العالم يُجرّب وسوريا تحترق!
غازي دحمان
هل يحتاج الوضع في سوريا إلى لغة دبلوماسية غامضة في حين أن البلد بمجمله مقيم في غرفة العناية المشددة، وما الداعي إلى هذا الكم من التناقض الذي أظهرته التفسيرات المختلفة لأطراف مجموعة العمل الدولية لنص إتفاق جنيف، وكأن سوريا في بداية أزمتها أو حتى لا زالت في مرحلة التهيؤ للأزمة، أو كأن دبلوماسية حل النزاعات لازالت بلا خبرة ولم تعبر فوق ركامات الجثث في رواندا وسيراليون وكوسوفو وليبيا!
يبدو أن الكلام الوحيد الصادق هو ما قاله كوفي أنان من أن الحل يحتاج لعام آخر وهو في ذلك يكشف عن تقدير حقيقي لهذا الدبلوماسي العتيد لحركة واستعداد المجتمع الدولي، حينها يكون الجرح السوري قد نزف بما يكفي لموت سوريا أو تعطيلها وإخراجها من دائرة الحياة .
والواقع يكشف الحراك الدولي تجاه الحدث السوري نمطاً إستراتيجيا معيناً لمعالجة الأزمة وذلك عبر مقاربتها وكانها حدث ساكن وغير متحرك يمكن تزخيمه بأطروحات دبلوماسية تعمل على إيجاد ديناميات سياسية تشكل مسارات لحلول مرجوة، فيما الوقائع على الأرض تشكل ديناميتها الخاصة وتبتدع مسارات جديدة للأزمة يصبح معها الفعل الدولي بتفاهماته وقضاياه الخلافية وكأنه بات يخص قضايا منتهية بفعل التقادم .
نتيجة ذلك بمكن ملاحظة أن مبادرات المجتمع الدولي تتقدم على الورق في إطار عملية جدلية، بمعنى أن كل مبادرة تستولد مبادرة متقدمة بعض الشيء عن سابقتها، ولكن كل مبادرة تموت بسبب أعطاب في داخلها غالباً ما تنتجه الخلافات الدولية رؤيوياً ومصلحياً. ونتيجة الإهمال القصدي لتثبيت آليات محددة وواضحة لإنفاذ تلك المبادرات على أرض الواقع وتحويلها إلى فعل منتج لمسارات حلول حقيقية .
ماذا يعني ذلك؟، لم يعد خافياً أن الأزمة السورية باتت تشكل بيئة ومختبراً للسياسات الدولية حيث تمارس روسيا تمرينات في السياسة الدولية وفي إستراتيجيات التفاوض وتستثمر في ذلك هامش الرخاوة في البيئة الدولية، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية تحاول تجريب تعديل النمط التدخلي الذي إتبعته في السنوات الأخيرة عبر دفع شركائها الغربيين إلى قيادة عمليات التدخل والإكتفاء بدور المشرف والمعاين.
لكن في مقابل ذلك تشهد الأزمة السورية تطورات متسارعة إن على مستوى زيادة عسكرة الثورة أو على مستوى تأكل البناء الوطني السوري وزيادة تهشيمه، وهو ما يشكل دينامية داخلية مشتعلة تعمل على تغذية الازمة السورية في مقابل التطور البطيء في الحراك الدولي. وتؤكد المعلومات الميدانية أن الحركة المناهضة لحكم الأسد والتي تأخذ الطابع العسكري تشهد تطورات مهمة في طريقة عملها وتنظيمها بحيث يجري تحويلها من حركة عسكرية طوعية إلى هيئة فعلية لها بنية عسكرية أكثر تنظيماً. الأمر الذي إنعكس بشكل واضح في زيادة فعاليتها الميدانية، فضلاً عن زيادة الخبرة التي إمتلكتها هذه المجموعات وتحسن إمدادات الأسلحة إليها.
على صعيد البناء الوطني، لم يعد خافياً بأن طول الأزمة وتصاعد حدة وتيرة العنف قد عملا بدرجة كبيرة على إعادة صنع مقاربات وطنية جديدة عن الوحدة الوطنية والموقف من مؤسسات الدولة وحتى طبيعة الدولة ذاتها، صحيح ان الوضع لم يصل بعد إلى حد الإحتراب الوطني الكامل والواضح، غير أن الانقسام بات متأسساً حول كل القضايا التي تشكل مجالاً مشتركاً للعيش الواحد ولإمكانية بناء دولة عصرية واحدة تحت حكم الأسد أو من دونه.
ومرة أخرى ماذا يعني كل ذلك، يعني أن الثورة السورية لاتشبه مثيلاتها العربيات، ليس من حيث أسباب قيامها ولا من حيث طبيعة أدواتها، بل من حيث إنتماؤها الجغرافي والديمغرافي، فهي تشبه بدرجة كبيرة مسارات الازمات اللبنانية والعراقية والتعقيدات الفلسطينية والأردنية، أزمات تاريخ إنفلاشها هو نفسه تاريخ إستمرارها ودوامها، تعجز عن إنتاج حل داخلي لها، وتعجز البيئة الدولية عن التوافق بخصوصها، وتصبح كل المبادرات مجرد محطات لإعادة تعريف الأزمة، من الطائف اللبناني إلى مكة الفلسطيني وليس أخيراً جنيف السوري .