صفحات الناس

الشعيطات.. عشيرة تذوقت طعم الإبادة/ جلال زين الدين

 

 

بكت عشيرة الشعيطات في الجزيرة السورية، بصمت، قبل أيام، بعد أن وجدت 250 من أبنائها جثثاً متحللة، في مقابر جماعية. عادت لتضع ملحاً على جرحها الذي لم يندمل. عقدت العشيرة صلحاً مع تنظيم الدولة الإسلامية، بعد حرب كلفتها أرواح المئات من أبنائها.

عادت الشعيطات من رحلة النزوح، مع رائحة موت أتباعها. يقول أحد أبناء العشيرة ويدعى محمد: “ذبح، رصاص من الخلف، جثث متحللة في مكان نسميه الحاوي من جهة البرية بداية القرية وداخلها، وفي البيوت والأراضي الزراعية”.

ويُرجع البعض ما حصل مع الشعيطات، إلى ثارات وأحقاد دفينة في صدور البعض ممن بايعوا التنظيم، مستغلين انتماءهم الجديد للثأر، يقول محمد: “سيطرت داعش على كل شيء بما في ذلك آبار النفط، وعُقد اتفاق سلام ينص على عدم اعتقال أحد من الشعيطات، لكن جاءت عناصر من التنظيم لاعتقال حمدان الحميد العليان، بدافع الثأر القبلي، منه ومن أهله”. وحمدان من الشعيطات، وكان قد عاد إلى سوريا قبل شهر من الحادثة، بعد غياب لأربع سنوات، يتابع محمد: “شعر حمدان بأنهم يريدون الثأر منه وقتله، فقاومهم بسلاحه حتى أصيب ثم تمت تصفيته في بيته”، فكان مقتله الشرارة التي أشعلت البركان ضد داعش. والتنظيم كما يروي محمد: “اعتقل إخوان حمدان وأولاد عمومته الذين خرجوا على أصوات الرصاص، فثارت القرية لقناعتها أنَّ الأمر عبارة عن ثارات وأحقاد قديمة، فحملوا السلاح وحرروا المعتقلين، وقتلوا عناصر التنظيم الموجودين حينها في المقر، وعددهم 11 عنصراً، فرد التنظيم بقتل كل عمال النفط والمعتقلين من الشعيطات، لتبدأ حرب ضروس”.

وتنفي الشعيطات أي دور للنفط في صراعهم مع التنظيم، فقد تمّ تسليم آبار النفط والأموال إلى التنظيم قبل المعركة. ويُعتقد بأنّ عناصر محلية من عشائر منافسة للشعيطات، ترقوا في تنظيم الدولة وصاروا أمراء، ويحملون حقداً على الشعيطات، يذكر محمد: “عامر الرفدان من قرية خشام، وصدام الجمل من قرية الرخيتة في البوكمال، ومحمود المطر من القورية إضافة لأبي عبدالله الكويتي، هؤلاء هم رأس الشر”.

في المقابل، تُتهم الشعيطات بسرقة النفط، وأعمال السلب والتعدي على الآخرين، والعمالة للنظام السوري. وينفي أنصار التنظيم وجود أي ثارات أو أحقاد شخصية، بدليل وجود عناصر من الشعيطات في صفوف الدولة الإسلامية، وكانوا أول القتلى الذين سقطوا في المواجهات بين الطرفين. يقول الشرعي في التنظيم، أبو محمد الأنصاري: “استغل بعض الشعيطات الفراغ الأمني فسيطروا على آبار النفط، دون أن يكون لهم أية علاقة بقتال نظام البعث النصيري فكان همهم ملء الجيوب لا غير”. ويتابع أبو محمد: “لم يكتفوا ببيع النفط للنظام النصيري، بل استخدمهم النظام كرأس حربة للوقوف بوجه مشروع الخلافة الإسلامية، وهم الآن في جيش الشبيحة (الدفاع الوطني). فهؤلاء ليس لهم علاقة بالثورة، ولو كان الأمر ثأراً شخصياً لما قاتلهم أبناء الشعيطات أنفسهم”.

ولا تنفي الشعيطات وقوفها ضد مشروع التنظيم، بل يفخر أبناؤها بذلك، حين رفضوا مبايعة التنظيم وتقسيم سوريا. يقول أحد أبناء الشعيطات، إبراهيم: “وقفنا مع الشحيل ستة أشهر شوكة في حلق التنظيم، ومشروعه التقسيمي”، ويتابع: “سارت المعارك بداية لصالحنا، فحررنا أربع قرى، قبل أن ينصب التنظيم المدفعية ويبدأ بالقصف الذي هجّر الأهالي إلى قرى البوكمال والميادين، وبقي الشباب. لكنّ تسلل التنظيم للداخل عبر الدواعش المحليين ونشره للقناصة كسر ظهورنا”. وتزعم الشعيطات أنّ قتلاها من المعتقلين والمدنيين، الذين لا علاقة لهم بالقتال، يتابع إبراهيم: “معظم القتلى من المعتقلين وجلهم من الأبرياء. فقسم من الأهالي بقي في القرية ورفض الخروج، معتقداً أنّ التنظيم لن يمسه بأذى لكونه لم يشارك بقتالهم، وقسم آخر اعتقلهم التنظيم في المناطق التي نزحوا إليها”. ويقول إبراهيم: “المئات الذين سقطوا قتلى هم من المدنيين الأبرياء، أما من المقاتلين فلم يتجاوزوا العشرات”. وتؤكد الشعيطات بسالة رجالها، وقتلهم للمئات من عناصر التنظيم، ما يفسر حجم حقد التنظيم على المدنيين منهم، من وجهة نظرهم. يقول إبراهيم: “قتلنا من كتيبة البتار وحدها 148 باعتراف التنظيم، وقاومناهم في مركدة والصور، وقتلنا المئات، وهجموا من العراق نحو البوكمال، وأخرجناهم ثلاث مرات، وقتلنا الكثير منهم”.

عودة الشعيطات لقراهم، كانت بشروط مجحفة؛ فحُظرت عودة كل من قاتل التنظيم، وكل من كان مؤيداً لقتاله أو مشجعاً له، وتعهد كل بيت بإحضار بندقية مع أربعة مخازن مذخرة. يقول محمد: “وبهذه الطريقة جمعوا ما بقي من سلاح”. وتمت عودة الشعيطات على مراحل، حيث يتوزع الشعيطات على ثلاثة مناطق؛ غرانيج، الكشكية، أبو حمام، ويقدر عددهم بـ130 ألفاً، عاد منهم حتى الآن قرابة 70 ألفاً من الغرانيج قبل عشرين يوماً، والكشكية منذ أربعة أيام، وبقي أهالي أبو حمام التي كانت المسرح الأساسي للمعارك. وهنا يتخوف الأهالي من صدمة العودة، يقول محمد: “عندما عدنا لغرانيج والكشكية وجدنا مئات الجثث، ونتخوف أنّ نجد المئات عند عودتنا لأبو حمام، ولا سيما أنها كانت مركز المعارك، وجذوة الحراك ضد التنظيم”.

ويرى متابعون من أهل المنطقة أنَّ أصابع استخبارات عديدة، كان لها أثر واضح في المجازر التي استهدفت الشعيطات، فإعدام الرجل القوي في التنظيم أبو عبد الله الكويتي، وصلبه، بتهمة العمالة للمخابرات الغربية، دليل على ذلك. يقول محمد: “الحقد الذي تمّ إفراغه على الشعيطات تجاوز الثأر، فهناك أياد خارجية اخترقت الطرفين، وأذكت الصراع ليصل إلى مرحلة الفناء، ويبدو أنّ التنظيم شعر بذلك، وهذا ما جعله يسمح بعودة الأهالي”. يؤكد محمد: “لو لم يُكشف أمر أبو عبد الله الكويتي لاستمرت المجازر لليوم، ولما سمح التنظيم بعودة الأهالي”.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى