صفحات العالم

العراق والجهاد السوري

عمر الجفّال

 يشدُّ حبل العقائد الشباب العراقيين إلى سوريا. لا يفهم هؤلاء سوى الهجوم على آخر يعتقدون أنه يهدد ديمومة عقائدهم، وثمّة من يفسّر لهم هذا الهجوم، ويدفعهم بقوّة إلى ساحات القتال المنتشرة في سوريا.

وأصبح الشغل الشاغل للجوامع والمقاهي في العراق هو الحديث عن سوريا. السنة يمتعضون من العلويين بسبب فيديوهات الجيش السوري النظامي التي تنتشر على يوتيوب، والشيعة ممتعضون من جبهة النصرة والجيش السوري الحر بسبب التهديد الدائم للمراقد الدينية الشيعية المنتشرة في سوريا، لكن بين هؤلاء من ينظر مذهولاً إلى حجم الخراب الذي يتخلّق يوماً بعد آخر إن كان في سوريا أو في العراق.

محافظات غربي العراق، وهي المنطقة التي ترتبط بسوريا حدودياً، وتشكل شريطاً حدودياً يمتد لمساحة 605 كم، باتت متأثرة تأثيراً مباشراً بكل ما يحصل في الداخل السوري. وبعد اندلاع التظاهرات التي انطلقت في محافظة الانبار تنديداً بسياسات رئيس الحكومة نوري المالكي، استعار المتظاهرون الشعارات نفسها التي ترفع في سوريا، فضلاً عن إنشاء “الجيش العراقي الحر” أسوة “بالسوري الحر”، ودار لغط طويل حوله، وانتشرت أرقام الدعم التي تلقاها من دولة قطر في الصحف المحلية، إلا أن هذا الجيش لم يقم بأي عمليات تذكر.

 أما في جنوبي العراق، فقد أصبح الغضب متصاعداً بعد تعرّض مقام الصحابي حجر بن عدي في أيار/ مايو إلى النبش على يد جماعات متشددة، الأمر الذي فتح شهية الشبّان الشيعة للذهاب إلى سوريا بغية الدفاع عن المراقد هناك. ثمّة من أشعل النار هنا لزجّ هؤلاء الشباب كحطب لإدامة أوار تلك النار. انطلقت الفتاوى في جواز الذهاب إلى سوريا للدفاع عن مرقد “العقيلة” – وهي السيدة زينب إبنة الامام علي ابن ابي طالب- بغية عدم سبيها على يد “الأمويين” مرّة أخرى، ما أدى إلى انتشار ظاهرة تجارة جديدة للميليشيات التي تعطّلت أشغالها بعد استتباب أمن نسبي في البلاد.

 تسابق تجّار البشر والعقائد هؤلاء إلى أكثر المناطق فقراً من أجل صيد أكباش الفداء وشحنها الى إيران، حبل العقائد يمتد بحسب ما تقتضي الحاجة، و أكياس المال تخشخش للذين لا تعنيهم العقيدة كثيراً.

 إيران تستقبل الشبان وتقوم بتدريبهم وثمَّ ترسلهم إلى سوريا (للدفاع عن المراقد الدينية)، مقابل هذا، تهيئ المحافظات الغربية الشبان للقتال إلى جانب جبهة النصرة، الفارق هنا أن من يقتل أثناء الدفاع عن “المراقد الدينية” تقام له مجالس عزاء فخمة، ويحضر هذا المجلس شخصيات سياسية من مكاتب الأحزاب السياسية والمحافظين. أما من يقتل إلى جانب جبهة النصرة فلا يعرف له أثر –ربما حتى انتهاء المعارك هناك.

 في محافظة ميسان مثلاً شيع مئات من أهالي المحافظة، الاسبوع الماضي، جثامين سبعة قتلى لقوا مصرعهم في اشتباكات سوريا، بمشاركة مسؤولي المحافظة وأعداد من عناصر الأجهزة الأمنية الخاصة التي قامت بتأمين تشييع القتلى، وقد سبق هؤلاء قتيل منتصف الشهر الماضي، فيما شيعت محافظة البصرة قتيلين أيضاً في التاريخ نفسه، وقد سبق كل هؤلاء قتيلان في بغداد.

 “كتائب حزب الله” في العراق قالت أن هؤلاء السبعة ينتمون لها، فيما بقي كل من قتلى البصرة وبغداد مجهولي الانتماء الميليشوي.

 الحكومة العراقية تنفي دعمها لأي من أطراف القتال في سوريا، والحديث الرسمي يقول أنه مع عدم استخدام السلاح، مفضلاً الحل السياسي على الحل العسكري، إلا أن التقارير التي تتوافد من حدود العراقية السورية تقول بأن تهريب السلاح لا يتوقف.

 ولشدّة الإقبال على السلاح من قبل المعارضة السورية، ارتفعت أسعار السلاح في السوق السوداء العراقية إلى 7 أضعاف أو أكثر، فبينما كان سعر الرشاش الروسي قبيل عام من الآن مئة دولار أميركي، أصبح الآن يساوي سبعمئة دولار.

 الحروب لا تنتج الموت فقط، ولكنها تنتج تجارها وسماسرتها أيضاً، والعولمة لم تجعل العالم قرية صغيرة في المجال الاقتصادي والمعلوماتي فحسب، بل وجعلت من ساحات الحروب ساحات بلا حدود، هكذا امتدت نيران الحرب في سوريا وتداعياتها إلى العراق، مثلما امتدت إلى لبنان. هنا، ينظر البعض إلى الحرائق التي تكاد أن تشتعل في محافظات غرب العراق باعتبارها ارتدادات للزلزال السوري. والمفارقة أن النقيضين، مشهد سوريا بعد معركة القصير، والحراك الشعبي الذي يجتاح المدن التركية، كلاهما يساهم في بث الاستقرار الامني والسياسي في العراق، كل على طريقته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى