الغرب إذ يتدخل في شؤوننا/ حسام عيتاني
يحلو للأيديولوجيين العرب، بمذاهبهم الثلاثة، وضع كل تدخل غربي في خانة التآمر والهجوم على المنطقة أو أي منطقة أخرى من العالم، لغايات استعمارية تتكرر منذ القرن الثامن عشر من دون تغيير أو تبديل.
ويحاول الإسلاميون والقوميون واليساريون العرب تفسير كل تحرك سياسي غربي ضمن منظومة المفاهيم المشتركة في ما بينهم والتي تعود في أصولها إلى الأيديولوجيات القومية (الغربية بدورها والتي أحيلت إلى التقاعد في بلاد المنشأ) مع لمسات من العبارات المستلة من النصوص الإسلامية المقدسة أو أدبيات الماركسية بطبعتها السوفياتية والعالم-ثالثية الرديئة.
يرفض هؤلاء رؤية العلاقات الدولية من زاوية أعرض من تلك التي حشروا أنفسهم فيها، حيث أقاموا سعداء بأفكارهم التبسيطية إلى حد السذاجة عن المصالح والاستراتيجيات الكبرى وتشابك الأوضاع ودور الاقتصاد. ورغم اشمئزازهم المعلن من “الاستعلاء الاستشراقي” الذي يعامل الغرب به هذا الجزء من العالم، يبدون تلامذة أوفياء للعبارة الأكثر “استشراقية” والمستعارة من قصيدة كيبلنغ: “الغرب غرب والشرق شرق ولن يلتقيا”. والاستعارة هذه ورغم أن التنديد بلامبالاة الغرب حيال المآسي التي تقع في بلادنا، سواء ارتكبها الاحتلال الاسرائيلي أو جرت على أيدي زبانية محليين، من الممارسات التي ارتقت إلى درجة الفنون.
فالغرب مغرق في الشر، لأسباب ماورائية أو وراثية ولا هم له غير النيل من الشرق الغني بالقيم والأخلاق والتراث… والنفط. وهو يمارس السياسة اليوم تماماً مثلما كانت تمارسه القوى الاستعمارية عبر “ديبلوماسية البوارج” لكن هذه المرة عبر قاذفات الـ”بي –52″ وصواريخ “توماهوك”. لا جديد تحت الشمس عندهم. أما استنكار لا مبالاته بإزاء الكوارث التي تقع علينا، فليس إلا وسيلة أخرى للتأكيد على شروره وعدائه الأصيل لشعوبنا المظلومة.
المستوى الذي يحلل به الإيديولوجيون العرب السياسة العالمية، والمرتكز الى أسس ثنائية (الخير والشر، الغرب والشرق، الإسلام والصليبية…الخ) يتجاهل الترابط العميق بين المصالح وحدود التحمل التي يمكن للعالم بلوغها. وعندما تقرر الدول الغربية توجيه ضربة عسكرية إلى دولة يحكمها ديكتاتور دموي ـ سيان أكان اسمه سلوبودان ميلوسيفيتش أو صدام حسين أو بشار الأسد- ترتفع الأصوات المنددة بالغرب وأطماعه وتسترجع تواريخ غزو القارة الأمريكية وإبادة الهنود الحمر وحرب الأفيون.
غني عن البيان أن الدول ليست جمعيات خيرية، وأن السياسيين يملكون من الضمير قليله بحيث لا يتأثرون بصور أطفال الغوطة الدمشقية يختنقون بغاز السارين. لكن هذا أمر، ورفض التدخل الغربي بالمطلق وإعلان الحرص على سوريا من دون تمييز بين نظام قاتل وشعب يتوق إلى الخلاص، بتبريرات وترهات أيديولوجية، أمر آخر تماما. فما من شيء حمل النظام السوري وقبله العراقي والصربي على قتل المدنيين والقضاء على الحياة السياسية وارتكاب الفظائع بمواطنيهم تمسك مرضي بالسلطة مترافق مع عجز عن إدراك حقائق العالم المعاصر.
كان الغرب مستفيداً من صدام حسين أثناء حربه مع إيران. وتجاهل مجزرة حلبجة رغم الإثباتات التي قدمتها المعارضة الكردية. المناشدات بالتدخل آنذاك وقعت على آذان صماء إلى أن وضع صدام نفسه في موقع العداء للعالم بأسره. حينها استعيدت حلبجة وحملة الانفال و”اكتشف” العالم ان صدام حاكم مجرم.
وربما كان الغرب يفضل أن يصدق رواية بشار الأسد وأتباعه عن الجماعات التكفيرية التي شاركت وسائل الاعلام الغربية الكبرى في الترويج لها طوال عامين من الثورة السورية اليتيمة. كانت هذه “السلعة” الاعلامية والسياسية اسهل تسويقا عند الجمهور الغربي المشغول بمشاكله الاقتصادية وبرهابه من “الارهاب الجهادي”. لكن الأسد ارتكب ما أحرج الغرب وأرغمه على الخروج عن صمته وعن تواطئه الضمني مع القاتل.
لقد أرسل الأسد، أو من قرر استخدام السلاح الكيماوي في الغوطة (وسط تقديرات عن دور “غير سوري” في الهجوم)، رسالة شديدة الخطر إلى المجتمع الدولي خلاصتها أنه قد بات منفصلاً تماماً عن شعبه وعن المصالح التي تقوم عليها كل الدول الوطنية ودخل طور الكيان الإجرامي المسلح. ليس هذا تجاوزاً “للخط الأحمر” الذي رسمه باراك أوباما فحسب والذي بات أضحوكة في سوريا والعالم العربي، بل إنه ينطوي، في العمق، على انتصار أخير ونهائي للنزعة البربرية عند الحاكمين في دمشق على أي اعتبار بشري – آدمي. وعلى غرار فشل سياسة “التهدئة” التي اتبعتها الديموقراطية الغربية مع هتلر واضطرارها في نهاية المطاف، ولحماية مصالحها إلى خوض الحرب ضد المرض النازي، وجد الغرب أن المزيد من السكوت عن الأسد وحلفائه يعني تعرض مصالحه بالذات للخطر.
أخيراً، على من يعظ اليوم بالوطنية والدفاع عن الدولة والشعب السوريين، أن ينظر إلى معاني هذه الكلمات ليس عند حاكم سوريا وحده، بل عند كل السلطات العربية وخصوصاً “القومية” و”الممانعة” منها، وكيف تتعامل مع “الوطن” و”الدولة” و”الشعب” كممتلكات شخصية.
موقع 24