العقوبات على سوريا وإيران “خط أحمر”.. أميركي
ثريا شاهين
في كل مرة تحصل لقاءات لبنانية أميركية أو اتصالات، وعلى كافة المستويات، يُعاد التشديد من جانب واشنطن على أن العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا، وكذلك الأميركية والدولية المفروضة على إيران، هي خط أحمر ولا يجوز تجاهلها أو التفلت منها.
وفي كل مناسبة، وفي إطار الحديث الأميركي عن ضرورة الالتزام اللبناني بالعقوبات المالية والمصرفية على النظام السوري، يجري الحديث عن ضرورة الالتزام بالعقوبات كافة وليس فقط المصرفية. وهذا ما ينطبق على الموقف الأميركي بالنسبة الى تزويد النظام السوري بالمازوت اللبناني، لا سيما وأن واشنطن تفرض عقوبات على النظام تطال النفط أيضاً، لأنها شاملة سياسياً ومالياً واقتصادياً، وعلى أسماء أشخاص وشركات، وفقاً لمصادر ديبلوماسية واسعة الاطلاع. التشديد على المصارف، من باب عدم استخدام المصارف، من أي جهة، للالتفاف على العقوبات أو التهرب منها. هناك فارق بين العقوبات المفروضة على كل من إيران وسوريا، إذ إنه على إيران تُفرض عقوبات من مجلس الأمن لذلك تسمى عقوبات دولية. وعلى سوريا هناك عقوبات أميركية وأوروبية وعربية ثنائية وخارج إطار مجلس الأمن. إنما مجموعها يساوي عقوبات دولية من غير أن تكون ملزمة لدول أخرى.
وهي جاءت في سياق خطة بديلة عن عقوبات من مجلس الأمن، بعدما حاولت الدول الغربية مراراً استصدار قرار دولي لفرض عقوبات في مجلس الأمن على النظام، لكنها فشلت، بسبب “حق الفيتو” الذي مارسته كل من روسيا والصين.
الولايات المتحدة، أو أوروبا، يمكنها التمني أو تحذير الدول ومن بينها لبنان، من مغبة عدم الالتزام بالعقوبات التي تفرضها على سوريا، وهذا ما حصل فعلاً بالنسبة الى التعامل المصرفي. إذ إن واشنطن أبلغت لبنان ضرورة الالتزام بالعقوبات المالية المفروضة أميركياً وأوروبياً على النظام السوري، وإلا سيتوقف التعامل مع المصارف اللبنانية ويمكن معاقبتها. مع الإشارة الى أن كل عملية مصرفية في العالم تمر عبر نيويورك، في ظل العولمة، وانزعاج واشنطن من تمرير المازوت اللبناني الى سوريا طبيعي في ظروف العزل السياسي والاقتصادي المفروض على سوريا.
القرار الصادر عن مجلس الأمن يوفر آلية قانونية دولية لتنفيذه. لكن القرارات الأميركية والأوروبية ليس لديها تلك الآلية، ويمكن لدول أخرى الالتزام بتنفيذها إن هي أرادت أو بعد وجود ضغوط، سياسية في هذا الشأن. وجزء من العمل السياسي للولايات المتحدة هو ممارسة الضغوط لأسباب سياسية، ويعود للحكومة في لبنان مثلاً التجاوب مع التمني أو التحذير أو لا.
وتبعاً لذلك، إن الإشكالية هي في أن الدولة اللبنانية، وفقاً للمصادر، غير قادرة على اتخاذ قرار يمنع تصدير المازوت الى سوريا. على المستوى السياسي اتخاذ مثل هذا القرار يلزمه قرار سياسي من الحكومة هذا أولاً، ثم أن حرية تصرف القطاع الخاص تجعله لا يلتزم بعقوبات، إلا إذا كانت دولية، مثله مثل الدولة اللبنانية. لكن المصارف وضعها مختلف، فهي كيانات خاصة يحق لها أن تختار طريقة عملها، وأن تتجنب العقوبات عليها، وأن تستجيب لكل تمنٍ أو تهديد. والقطاع المصرفي ابتعد عن المشاكل مع الولايات المتحدة، ومهمة الدولة في هذا المجال هي فقط في التأكد من مرور البضائع عبر الجمارك. ولا يمكن للبنان في هذا الحالة أن يعزل نظام الأسد من دون قرار دولي يحظر عليه التعامل معه، والمصارف التزمت بالرغبة الأميركية من دون أن تجبرها أي جهة على ذلك بما فيها الدولة. فقط الدولة والمسؤولون نقلوا التهديد الى المصارف التي استجابت للولايات المتحدة.
في الموضوع الإيراني، هناك عقوبات دولية صادرة عن مجلس الأمن بقرارات، يستجيب لها لبنان الى حد كبير. وهنا الأمر مختلف عن الموضوع السوري، نظراً الى وجود قرارات دولية لا يمكن للبنان أن يتجاوزها. لكن الولايات المتحدة عملت على استثناءات في مجال العقوبات على إيران لكي تتمكن كوريا الجنوبية والهند من استيراد النفط الإيراني. في حين أن تركيا لم تلتزم بالقرارات لناحية النفط الإيراني، والعقوبات ضد إيران متصلة ببرنامجها النووي ولبنان ملتزم بكل مقتضيات العقوبات لأنه يلتزم بالشرعية الدولية وآلياتها. إنما أي قانون أميركي لا يمكن للدول الالتزام به إلا تحت الضغط الذي تمارسه واشنطن لا سيما على الدول الصغيرة ولأغراض سياسية. ويُذكر أن معظم المصارف اللبنانية ملتزمة العقوبات على إيران، وقد يستثنى من ذلك المصارف التي لها امتداد إيراني فقط. لكن لا عقوبات حتى الآن في المفهوم الاقتصادي على إيران.
الإشكالية لدى الدولة، تقع في الإجمال في كيفية تطبيق سياسة النأي بالنفس عن الموضوع السوري، على المستوى السياسي الرسمي هناك قرار بالنأي بالنفس. على مستوى الأحزاب، هناك حرية في المواقف فهناك من يدعم الثورة معنوياً، وهناك من يدعم النظام عسكرياً وأمنياً ويقاتل الى جانبه. على مستوى الوقائع، لبنان ينفتح على كافة المتطلبات والمقتضيات بغض النظر عن الانتماءات، وهذا ما يطبق أيضاً في التجارة
المستقبل