الشعراء السوريون والثورة
عمر سليمان
شاعر أمام شارع يتغير، وثورة تشتعل أمام قصيدة تطورت وتحدََّثت في ظل الاستعمار والاحتلال وقمع الأنظمة والمصطلحات المستوردة، فكيف كان تأثر الشعراء وتأثيرهم في هذه الثورة التي أشعلتها الطبقة المسحوقة في بلد يتميز بغزارة الشعراء وتجاربهم المختلفة؟.
لا يعني التفاعل مع الثورة أن يرجع الشعراء إلى قصيدة الحدث أو اللغة المباشرة اللتين ألغتهما الحداثة الشعرية، بل يعني مدى التجديد في القاموس اللغوي وبنية القصيدة وانتمائها إلى وجدان الناس الذي بدأ يأخذ طابعاً جماعياً أكثر حرارة وحيوية في واقع تتغير فيه طريقة التواصل بين الناس وتنشأ علاقات جديدة مبنية على الحرية الفكرية والوعي والرفض الذي لم يعد في الكتب فحسب بل في الواقع أيضاً، وكيفية هذا التفاعل لا تكون بالقواعد والنقد والتنظير بل بحدس الشاعر ومدى حساسيته.
بلا شك أثرت الثورة على النشاطات الشعرية من مهرجانات وأمسيات، تلك النشاطات التي أجبر النظام القائمين عليها أن تكون تحت قبضته الأمنية سواء في مركز ثقافي أو مقهى، لذلك بدت في أغلبها منهكة وخاملة ولا تجذب إليها إضافة إلى الشعراء المشاركين سوى مدير المركز أو المقهى مع الأصدقاء، أنشطة خالية من الابتكار والاهتمام الكافيين، لكن تأثير الثورة الأهم ليس في الأنشطة الشعرية بل في اللغة الشعرية، ثم بمواقف الشعراء من هذه الثورة.
بالتأكيد غير مطلوب من الشاعر أن يقدم موقفاً سياسياً خصوصاً إذا لم يكن يملك رصيداً في هذا المجال، فالشاعر ليس سياسياً أو ثورياً بالضرورة، لكن الغريب أن يتجاهل ما يحدث كشاعر، قائلاً إن قصيدته بمنأى عن الأحداث الآنية، مع أن ما يحدث ليس آنياً على الإطلاق، بل هو تغيير مفصلي وجذري في المجتمع، ما يحدث يعيد للإنسان كرامته، وهو يغير نظرة المواطن إلى نفسه أولاً، فبعد أن كان مستورِداً وتابعاً أصبح فاعلاً ذا إرادة يصنع المستقبل ويحدد كيفية التغيير، والشاعر الذي يتفاعل مع ما يحدث لن تكون بينه وبين اليأس والندب والتبعية للحداثة الغربية والتي سادت القصيدة العربية منذ محمد علي حتى مطلع 2011 أواصر علاقة وطيدة ومزمنة، كما لن يكون لنظرة الانبهار والدهشة والتعظيم للأجداد والغرب في ظل الهزائم والإحباط الذي يعيشه مكان بعد أن اتفقت حياته مع الشعر الذي من سماته الرفض والتجديد.
بعض الشعراء السوريين نزلوا إلى الشارع كسائر الأحرار، وبعضهم تأذى واعتُقل، وبعضهم ممن يمتلك رصيداً سياسياً قام بأداء دوره في هذا المجال، في حين كتب البعض شعراً بما يحدث، وانخرط البعض الآخر بأداء موقفه عبر موقع التواصل، وبقي شعراء آخرون صامتين على الحياد، وبغض النظر عن سبب الصمت فإن للشاعر حرية الرؤيا و الغوص في أسباب ما يحدث وما سيحدث، وتحديد كيفية تعاطي جمهوره مع الشعر في المستقبل، فالجمهور الذي يتغير في هذه اللحظات التاريخية لم يترك حجة للشاعر كي يتهمه بقلة الثقافة والوعي، وكيف يكون الشاعر أكثر وعياً من جمهورٍ يطالب بتغيير نظامه القامع تحت وابل الرصاص؟، صحيح أن تغيير النظام لا يكفي – على حد قول أدونيس-؛ بل لا بد من تغيير البنية الاجتماعية والاقتصادية حتى نصل إلى المجتمع الحر، إلا أن تغيير هذا النظام خطوة أولى يقوم بها الشعب للوصول إلى ذلك المجتمع، لأن النظام لم يترك أية فرصة للتغيير في ظله، وحين ينتهج الشاعر طريق الأستذة كما فعل أدونيس برفضه خروج المظاهرات من الجوامع كي لا يختلط الدين بالسياسة فهذا نوع من الإملاء السطحي على الانتفاضة الشعبية، ولأدونيس أن يرى ما يريد كشاعر أمضى عمره في الحداثة والاختلاف؛ لكن ألم يرَ أدونيس أن النظام بقبضته الأمنية منع تجمع الناس في أي مكان سوى الجامع، إضافة إلى أن توقف هذه المظاهرات عن الخروج يعني عودة الشعب السوري 100 عام إلى الوراء وعودة النظام أكثر بطشاً وقمعاً، هل يريد أدونيس حدوث ذلك فقط لأن المظاهرات تخرج من الجامع!، علماً بأنه سبق لأدونيس أن قال عن الشارع العربي إنه انقرض، لكنه لم ينقرض، بل عاد وخرج وفجر الصفيح وطالب بحريته، وهذا الجمهور نفسه سيفرض على الشاعر أن يتغير معه وإلا فلن يجد من يسمعه في المستقبل الذي يتحول إلى تاريخ، لأن نظرة الجمهور إلى الحياة بدأت تأخذ شكلاً أكثر تفتحاً وإدراكاً، وبالتالي فإن القصيدة التي لا ترتقي إلى مستوى هذا الإدراك ستبقى قصيدة خاملة وبعيدة عنه.
ثمة حداثة مختلفة تُصنع الآن، وثمة وقت لتطوير اللغة وإيجاد آليات جديدة للقصيدة، كثير من الشعراء ممن عمدوا إلى الإبهام قالوا إن زمناً سيأتي وسيفهمهم الناس به، فهل جاء هذا الزمن؟، أم أنهم ينتظرون زمناً آخر؟.
‘ شاعر من سورية
القدس العربي