صفحات العالم

مأزق بين مصلحة النظام ومصلحة لبنان ، “الوثيقة السورية” تستلزم رداً رسمياً


    روزانا بومنصف

على رغم انتقال منطقة عكار الى واجهة الازمة في عطلة الاسبوع على النحو الذي يحجب ما قبلها الى حد ما، نظراً للخطورة التي حملتها التطورات هناك، فإن ذلك لا يلغي ان اقحام النظام السوري لبنان قسرا في ازمته وضع الحكومة اللبنانية في موقع بالغ الحرج. وعلى رغم الرد الفوري الذي اعلنه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على رسالة المندوب السوري الى الامم المتحدة بشار الجعفري، والذي اعتبر فيه كلام الجعفري عن تحول لبنان موئلا او حاضنا للارهاب، متهما افرقاء سياسيين فيه برعايتهم له، “تأجيجا للخلافات”، يخشى ان هذا الموقف الاستيعابي لرئيس الحكومة ليس كافياً، ليس بالنسبة الى الداخل اللبناني فقط  بل بالنسبة الى الخارج على وجه التحديد . اذ ان رسالة الخارجية السورية التي تضمنت جملة اتهامات للبنان تجعل منه بلدا حاضنا للارهاب رفعها المندوب السوري بتكليف من حكومته وفق ما جاء في مقدم هذه الرسالة  الى الامين العام للامم المتحدة بان كي مون والى رئيس مجلس الامن. وهو طلب ان يوزع مضمونها كوثيقة رسمية في مجلس الامن، الامر الذي يلزم لبنان ان يرد بالاسلوب نفسه، اي بكتاب الى بان والى رئاسة مجلس الامن يضمنها ردا على ما تضمنته الوثيقة السورية. وهذا يقع من ضمن واجبات الحكومة اللبنانية اياً تكن طبيعتها، اي من حلفاء سوريا او من خصومها باعتبار ان المستهدف هو لبنان وأن الوثيقة التي قدمتها سوريا هي تشهير به في الدرجة الاولى وبسمعته، وليس المعني فريقا لبنانيا محدداً، بل ان سكوت لبنان الرسمي على هذه الوثيقة وعدم الرد عليها في الامم المتحدة وفي مجلس الامن يجعل لبنان موافقا على ما ورد فيها ويحمّل حكومة لبنان مسؤولية مضاعفة عن جملة انعكاسات اخرى.

وتقول مصادر ديبلوماسية انه لو اقتصر ارسال الرسالة السورية الى الامين العام للامم المتحدة من دون طلب تعميمها كوثيقة رسمية على اعضاء مجلس الامن، لكان بإمكان لبنان حل المسألة على الارجح باتصال هاتفي مع بان يشرح  فيه ملابسات الموضوع وحراجة الوضع بالنسبة الى لبنان. الا انه في حالة توثيق “التشهير” بلبنان من خلال طلب جعل الرسالة وثيقة رسمية من جانب دمشق للمجتمع الدولي فان المسألة لا تحل باتصال هاتفي او بتصريح اعلامي من جانب رئيس الحكومة أياً كان هذا الموقف قويا او محكما  او حتى بموقف رسمي تتخذه الحكومة، فالقنوات الديبلوماسية التي سلكتها سوريا في اتجاه رمي لبنان بمجموعة اتهامات خطيرة وصفها كثر انها بمثابة اعلان حرب تفرض عليه اعتماد القنوات الديبلوماسية نفسها من اجل الرد في حين ان عدم الرد بالوسائل نفسها يرتب مخاطر كبيرة على لبنان. وهذا لا ينفي ان الموضوع يتسبب بإحراج كبير للقوى المشاركة في الحكومة، خصوصا قوى 8 اذار التي تتبنى مواقف النظام السوري، كما يمثل تحديا بالنسبة الى هذه القوى، بين الدفاع عن مصلحة لبنان ونفي ما ذهب اليه النظام السوري او السكوت على اتهاماته للبنان وما ينال من سمعته وموقعه واقتصاده، وهو تحدي التفضيل بين مصلحة النظام السوري ومصلحة لبنان التي تتولاها الحكومة راهناً. ومع ان لا صدقية لادعاءات النظام السوري في الامم المتحدة او خارجها وفق ما تقول مصادر ديبلوماسية، بحيث ان المسألة باتت مكشوفة بالنسبة الى غالبية الدول الكبرى، منها والاقل اهمية، فان الامر ليس بالسياسة او بمسايرة النظام السوري او معاداته بل في وثائق تسجل في مجلس الامن، بحيث لا يمكن لبنان ولا يجوز له السكوت عليه. ويندرج في هذا الاطار مثلاً استخدام النظام السوري لبنان،  وفق ما يعتبر كثر، في توجيه رسائل الى دول عربية يتهمها النظام بتمويل المعارضة السورية كدولة قطر. الامر الذي ابرزته دعوة قطر والامارات العربية المتحدة والبحرين رعاياها الى مغادرة لبنان وعدم السفر اليه، وهو الامر الذي بدأ يؤدي الى دفعه الثمن على الصعيد الداخلي والحبل على الجرار وفق ما يخشى كثر.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى