صفحات العالم

العذاب السوري


الفرنسي توماس بييريت، المتخصص بالشأن السوري، اصدر مؤخرا كتاب، «البعث والاسلام في سوريا» يعالج فيه علاقة النظام السوري برجال الدين وبالتعبيرات الدينية. مجلة «نوفيل اوبزفاتور» التقته (الاول من كانون الاول 2011) وأجرت معه حوارا هنا نصه:

في كتابك الاخير عن سوريا، تصف العلاقة المركّبة التي يقيمها نظام تسلطي يسيطر عليه العلويون، بالرغم من «علمانيته» الايديولوجية المعلنة، مع «كهنوت» سني مستعد لإبرام الصفقات على أشكالها بهدف تعزيز سيطرته على المجتمع. في الانتفاضة التي اندلعت في شهر آذار المنصرم، ما هو دور العلماء السنة، وما هو تاثيرهم؟

منذ بداية الانتفاضة انقسم العلماء بين مؤيدين للنظام ومعارضين له.الأولون هم بطبيعة الحال شركاء للنظام، على رأسهم سعيد رمضان البوطي، وهو شخصية عالمية معروفة. مواقف هذا الشيخ المؤيدة للأسد أساءت الى سمعته بين المتظاهرين، لأنها تمنح تبريرا دينيا للسنة الذين يرفضون الانخراط في الانتفاضة. في مدينة حلب، بقي العلماء أوفياء للنظام، مقلدين بذلك مموليهم المنتمين الى طبقة التجار. اما في العاصمة دمشق، بالمقابل، فقد بادرت شخصيات دينية من الصف الأول الى توجيه النقد الشديد للنظام. رجال الدين هؤلاء تحولوا بعد ذلك الى أيقونات للمتظاهرين، ومن مساجدهم تحديدا انطلقت التظاهرات في احياء العاصمة الرئيسية. الا انهم مُنعوا من إلقاء خطبهم خلال شهر رمضان. لذلك فهم لا يلعبون دورا في الوقت الحالي، ولكنهم قد يعودون الى المشهد السياسي في حال ضعف النظام. اخيرا، في مدينة درعا، وهي الاولى التي انتفضت، كانت النخبة الدينية المحلية هي أول من دعم الثورة، قبل ان ترغم على الصمت. بعض العلماء المعارضين تركوا البلاد والعديد منهم هم الآن اعضاء في المجلس الوطني السوري ومركزه اسطنبول.

من يدعم الآن نظام بشار الأسد، ومن اجل اية مصالح؟

اولا الاقليات الدينية: العلويون يخشون من ثأر السنة، فيما المسيحيون لا ينسون نزوح المسيحيين العراقيين بعد سقوط صدام حسين. هناك ايضا شريحة واسعة من الطبقات الوسطى والبرجوازية السنية الحلبية والدمشقية. كل هؤلاء لا يكنّون عاطفة خاصة تجاه النظام، وقد يتكيفون مع نظام آخر، حتى لو كان اسلاميا معتدلا، أو بالاحرى من المفضّل ان يكون اسلاميا معتدلا. الا ان وفاءهم للنظام، أو سلبيتهم السياسية، يعود الى الخشية من الفوضى على الطريقة العراقية.

ما هي السُبُل المتوفّرة للخروج من الصراع؟ هل من دور حاسم للجامعة العربية؟ هل يأتي بنتيجة الخناق الاقتصادي على سوريا؟ او تدخل عسكري خارجي؟ او نجاح الثورة من الداخل؟

ان حلا سلميا يقوم على المفاوضات يبدو لي مستحيلا. النظام لا يرغب بانتقال ديموقراطي فيما المعارضة تعتبر كل اصلاح خارج عن انتخابات حرة عملية تجميلية لا قيمة لها. اما انقلاب عسكري على الطريقة التونسية، فلا يبدو بدوره امرا محتملا نظرا لبنية الجيش العائلية والفئوية والطائفية. للجامعة العربية دور هام تلعبه خصوصا بازاء روسيا والصين، ولكن الديبلوماسية وحدها لا تسقط نظاما. على الصعيد الاقتصادي، سوف يستمر البلد بالتنفّس، وإن بصعوبة، بفضل علاقاته مع لبنان والعراق، وهما بلدان يحكمهما حلفاء دمشق. بالمقابل، فان تجربة صدام حسين تبين لنا ان نظاما يمكنه البقاء على قيد الحياة فيما مواطنوه يصرخون من الجوع. ان تدخلا عسكريا خارجيا يبدو غير واقعي الآن، ولا أحد يرغب بالبحث فيه. الغربيون لا يتوقفون عن الترداد بأنه ليس واردا، فيما تركيا تحاول من جهتها التغطية عن عجزها بالتدخل خلف تهديدات رئيس وزرائها. يبدو لي ان العامل الأكثر تهديدا للنظام هو ان يشّكل المنشقون عن الجيش حركة مستقلة تشن حرب عصابات ضد قوات النظام الموالية. القوى المؤيدة للنظام هي في وضع لا يسمح لها بمواجهة هكذا احتمال. ولكن اخفاق النظام مرهون بما تتلقاه الحركة من دعم مالي ومادي. ولكن حتى هذه اللحظة، لا القوى الغربية ولا المعارضة السورية المقيمة في الخارج تبدو مستعدة لخوض مغامرة كهذه، لكونها لا تعني غير الحرب الاهلية.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى