الصراع في سوريا وليس عليها
صلاح بدرالدين
بعد الاذن من الكاتب البريطاني المتخصص بالشؤون السورية السيد – باتريك سل – فان سوريا تشهد الآن صراعا محتدما فيها وليس عليها ويدور رحاه بين السوريين بمختلف مكوناتهم وأطيافهم يتصدرهم جيل الشباب من طرف والنظام بكل مؤسساته وأدواته وأجهزته القمعية من طرف آخر ولكل منهما مشروعه وثقافته وخطابه السياسي بين من يبحث عن سبل التغيير الديموقراطي السلمي وتحقيق عملية الانتقال الى اعادة بناء الدولة التعددية لكل مواطنيها في ظل دستور يضمن مشاركة وحقوق الجميع ويوفر الحرية والاستقرار ويصون الكرامة الوطنية وبين من يواجه ارادة الشعب ويرفض التغيير والاحتكام الى صناديق الاقتراع ويصر على التحكم الفئوي والحزبي بالسلطة والثروة والتسلط القمعي الأمني وسيلة لارضاخ الشعب واذلاله بالقوة العسكرية .
من الواضح أن الطريقة التي يدير بها النظام الأزمة أي الصراع ضد الشعب ليست جامدة بل في تبدل ففي أعقاب الخطاب الأول لرأس النظام في مجلس الشعب تم وضع رزمة من الخطط الامنية والاعلامية مالبثت أن انكشفت زيفها ولاقت الفشل الذريع أمام الحقائق الدامغة التي أفرزتها الانتفاضة الوطنية الشاملة ومن أبرز معالم الاخفاق الرسمي ما ظهر من بطلان الادعاءات في المجالات التالية :
أولا – بخصوص مرسوم رفع قانون حالة الطوارىء لم يكن سوى مجرد اعلان دعائي لأن المعتقلين والمحكومين بموجب ذلك لم يطلق سراحهم ولم يتم ابطال مانجم عنه منذ عقود وتبعت المرسوم آلاف حالات الاعتقالات والخطف في جميع المناطق بدون مذكرات جلب قضائية اضافة الى جرائم القتل التي بلغت أكثر من ستمائة أما قصة – تجنيس – المواطنين الأكراد كما جاء في مقدمة خطاب رأس النظام بمجلس وزرائه فقد كانت قمة الرياء والتضليل واللعب بالكلمات حيث لم تعاد الحقوق المسلوبة ولن تعاد لأن أسماء المحرومين الثلاثمائة ألف من المواطنة لأسباب عنصرية لم ولن ترد في – سجلات الحسكة – كشرط – للتجنيس – وليس لاعادة الجنسية أما آثار ونتائج قرارات محكمة أمن الدولة العليا فمازالت قائمة من دون تبديل .
ثانيا – كثيرا ماتغنى النظام بتشكيل الحكومة الجديدة كخطوة – اصلاحية – ولكنها جاءت في سياق الخطة الأمنية – الاعلامية التي أشرنا اليها باتجاه المزيد من – البعثنة – وغلبة الطابع الأمني كتعبير عن المضي قدما في الحل العسكري الذي يطبق فعليا في درعا وريف دمشق وبانياس وحمص ومرشح للتعميم في كل المناطق .
ثالثا – بخصوص مزاعم التدخل الخارجي الامبريالي لمصلحة الانتفاضة الشعبية فان مواقف الغرب وامريكا تفندها فقد وقفوا صامتين بل متهاونين مقارنة بالموقف من تطورات تونس ومصر واليمن وليبيا أما اسرائيل فقد مالت الى خيار بقاء النظام الحالي واقتصر التدخل الخارجي على الجار التركي الحليف للنظام والمرتبط به باتفاقيات أمنية وسياسية وذلك بناء على طلب النظام وهناك روايات عن فيلق القدس ومقاتلي حزب الله وطلب موقف داعم من رئاستي العراق وروسيا وفنزويلا وجماعات لبنانية موالية ولم يستدعي الشعب السوري أية جهة خارجية طلبا للمساعدة سوى الرأي العام الحر الديموقراطي .
رابعا – مزاعم حول عصابات مسلحة تقتل عناصر الجيش والشرطة في حين أن الضحايا من الجنود وبعض المراتب استشهدوا برصاص قوات الأمن – السيكوريتاتيا – وقوات الفرقة الرابعة وهناك أدلة حية وموثقة على الأقل بما يتعلق بالضحايا من العسكريين الأكراد الذين بلغوا أكثر من سبعة عشر حالة حتى الآن تثبت تورط قوى الأمن والشبيحة ومسلحو ماهر الأسد في تصفيتهم لأنهم رفضوا اطلاق النار على المتظاهرين في حوران وريف دمشق .
خامسا – أما مزاعم اتهام الانتفاضة بالنزعة الطائفية فان الحقيقة الموضوعية تفند ذلك وتثبت العكس تماما حيث يدفع النظام القائم أساسا عليها باتجاه تسعير الطائفية كما ظهر في حالات بانياس واللاذقية وحمص وذلك بغية ترهيب أبناء الطائفة العلوية الكريمة ومحاولة جرها الى جانبه واستثمار طاقاتها في معركته مع الشعب السوري بكل أطيافه .
