صفحات الناس

الصحافيون المخطوفون في سورية: المصير المجهول

 

 

بيروت، نواكشوط ــ ليال حداد ومحمد فال الشيخ

المشهد نفسه، القاتل نفسه، والقتيل يكاد يكون هو نفسه أيضاً. هو صحافي أجنبي، سواء أكان اسمه ستيفن سوتلوف أم جايمس فولي، لا يهمّ. هذه المرة فُتح ملف الصحافيين الأجانب المخطوفين في سورية على يد التنظيمات المتطرّفة، “داعش” تحديداً، على مصراعيه.

أين هم؟ ما هي شروط إطلاق سراحهم؟ لما اختطفوا في الأساس؟ لا أجوبة عن كل هذه الأسئلة.

سمير كساب وإسحق مختار

عشرة أشهر مرّت بأيامها ولياليها على اختطاف المصوّر اللبناني سمير كسّاب في سورية وزميله المراسل الموريتاني إسحق مختار، وحتى الساعة لا معلومات جديدة عنهما.

كان ذلك في الخامس عشر من شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، عندما أذاعت قناة “سكاي نيوز عربية” خبراً عاجلاً من سطرين على شاشتها: “فقدان الاتصال بطاقمنا في سورية منذ 15 أكتوبر 2013”. عشرة أشهر مرّت وعائلتا الصحافيين العربيين تنتظران. تنتظران أي خبر عن الشابين اللذين فقدا في ريف حلب أثناء قيامهما بعملهما.

لكن الأخبار هي مجرّد شائعات وأحاديث متناقلة من دون أي مصدر: فهما تارة معتقلان في حلب على يد “جبهة النصرة”، وتارة أخرى تصل أخبارهما من الرّقة، حيث يعتقلهما مقاتلون من “تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام”. لكنّها كلها أخبار لا تستند إلى أي حقيقة. فحتى الساعة لم يتبنّ أي تنظيم عملية الاختطاف.

“لا نزال ننتظر حتى الساعة”، يقول جورج إسحق، شقيق سمير، لـ”العربي الجديد”، ويؤكّد أن لا معلومات جديدة حتى الساعة، وإن كانت العائلة تعلّق آمالاً كبيرة على الجهود التي يقوم بها المدير العام للأمن العام، اللواء عباس إبراهيم. “اللواء إبراهيم وعدنا خيراً، ويؤكّد أن الوساطات مستمرّة لإطلاق سراح سمير وإعادته إلى لبنان في أقرب وقت”. ويضيف: “نحن لا نعرف مَن اختطف سمير وإسحق، ما نعرفه أنّه يوم اختفائهما كانا في ريف حلب، وكان مقاتلون من داعش يسيطرون على المنطقة وقتها”. لكنّه يعود ويؤكّد أن أي جهة لم تتبنّ عملية الاختطاف “فنحن لا نعرف أين هو اليوم؟ وماذا يريد الخاطفون”.

وماذا عن دور “سكاي نيوز عربية”، وهي الفضائية التي كان كساب وزميله يعملان لصالحها في سورية؟ “المحطة تعمل كل ما في وسعها للوصول إلى حل، وعودة سمير وإسحق إلى الحرية، وهي حتى مستعدة لتلبية مطالب الخاطفين بهدف عودة طاقمها سالماً، لكن لا أحد عرض شروطاً لإطلاق سراحهما بعد”.

بالشوق نفسه، بالقلق نفسه، وبالخوف الذي يتآكلها منذ ظهور شريط جايمس فولي، تنتظر عائلة المراسل الموريتاني إسحق مختار عودته سالماً. يقول عبدالله ولد، شقيق إسحق، إنّه “كان يقوم بتغطية إعلاميّة إنسانيّة بحتة، حيث اعتُقل في عيد الأضحي المبارك وهو يقوم بتغطية معاناة أطفال سورية وعائلاتها في يوم العيد”. ويضيف: “كانت كل التقارير التي أرسلها هي تقارير إنسانيّة بحتة تظهر معاناة الشعب السوري في ظلّ الحرب”.

يوضح عبدالله أنّ المعلومات التي تصلهم تقول فقط إنّ مختار يُعامل معاملةً حسنة من قبل الخاطفين. ويضيف في حديث مع “العربي الجديد”: “الحكومة الموريتانية تقول إنها تقوم بمساع جدية لإطلاق سراحه، لكن حتى الساعة لا شيء ملموساً”. لكن في مقابل الفتور الحكومي، يؤكد عبد الله أن الجسم الصحافي الموريتاني لم يهدأ منذ عشرة أشهر، “وحالياً صورة إسحق مثبتة على كل القنوات التلفزيونية الموريتانية وأيضاً الإعلانات والبرامج والوقفات والمسيرات”.

رفاق في المأساة

يوجّه شقيق إسحق نداء استغاثة إنسانياً لكل إنسان في العالم، وإلى كل من يمكنه أن يُساعد في الإفراج عنه. كذلك عائلة كساب، التي تُحاول جمع معلومات عن فقيدها من الصحافيين الذين كانوا مختطفين في سورية وأُطلق سراحهم. وبينما تعدّ عائلتا سمير كساب وإسحق مختار الثواني والدقائق والساعات على غيابهما، يتابع “مركز سكايز” للحريات الصحافية في بيروت جمع كل المعلومات حول كل عمليات الخطف في سورية، لتقديمها إلى الجهات المختصة. “نعمل على توثيق عملية الخطف، وتوثيق كل المعلومات المرتبطة بالمخطوف وبظروف الاختفاء، ونقدمها للجهات المعنية، أي السلطات اللبنانية، إذا كان المخطوف لبنانياً، أو السفارات الأجنبية إذا كان الصحافي المفقود أجنبياً”، يقول أيمن مهنا، مدير المركز لـ”العربي الجديد”. ويؤكّد أن خمسة صحافيين أجانب مخطتفون حالياً في سورية، إلى جانب عدد آخر من الحالات “لا نكشف عن أي تفاصيل مرتبطة بهم نزولاً عند رغبة عائلاتهم، وحفاظاً على سلامتهم”.

ويذكر أن بين الحالات التي رافقها تعتيم إعلامي كانت قضية الصحافي ستيفن سوتلوف الذي ذبحه “داعش” أخيراً. يعمل المركز حول توثيق كل عمليات الخطف، مع عدد من المنظمات التي تعنى بحقوق الصحافيين حول العالم، وأبرزها “مراسلون بلا حدود”، و”مركز حماية الصحافيين”، و”روري باك”. أما حصولها على المعلومات وتوثيق عمليات الخطف “فيتمّ من خلال مجموعة من الناشطين الإعلاميين والمدنيين في الداخل السوري، إلى جانب عدد من الصحافيين الأجانب الذين يعملون في سورية، ثمّ يخرجون منها إلى الدول المجاورة كلبنان وتركيا…”.

خمسة أجانب

توثّق الجمعيات التي تعنى بحقوق الصحافيين حول العالم خمس حالات اختطاف لصحافيين لا يزالون مفقودين حتى الساعة في سورية. ويبقى عميد الصحافيين الأجانب المفقودين هو الأميركي أوستن تايس، الذي أكمل قبل أيام قليلة عامه الثاني في الاعتقال. من اختطفه؟ هنا أيضاً لا أحد يستطيع الجزم، كل ما نعرفه هو أن تايس فقد في داريا بعد دخوله إلى سورية عبر الحدود التركية. هو الذي يعمل صحافياً حرّاً، مع عدد من وسائل الإعلام الأميركية، بينها “واشنطن بوست”، و”ماك كلاتشي”. وقد كتب قبل اختطافه بأيام على حسابه على “فيسبوك” إنّه “سعيد أكثر من أي وقت مضى في عمله في سورية”.

الصحافي الثاني هو الفلسطيني المقدسي بشار القدومي مدير مكتب قناة “الحرة” في تركيا، الذي اعتقل على مشارف حلب مع زميله المصور التركي جنيد أونال في عشرين آب/أغسطس 2012. أطلق سراح أونال، فيما بقي القدومي معتقلاً. كل أصابع الاتهام توجّه إلى النظام السوري، لكنّ هذا الأخير ينفي أن يكون القدومي في سجونه.

كذلك اختطف المصوّر والمدوّن الروسي، قسطنطين زورافليف، الذي كان يعبر سورية في طريقه بين تركيا ومصر. اتّهمته جماعات إسلاميّة بالتصوير والتجسّس لصالح النظام. ومنذ ذلك اليوم في سبتمبر/أيلول 2013 اختفت أخباره. وإلى جانب هؤلاء الصحافيين هناك سمير كساب وإسحق مختار.

أما باقي المخطوفين، ففضّلت عائلاتهم عدم التداول بملفّاتهم في الإعلام حفاظاً على سلامتهم، وهو ما التزمت به كل المنظمات الحقوقية حول العالم.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى