ وقلبه وعقله، فإن هزيمتهم تعني قتلاً للتغيير وهزيمة للتاريخ. ونعلم بأن الشعب هو من يرسم ملامح التاريخ، وإذا كان الشباب يشكلون طلائع الشعب الثائر ضد الظلم والقمع والفساد والاستغلال والاضطهاد واحتكار السلطة، فإن هزيمتهم تشكّل هزيمة للشعب و التاريخ. عندئذ لن يبقى سوى الإنسان المهدور العاجز عن بناء المستقبل. ومع هذا فإن منطق التاريخ يؤكد بأن الشعب لا يُهزم ، وبالتالي فإن الشباب لن يُقهر.