سادسا – تكليف أبواق لبث الشائعات من على الفضائيات من اعلاميين بعثيين مرتبطين بأجهزة الأمن ولم يفلحوا بل اضطروا الى التراجع والتدرج ( انكار الانتفاضة – انكار مايحصل في درعا بالبداية ثم الاعتراف بوجود طرفين متصارعين : السلطة والشعب ثم اطلاق تسمية المحتجين بدلا من العصابات والطلب بالصبر لتأخذ الاصلاحات سبيلها وهذا اعتراف مباشر بوجود الخلل والفساد والاستبداد ) .
سابعا – مزاعم حول اصلاحية رأس النظام بعكس باقي مكونات النظام والترويج لخيار مصالحة وطنية أو مؤتمر برعاية رأس النظام ( في حين أن النظام مؤسسة موحدة من صنع ورعاية وتسلط الرئيس وعائلته وأعوانه ) ولايمكن تجزئة نظام أو تبرئة رأسه عندما يستند على طبقات وفئات مستغلة يقوم على قاعدة تحالف السلطة والأمن والمال ويدار بطريقة دكتاتورية مع مراعاة مصالح أركانه في عملية بالغة التعقيد .
ثامنا – مزاعم ومحاولات في تشويه طبيعة الصراع مثل استدعاء الوجهاء والمشايخ لعقد – الصلح العشائري أو التركيز على الدعوة لتسليم الأسلحة وامهال المطلوبين ( جنائيا ) مدة محددة على حساب طمس الجوهر الحقيقي للأزمة وهو التغيير الديموقراطي وازالة منظومة الاستبداد وجاء الجواب سريعا من الشباب بمواصلة الانتفاضة حتى اسقاط النظام .
تاسعا – اللعب على وتر قيادات التنظيمات التقليدية العاجزة في عموم سوريا واستدعائها ومواجهتها – بالعصا والجزرة – والتلويح بحلول اصلاحية على حساب القيادات الشبابية الميدانية للانتفاضة والأهداف الثابتة الحاسمة في التغيير الجذري .
عاشرا – ارسال اشارات الى الأطراف المعنية من اقليمية ودولية عبر تصريحات عن قبول أكثر من سيناريو وفي المقدمة حكومة بعثية – اسلامية معتدلة بمشاركة الاخوان المسلمين السوريين حسب رغبة حكومة الحزب الاسلامي الحاكم في تركيا خاصة وان نظام سوريا – العلماني – القوموي يرتبط بتحالفات وصداقات وارتباطات آيديولوجية ومصلحية مع معظم حركات الاخوان المسلمين التي تمثل الاسلام السياسي السني ( حماس واخوان الأردن واخوان مصر .. وكذلك مع الحركات الاسلامية الشيعية ( جمهورية ايران وحزب الله وأمل وشيعة السعودية والحوثيين وهي تمثل الطائفية السياسية في الجناح الشيعي من الاسلام السياسي ) وموقف شباب الانتفاضة والمثقفين والشخصيات السائرين معهم رافض جملة وتفصيلا لهذا السيناريو الهدام وهناك امتعاض عن محاولات تسلق عناصر الاخوان الذين خرجوا من المعارضة وخرجوا عليها والظهور على الفضائيات لتشويه سمعة الانتفاضة في حين لم تنقطع صلاتهم المريبة مع أوساط نظام الاستبداد وليس هناك أي تناقض حقيقي بين نهجي هؤلاء والنظام بل هناك اجتهادات حول التفاصيل الصغيرة .
حادي عشر – صمدت الانتفاضة وباستطاعتها الاستمرار والتوسع والتمدد ولن يستطيع النظام مهما بذل من جهود ومحاولات من استدراجها نحو الممارسة بالمثل أي استخدام العنف تجاه ارهاب الدولة أو التخندق الطائفي كما يريده النظام أو الانشغال في الأمور المحلية والجهوية والمناطقية بدلا من الاصرار في تحقيق المشروع الوطني في التغيير الديموقراطي الشامل وهي تتعلم كل يوم من أخطائها وتواجه التحديات السلطوية بفضل يقظة الشباب .
ثاني عشر – كرديا هناك خطط أمنية في اطار الحل الأمني العام في سوريا في مواجهة الانتفاضة الشعبية قيد التداول والتنفيذ يجب الحذر منها بعضها قديم لاثارة الفتن العنصرية بالمناطق الكردية ومنها جديد لاختلاق التعارضات بين شباب الانتفاضة من جهة وبين بعض المجموعات الحزبية الكردية من الجهة الأخرى التي وبالرغم من مواقف ذلك البعض الملتبس تجاه النظام وصلاته المريبة مع أجهزة السلطة وحمل أجندة قوى وأطراف غير وطنية سورية فانه حاول البحث له عن أدوار قيادية مزعومة في الانتفاضة بطرق غير مشروعة وسبل من خارج الاجماع الكردي في حين أن تطورات المنطقة وسوريا من بينها والحركة الكردية في القلب منها تفرز معطيات جديدة وواقعا مغايرا وأفكارا حديثة على طريق اعادة بناء الهيكليات التنظيمية والبرامج العصرية على أنقاض القديم واملاء الفراغ الناجم عن انتهاء أهلية وصلاحية ماهو قائم فكرا وبرنامجا وقيادة وممارسة وخطابا سياسيا ولاشك أن الانتفاضة الشبابية الشعبية الراهنة هي الرافعة الأساسية والبيئة الملائمة لظهور البديل المنشود في المستقبل القريب .