الطابور الخامس السوري!/ فايز سارة
دعوني اعترف لكم، اني عرضة لموجة من الضحك المتواصل في الأسبوعين الاخيرين، والسبب ان بعضاً من متسلقي سلم الثورة السورية، وثوار وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة فيسبوك، يكتبون بوستات على صفحات في فيسبوك وفي مجموعات الواتس آب، حافلة بالاتهامات والاكاذيب عن اشخاص معروفين في قائمة المعارضة السورية. وزاد في موجة ضحكي، ان حشداً من احبابهم وامثالهم، وآخرين سذجاً ممن يصدقون كل مايقال، يضعون لايكات، وتعليقات على البوست، تناسب تلك الاتهامات والاكاذيب، فيما يكتب آخرون تعليقات وردوداً على البوستات، لكن تلك التعليقات سرعان ما تختفي من البوست.
الحالة تبدو عادية في موجة الاتهامات، التي توجه لمعارضين معروفين بمعارضتهم لنظام الأسد، عندما كان الاب في السلطة، وفي زمن وريثه الابن الذي اوغل في جرائمه ضد السوريين قتلاً واعتقالاً وتهجيراً، وتدميراً للبلد وقدراته البشرية والمادية، ثم توج اجرامه باستدعاء كل أدوات القتل من دول تحالفه ومليشيات وجماعات، سلمها مصير سوريا والسوريين لهدف واحد ووحيد، هو إبقاء ماتبقى من سوريا مزرعة لأسرة الأسد وعصابته.
المضحك في ما يقوم به هؤلاء الاشخاص، انهم يستعيدون حوادث من سنوات الثورة أو قبلها، ويجيرونها لصالح مايريدون ايصاله، وبعض تلك الحوادث، لم تحصل الا في ذاكرة أصحابها المريضة. بينهم من يقول ان فلاناً شتم الثورة، وان آخراً شتم الشعب السوري، وان فلانة استولت على أموال تخص مؤسسة أو جماعة معارضة، وان فلاناً رهن تلك الجماعة لصالح قوة إقليمية او دولة تتابع القضية السورية، وبعضهم ينتقل من اتهام معارضين الى اتهام جماعات من المعارضة، فيمدون حبال أكاذيب بالقول، ان تلك الجماعة أو المؤسسة رهينة سياسة دولة بعينها، او مسيطر عليها من دول، وقفت في السنوات الماضية الى جانب القضية السورية، وقد زاد بعضهم في اتهاماته لاشخاص معروفين بالمعارضة ولجماعات معارضة بالقول انها مرتبطة بنظام الأسد وبعضها مرتبط بحلفائه من روس وايرانيين وغيرهم.
لست بصدد الدفاع عن المعارضين المعروفين، ولا ارغب في الدفاع عن جماعات المعارضة، بل اترك الامر في الحالتين لاصحابه للقيام بما ينبغي عليهم ان يفعلوه، لكني اود القول، ان كثيرين من المعارضين وجماعات المعارضة المعروفة، رهنوا كياناتهم الشخصية والتنظيمية طوال عقود من السنوات من اجل مصلحة الشعب السوري وفي مواجهة نظام الأسد الذي لم يسلم من ملاحقته معارض او جماعة معارضة، واغلب الرموز المعروفة، تعرضت للاعتقال لسنوات طويلة وللطرد من أعمالهم وللتضييق عليهم في مصادر رزقهم، ولاشاعات واكاذيب ومضايقات النظام واجهزته، التي لم توفر عائلاتهم ومحيطهم الاجتماعي، فيما كان المجتمع السوري بمن فيه متسلقو الثورة، يغطون في نوم عميق، بل ان بعضهم كان مرتبطاً بالنظام واجهزته، أو يعيش بحبوحة مايسقط من طاولة النظام من فضلات، يعتبرونها مكاسب ومغانم.
عندما قامت ثورة السوريين في 2011، لم يتأخر المعارضون المعروفون ولا جماعات المعارضة القائمة في سوريا عن الانخراط في صفوفها وفعالياتها، وكل حسب فهمه وقدراته، وفي هذا كانوا متوازين مع حركة المجتمع وثورته، التي قام الشباب فيها بدورهم، وقدموا ما استطاعوا وفق فهمهم وقدراتهم ايضاً، وهو امر طبيعي لايمكننا تجاوزه باي حال من الأحوال.
ولم تكن نتائج انخراط المعارضين وجماعات المعارضة في الثورة اقل مما أصاب القطاعات الواسعة من السوريين بفعل اجرام النظام، فقتل بعضهم واعتقل ولوحق أكثرهم، وفقد اغلبهم اعزاء لهم من أبناء واخوة واقارب، ودمرت ممتلكاتهم ومصادر عيشهم، وافقروا وتم تشريدهم، وكثيرون منهم اجبروا على الهجرة واللجوء، وكلها في اطار الحالة العامة التي اصابت ملايين السوريين.
ورغم انسجام المسار العام للمعارضين وجماعتهم مع مسار الثورة. فانهم وقعوا في أخطاء وارتكابات، ومسؤوليتهم عنها أكبر بكثير مما وقع فيه غيرهم من المشاركين في الثورة، وذلك بحكم مواقعهم والمهمات التي طرحوها على انفسهم وجماعاتهم، وهو امر يستحق النقد والمحاسبة لكن بناء على معلومات وحيثيات ووقائع مدققة من اجل وقف الارتكابات، ومكافحة الأخطاء، ودفع الثورة قدماً نحو تحقيق أهدافها من اجل خلاص السوريين وبلدهم، مما اوصلهم اليه تحالف النظام وقوى الإرهاب والتطرف من داعش والنصرة والتدخلات الدولية والإقليمية، بما فيها تلك التي تمت لنصرة السوريين، لكن نتائجها انعكست سلباً عليهم وعلى ثورتهم وبلدهم.
ان التمييز بين النقد وعمليات التشهير بالمعارضين وخاصة المعروفين منهم وبجماعات المعارضة، امر ضروري، لان نتائج الخط الأول، تسير في منحى إيجابي، ويعول ان تكون له نتائج مثمرة في هذا السياق، فيما الثانية نتائجها سلبية، تثير الفرقة والخلافات والتوجسات، ولأنها كذلك، فقد كانت اهم الأسلحة التي استعملها نظام الأسد وحلفاؤه قبل الثورة، ثم طوروها على نحو واسع مع انطلاق الثورة واستمرارها. ولا تنفصل عن الأهداف السابقة مهمة الاعلام المعادي الذي يديره النظام وحلفاؤه، ولا مهمة الجيش الالكتروني الذي تديره مخابرات النظام، وما تقوم به تجسيد حي لسلوك النظام في تشويه المعارضة بافرادها وجماعاتها، وقد كانت –وماتزال- مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية، اهم ساحة لمهاجمة المعارضة، ونشر التهم والاكاذيب والاشاعات حولها، كي يفقد السوريون الثقة بقسم رئيس من فعالياتهم في مواجهة النظام.
وإذ شكل اعلام النظام وحلفاؤه، واجهزته الأمنية والتعبوية ومنها الجيش الالكتروني اساس الطابور الخامس المناهض للسوريين وثورتهم ومعارضي النظام، فان شقاً جديداً من هذا الطابور، اخذ يتقوى ويتعزز في الفترة الأخيرة، والاساس فيه مجموع من متسلقي الثورة، ومدعي الانتماء لها، وآخرين من نشطاء اصيبوا بالإحباط بفعل التطورات التي لحقت بالحياة السورية، وفشلهم بالمشاركة في عملية تقويم ماصار اليه الحال، والانتقال بقضية الشعب السوري الى مسارات إيجابية، فتحولوا الى ظاهرة سلبية سواء في مواقع التواصل الاجتماعي، او في المواقع الالكترونية وأجهزة الاعلام الصفراء – وبعضها محسوب على الثورة – ، وصاروا بالنتيجة جزءاً من الطابور الخامس الذي ينشر اشاعات واتهامات بلا مستندات ولا وقائع مؤكدة.
ويشكل نشاط الطابور الخامس اليوم بما فيه، احدى اهم المشاكل التي تواجه السوريين وقضيتهم، لانه يبعد السوريين عن الأساس والاهم في ما يواجهونه من تحديات، ويدفعهم نحو الغرق في قصص واشاعات وصراعات ومشاكل، تفصيلية كثير منها مختلق، ولا أساس له في الواقع، وعليه فقد أن الآوان – ولومتأخراً- للوقوف في وجه الطابور الخامس، ومقدمة تلك الوقفة وبدايتها، كشف وعزل الذين يديرون هذا النشاط من متسلقى الثورة والمحبطين والفاشلين عن القيام بدور إيجابي وخلاق من اجل سوريا جديدة، يعم فيها السلام، ويدرها نظام ديموقراطي، يوفر الحرية والعدالة والمساواة لكل السوريين.
المدن