صفحات سورية

نقاط على الحروف بشان شلال الدم في سوريا


عليان عليان

منذ اندلاع الحركة الاحتجاجية الشعبية في سوريا في منتصف آذار الماضي، انقسم الرأي العام العربي بشأنها بين مؤيد ومعارض، في حين اختار البعض الآخر موقفاً وسطاً يطالب بالإصلاح ويحذر من المؤامرة ويطالب بوقف إراقة الدماء، وعدم الوقوع في براثن المخططات الصهيو- أميركية.

واللافت للنظر أن الانقسام في الرأي العام العربي حدث حيال الحراك الشعبي في سوريا، ولم يحدث في الحالتين المصرية والتونسية، بحكم أن الرأي العام العربي مشدود في جزء كبير منه إلى الموقف من الصراع العربي- الصهيوني والموقف من التسوية والتطبيع ومن علاقات التبعية لأميركا، حيث يتمايز موقف النظام السوري عن مواقف نظامي مبارك وبن علي المخلوعين وغيرهما .

ولعل قراءة متأنية لمختلف المواقف بشأن ما دار ويدور في سوريا تقود إلى عدة استخلاصات، من بينها أن الذين هاجموا مبكراً النظام السوري بعنف منقطع النظير وطالبوا بإسقاطه، هم إما فئة من المؤيدين السابقين لمواقف النظام وسياسته الخارجية،لكن فظاعة صورة القتل المستشري من قبل أجهزة النظام الأمنية للمواطنين الذين انتفضوا ضد الفساد والاستبداد.. هزتهم بعنف ودفعتهم إلى تغيير موقفهم.

وإما انطلقوا من مواقفهم المسبقة من النظام قبل اندلاع الانتفاضة الراهنة، بحكم رفضه لخيارات التسوية بالشروط الصهيو- أميركية، وبحكم موقفه الداعم للمقاومة وبخاصة مقاومة حزب الله وهؤلاء ينتمون إلى معسكر الاتفاقات والمعاهدات والتطبيع مع الكيان الصهيوني والتبعية لواشنطن.

وإما أنهم مشدودون لجانب ثأري، أو موضوعي مع النظام على خلفية الموقف من قضية الحريات وعلى خلفية مجزرة حماة عام 1982، التي ارتكبت في ظروف الاستقطاب إبان الحرب الباردة، رغم عدم اختلافهم مع سياسته الخارجية الراهنة….وإما أنهم ينتمون إلى معسكر نفطي يستهدف سوريا الوطن والدور والدولة ويؤتمر بتعليمات البيت الأبيض في واشنطن .

أما البعض الذي وقف موقفاً مؤيداً للنظام السوري رغم مصرع ما يزيد على ألفي مواطن سوري، وتحت زعم أن الوطن أهم من حقوق الإنسان السوري وحرياته، أو تحت مبرر أن هنالك مؤامرة خارجية تستهدف النظام في سوريا على خلفية مواقفه السياسية، فهذا البعض موزع على أكثر من لون سياسي، من ضمنه لون الارتباط البرغماتي في سياق المصالح المشتركة مع النظام التي تأخذ في كثير من الأحيان أبعاداً وطنية وقومية، في إطار الصراع مع المشروع الصهيو- أمريكي في المنطقة ولون الارتباط الأيدولوجي، ولون الارتباط الطائفي ولون الارتباط المصلحي الأناني على حساب حقوق الشعب وحرياته وكرامته .

وهنالك البعض كما أسلفت يرفض التخندق في هذه المرحلة في خندق أي من الطرفين، رغم قناعته بالأسباب التي قامت من أجلها انتفاضة آذار، ورغم إدانته بقوة عمليات القتل التي ترتكبها أجهزة الأمن السورية… إلا انه يؤكد ويحذر من المؤامرة الغربية ومؤامرة النفط العربي على النظام سوريا التي استثمرت تطورات الأحداث لضرب دوره الممانع والداعم للمقاومة، ويرى أن المخرج يكمن في الحوار المؤدي للإصلاح والتغيير.

بعد هذا الاستعراض السريع لمواقف مختلف الاتجاهات – بشأن الانتفاضة السورية الراهنة والنظام والمواقف حيالهما يمكن تسجيل النقاط التالية القابلة للنقاش والحوار:

أولاً: أن الحركة الاحتجاجية السورية التي انطلقت من محافظة درعا ولتشمل لاحقاً،معظم مناطق سوريا هي حركة وطنية بريئة جاءت متأثرة بالربيع العربي ضد الفساد والاستبداد، ناهيك أنها انطوت في بعض مضامينها على بعد طبقي فلاحي جراء ما لحق بالفلاحين من بؤس بحكم الجفاف وعدم تدخل الدولة للتخفيف من ضائقة الفلاحين، وكذلك على بعد طبقي وطني عام بحكم تحول سياسة الإصلاح الاقتصادي التي أقرها المؤتمر القطري لحزب البعث عام 2005 من حالة المنافسة إلى حالة الاحتكار من قبل قلة قليلة محيطة بدوائر الحكم.

ثانياً: أن هنالك مؤامرة حقيقية على سوريا النظام والوطن والدور، وهذه المؤامرة قديمة- جديدة ويمكن التأريخ لها منذ مؤتمر مدريد، بحكم رفض النظام السوري القبول بشروط التسوية الصهيو- أميركية ، وفي الذاكرة رفض الأسد الأب عودة الجولان بدون شواطيء طبريا الشرقية ورفضه لمعادلة انسحاب الجيش السوري 40 كيلومتراً عن خط الحدود، في عمق الأراضي السورية وكذلك رفضه نصب محطة إنذار مبكر في جبل الشيخ التي طرحها الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، إبان لقائهما في جنيف في منتصف تسعينات القرن الماضي.

لقد استهدفت المؤامرة الأميركية الصهيونية النفطية على سوريا تطويع النظام في سوريا، عبر الضغط عليه للتراجع عن تحالفاته مع إيران، وحزب الله والمقاومة وإذا ما رفض يتم العمل على إسقاطه وتقسيم سوريا خدمة للأمن الصهيوني، وسبق أن حمل وزير خارجية إحدى الدول الخليجية رسالة أميركية خليجية مشتركة إلى الرئيس السوري بشار الأسد بهذا الخصوص، والتي رفضها بقوة على قاعدة أن العدو الرئيسي هو (إسرائيل) وليس إيران وان حزب الله حزب مقاوم.

ويمكننا استرجاع التهديدات التي أطلقها وزير الخارجية الأميركي الأسبق كولن باول للنظام السوري ومن داخل دمشق نفسها غداة احتلال العراق، بأن على النظام السوري أن يعي أن القوات الأمريكية باتت على حدوده مع العراق، وان عليه أن ينفذ كذا وكذا…ألخ ويمكن استرجاع مصيدة اغتيال الحريري عام 2005 وإلقاء التهم الزائفة بسوريا من اجل حصارها وتطويعها، ويمكننا كذلك تذكر كيف تمكن حزب الله- وبدعم من سوريا- من إفشال مشروع الشرق الأوسط الجديد من البوابة اللبنانية عبر انتصاره التاريخي، على العدو الصهيوني في تموز 2006.

ثالثاً: رغم أن النظام السوري أدار الصراع بقوة واقتدار مع واشنطن وإسرائيل وتحالف 14 آذار اللبناني وضد نظام كامب ديفيد البائد ونظام العصور الوسطى النفطي وأزلامهما في الإقليم، وتمكن من فك العزلة وإفشال الحصار، إلا أن هذا النظام فشل فشلاً ذريعاً في التعامل مع الأزمة الداخلية، من خلال لجوئه للخيار الأمني دون أدنى استفادة من تجربتي مصر وتونس، ناهيك أن الخطوات التي طرحها للإصلاح رغم إيجابية مضمونها كانت ملتبسة، وجاءت في سياق فوقي وليس محصلة حوار مع قوى المعارضة الحية والشريفة داخل سوريا.

رابعاً: إن لجوء النظام السوري للحل الأمني واستسهال القتل هو من سهل لاحقاً مهمة المؤامرة الخارجية وأدواتها المسلحة على سوريا النظام والوطن والدور.. فالمؤامرة تحتاج إلى بيئة ملائمة حتى تفعل فعلها، وقد وفرت الدولة الأمنية في سوريا هذه البيئة لكل من يريد التآمر على سوريا، مع ضرورة التأكيد من واقع المعطيات أن الحركة الاحتجاجية في انطلاقتها لم تكن بفعل مؤامرة أو متآمرين.

خامساً: والمتآمرون كثر، فأمريكا وإسرائيل ودول الغرب لا داعي للإسهاب حول دورهم، وبعض دول النفط المستعمرة(بفتح الراء) اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وصاحبة السجل الأسوأ في قضايا الحريات وحقوق الإنسان تحولت فجأة إلى قاعدة لدعم الثورات في العالم العربي ورافعة لقضية الحريات والديمقراطية!! وهي التي سهلت مهمة الأمريكان في احتلال العراق وفي إحكام الحصار على قطاع غزة، وهي تريد – وعلى حد تعبير المعارض السوري هيثم مناع- أن تحول الحراك الشعبي في سوريا إلى أداة حرب بالوكالة لصالحها ضد إيران.

وبات واضحاً من واقع التقارير المحايدة والواردة من سوريا أن هنالك جماعات مسلحة في سوريا بغض النظر عن حجمها، بعضها يعمل في إطار ثأري والبعض الآخر مرتبط بالقوى المتآمرة على سوريا، مع الإشارة إلى أن عمليات القتل التي تنفذها أجهزة الأمن بحق المتظاهرين ليست كلها في إطار الهجوم على المجموعات المسلحة.

سادساً: تقتضي الموضوعية التفريق بين المعارضة الوطنية في الداخل وبين بعض أطراف المعارضة المشبوهة في الخارج، كالتي يمثلها خدام والغادري وأرباب مؤتمر باريس، وأصدقاء الصهيوني برنارد ليفي وغيرهم والتي تلوح برفع العلم الإسرائيلي فوق دمشق وإغلاق مكاتب حماس وبقية فصائل المقاومة فيها.

سابعاً: لقد قطعت الحركة الاحتجاجية السورية شوطاً كبيرا وكلما أوغل النظام السوري، في الخيار الأمني كلما طور المنتفضون شعاراتهم،ورفعوا من سقف مطالبهم لكن قراءة للصورة الحالية في سوريا تقول بما يلي:

= إن النظام عشية الشهر السادس للانتفاضة لا يزال متماسكا ًرغم زخم الحراك الشعبي ورغم زخم الضغوطات الغربية، وسر تماسكه يكمن في ولاء الجيش والأجهزة الأمنية له، وفي تحالفه مع البرجوازية التجارية السنية في كل من دمشق وحلب اللتين لم تشاركا حتى اللحظة في الحركة الاحتجاجية، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى استناده إلى الموقين الروسي والصيني في مجلس الأمن اللذين يحولان عبر التهديد” بالفيتو” دون صدور قرار من مجلس الأمن يحاكي القرار رقم 1973، الذي شرع التدخل الأطلسي في ليبيا، ومن ناحية ثالثة تحالفه مع النظام الإيراني، الذي أعلن صراحة أنه لن يقف مكتوف الأيدي حيال أي تدخل أطلسي أو إسرائيلي في سوريا.

= أما الصورة الأخرى فتقول أن الحركة الاحتجاجية مستمرة وتكتسب كل يوم زخماً جديداً وتعاطفاً من أطراف إقليمية ودولية عديدة، ولا يمكنها التراجع لأن التراجع قد يفضي إلى الموت أو الاعتقال.

وبالتالي فإن إمكانية الحسم من قبل أي من الطرفين غير ممكنة في المدى المنظور، والخشية أن تتجه الأمور باتجاه حرب أهلية لا تحمد عقباها لا سيما وأن أطرافاً داخلية في إطار النظام وأطرافاً إقليمية نفطية تنفخ في نار الحرب الأهلية.

ما المخرج إذاً لوقف شلال الدم، دون أن يكون على حساب القضايا التي قامت من اجلها الحركة الاحتجاجية وما قدمته من تضحيات؟

المخرج الذي بات البعض هنا وهناك يطرحه وهو قابل للنقاش يتمثل في ما يلي:

أولاً: سحب الجيش وقوات الأمن من المدن والبلدات السورية، ووقف عمليات القتل للمتظاهرين ، وأن تحدد قوى المعارضة الوطنية، موقفاً رافضاً لعنف الجماعات المسلحة المرتبطة بأجندة خارجية، ورفع الغطاء السياسي عنها.

ثانياً: الدعوة لمؤتمر حوار وطني شامل تشارك فيه كافة القوى الوطنية ذات الأجندة الوطنية المستقلة وغير التابعة أو المرتهنة للخارج، التي تلتزم بعروبة سوريا ووحدتها وسيادتها، وبالخط المقاوم، المناهض للمشروع الصهيو- أميركي في المنطقة.

ثالثاً: أن يكون الهدف المعلن من المؤتمر هو تعديل الدستور وحذف المادة (8) منه، وإطلاق الحريات الديمقراطية في إطار تداول السلطة، وإعادة هيكلة أجهزة الأمن.

رابعاً: أن تكون القوانين الناظمة للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية هي مخرجات حوار بين القوى المشاركة في الحوار ،وليست قوانين تصدر بشكل فوقي بمراسيم رئاسية.

ما تقدم يشكل مخرجاً للازمة الطاحنة في سوريا وبما يحول دون تدويلها، خاصة وأن معارضات مشبوهة في الخارج تدفع باتجاه تدخل عسكري للناتو في سوريا يقف على رأسها عبد الحليم خدام، الذي يرى في تدخل الناتو عملاً مشروعاً، وليس فعلاً استعمارياً، في حين أن قوى وطنية وإسلامية مثل الناصريين” الاتحاد الاشتراكي الديمقراطي” والإسلاميين غير المرتهنين للخارج وأطراف إعلان دمشق، لها تأثيرها الملحوظ في الحركة الاحتجاجية وهناك رموز وطنية وقومية ويسارية لها حضورها مثل: الطيب تيزيني وعارف دليلة وميشيل كيلو، وحسن عبد العظيم وهيثم مناع وفايز سارة ترفض بقوة أي تدخل غربي أطلسي في الشأن السوري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى